مدينة تشيوانتشو الواقعة على امتداد طريق الحرير البحري

خلال زيارتنا لمدينة تشيوانتشو، زيتونة الصين، كان لا بد من زيارة أبناء هذه القومية المنحدرة من أصول عربية. المؤرخون الصينيون يذكرون للتجار العرب فضلهم في تعليم المحليين بالمدينة صناعتين مهمتين هما صناعتا البخور والأحذية. مدينة تشيوانتشو حاليا تتمتع باقتصاد قوي هو الأبرز على مدى 8 سنوات متتالية، في مقاطعة فوجيان الساحلية الغنية. رجال الأعمال الحاليون من غربي آسيا يعرفونها جيدا بفضل المعارض الحديثة لتجارة الملابس بالجملة. في شيشا بمحافظة جينجيانغ التابعة للمدينة، حيث آلاف المتبضعين العرب يزورونها ويعقدون الصفقات لشراء الملابس بملايين الدولارات فيها. زرنا قرية أو تجمع جيانغتو لأبناء قومية هوي المسلمة، حيث يسكن نحو 5490 شخصا ينتمون لنحو 1248 عائلة، وهي الأكبر بين 7 قرى أو تجمعات مماثلة أخرى بالمدينة. يمتهن معظم سكانها صناعة وتجارة الأحذية وما يرتبط بها من مستلزمات. وفي ظل سياسة الإصلاح والانفتاح بالصين، والسياسات التفضيلية التي توفرها الحكومة المركزية والحكومات المحلية لأبناء الأقليات القومية، يسير أبناء هوي على طريق العمل الجاد لتطوير أنفسهم وأعمالهم في ظل مجتمع أعمال منفتح. في القرية حاليا أكثر من 200 شركة تعمل بقطاع صناعة الأحذية، وأبرز مساهماتها الاجتماعية تتجسد في بناء المدارس ودعم التعليم بكافة مراحله لإنشاء جيل جديد مسلح بالعلم والمعرفة.

شركة أحذية ومستلزمات رياضية أضحت علامة تجارية بارزة في معظم المحافل الرياضية في الصين والخارج! إنها شركة الأحذية والملابس والتجهيزات الرياضية المعروفة باسم 361 درجة. مؤسسها من عائلة دينغ التي أشرنا إليها أعلاه، اسمه دينغ جيان تونغ، كان يعمل عازف آلة ساونا الموسيقية التقليدية لأوبرا قاوجيا لجنوبي الصين. في عام 1984، وكان عمره 44 سنة، فقد عمله كعازف، واضطر للتقاعد المبكر. في البداية، شعر بخيبة أمل ولكنه أفاق من تلك الخيبة وعقد العزم على تجربة مجال عمل آخر. قرر تحطيم الآلة الموسيقية حتى لا يبقى مرتبطا بها. لم يكن معه سوى 2000 يوان ( 228 دولارا أمريكيا تقريبا).

هذا المبلغ لم يكن قليلا في تلك الفترة، اشترى به ماكينة بسيطة ومستلزمات أخرى لحياكة وخياطة الأحذية، وبدأ العمل مع عائلته المكونة من أربعة أفراد. قال السيد دينغ المتقاعد حاليا، والمستشار الروحي للشركة: "منذ اليوم الأول، وأنا حريص على الأمانة في عملي ولمتطلبات الزبون. أقوم بنفسي بكافة الخطوات الأساسية للعمل، مثل التصميم المريح للحذاء وقياسه الدقيق، ونوعية المادة الخام. وبالتدريج، تعرف الناس على بضاعتي وراجت في سوق مدينتنا." وتطورت الورشة العائلية فانضم إليها 8 عمال آخرون، الأمر الذي سمح للسيد دينغ بحريّة التنقل لاستكشاف الأسواق بمدن الجنوب الأخرى، حيث أطلع على تجارب أخرى، وعلامات أجنبية عززت لديه فكرة الأمانة والإبداع والمواكبة. ومن تلك البداية المتواضعة، تطورت الشركة وأصبحت حاليا من أكبر الشركات الصينية، تسهم في زيادة إجمالي الناتج المحلي للمدينة، وتشارك في رعاية الكثير من المناسبات والمنافسات الرياضية، وتتطور للأحسن والأكثر عملا وربحا، وتقدم إسهامات اجتماعية وأعمالا خيرية. خلال الفترة 1992-1998 تعززت أعمال الشركة مع أسواق غربي آسيا، لا سيما الأردن والعراق والإمارات وإيران التي تحظى بحصة الأسد في التعاملات التجارية مع الشركة. قال السيد دينغ: "كانت فكرة الإبداع والمواكبة تسيطر عليّ وتأخذ حيزا كبيرا في تفكيري بالشركة ومستقبلها، وطالما تمنيت وحرصت على التوجه الأوسع إقليميا وعالميا في أعمالي. بدأت باسم هوافنغ، ثم بيوك BUICK اسم السيارة الأمريكية المشهورة، واستقر الحال على اسم 361 درجة، لأن 360 هي الدرجة الأوسع في المنظور الرياضي، وأضفت لها رقم واحد لتكون 361، والواحد يعني خطوة إضافية حتمية نحو المستقبل ومواجهة التحديات." ومن تلك الـ228 دولارا أمريكيا، زادت مبيعات الشركة بمعدل 100% على أساس سنوي، وبلغت قيمة مساهماتها الضريبية للدولة ملياري يوان خلال السنوات الأربع الماضية، وفي العام الماضي وحده بلغت 650 مليون يوان. تقدم الشركة سنويا إسهامات اجتماعية ووطنية وتبرعات مالية ومادية بالملايين، لقريتها ولكل مناسبة تستدعي العمل الخيري. وبعد تقاعده، قام السيد دينغ بتسليم أمور الشركة لابنه الأكبر دينغ هوي هوانغ، في حين يتولى صهره أمور التسويق. قصة شركة 361 درجة، نموذج واحد من ملايين القصص المماثلة في الصين الجديدة.