قرية وانياو في مقاطعة تسجيانغ

تقع قرية وانياو، التي يرجع تاريخها إلى سنة 1368، في بلدة تشياودون بمحافظة تسانغنان في مقاطعة تشجيانغ. كانت قاعدة رئيسية لإنتاج الخزف الصيني الشعبي الأزرق والأبيض في جنوبي مقاطعة تشجيانغ، وظلت محافظة على ملامح القرى الصينية القديمة.

مع تطور الفنون الحديثة لإنتاج الخزف الصيني، نسي الناس تدريجيا التاريخ المشرف لقرية وانياو في إنتاج الخزف.

تتكئ قرية وانياو القديمة على جبل وتواجه نهرا، وتعد نموذجا للقرية الجبلية. كل دورها والمصانع فيها وقمائن لونغياو (لونغياو تعني القمين الكبير العالي الذي يشبه التنين) والمسرح القديم في هذه القرية تشكل صورة مميزة تحكي تاريخ القرية القديمة.

ثلاثمائة دار مشيدة بالخشب متناثرة في منبسط جبلي مازالت محتفظة بملامحها التقليدية وتجسد ذكاء الحرفيين الشعبيين ومهاراتهم، وتعد أحفورة حية لبيوت عامة الشعب في المناطق الجبلية بجنوبي مقاطعة تشجيانغ.

ويقال إنه في زمن ازدهار القرية كانت الفتيات من خارجها يعتبرن الزواج من أحد شباب وانياو شرفا كبيرا.

المسرح القديم في القرية مشيد بالخشب، من دون مسمار واحد أو قطعة حديد. على سطحه رسوم عروض الأوبرا التقليدية الصينية. عندما رأينا المسرح القديم على سفح الجبل، وسألنا عن سبب وجود مسرح رائع في هذه القرية النائية، قال أحد المحليين إن هذا المسرح القديم بني في فترة ازدهار قرية وانياو، حيث كان يأتيها التجار من أنحاء الصين لشراء الخزف الصيني، وبسبب الحاجة الكبيرة إلى الخزف الصيني ومدة إنتاجه الطويلة، كان هؤلاء التجار يضطرون للبقاء في القرية نصف سنة على الأكثر، ففكر أبناء القرية في استحداث وسيلة ترفيهية لهم. جمع أبناء القرية أموالا لبناء المسرح واستدعوا ممثلي الأوبرا لتقديم العروض على خشبته، فوفروا للتجار وسيلة للترفيه والاستراحة ومشاهدة عروض الأوبرا.

ويقال إن وانياو كان فيها مسرحان، المسرح الآخر يقع بسفح الجبل وقد تمت إزالته لبناء خزان ماء في مكانه. كانت فرق الأوبرا المشهورة في مدينة ونتشو تذهب إلى قرية وانياو لتحكي القصص التاريخية للمشاهدين بعروضها الرائعة على المسرحين.

قرية وانياو كانت عاصمة الخزف الصيني. تعرض في متحف وانياو للخزف الصيني منتجات الخزف الصيني، التي أنتجت في مختلف الفترات وتسجل تاريخ هذه القرية وتحكي لزوار المتحف قصصه القرية. معظم أسلاف أهل قرية وانياو انتقلوا إليها من محافظة ليانجيانغ بمقاطعة فوجيان قبل أكثر من ثلاثمائة سنة فرارا من الحروب. بعد وصولهم إلى القرية، سكنوا معا وقاموا بإحياء الأرض الموات وبناء البيوت والقمائن، وطوروا مهاراتهم لإنتاج الخزف الصيني، ثم أقاموا قرية الخزف الصيني في المنطقة الجبلية. بينما كانت القرى الأخرى تعتمد في حياتها على حرث الأرض والزراعة لتحقق الاكتفاء الذاتي، تخصصت وانياو في إنتاج الخزف الصيني. وفي الفترة من أواسط القرن السادس عشر حتى أواخر القرن السابع عشر، لم تكن وانياو قرية نائية، بل كانت عاصمة الخزف الصيني التي يعرفها القاصى والدانى والمركز التجاري للخزف الصيني.

في أوج ازدهارها، بلغ عدد سكان قرية وانياو الصغيرة أربعة آلاف نسمة بفضل ازدهار صناعة الخزف الصيني. كانت منتجات قرية وانياو الكثيرة الأنواع تباع في محافظات مدينة ونتشو ومقاطعات جيانغسو وآنهوي وشاندونغ وتايوان وغيرها.

مع تطور صناعة الخزف الصيني في الفترة الراهنة، ظهرت قمائن الفحم والكهرباء والغاز، وحل الإنتاج الآلي للخزف محل الإنتاج اليدوي التقليدي. خمدت نيران قمين لونغياو قبل سنوات، ولم تظهر الطاسات اليدوية لقرية وانياو في السوق. قرية وانياو، التي كانت عاصمة الخزف الصيني القديمة المزدهرة، صارت حاليا قرية نائية، ولا يتجاوز عدد سكانها مائتي فرد، معظمهم مسنون ومرضى.

ومن أجل نشر تاريخ قرية وانياو لإنتاج الخزف الصيني، كلف المكتب السياحي المحلي الأسطى يوي تشن مان، الذي كان يعمل في قمين لونغياو، بتقديم عرض لعملية إنتاج الخزف الصيني للزوار في خارج قمين لونغياو. يوي تشن مان، الذي جاوز عمره ستين سنة، عمل في إنتاج الطاسات لمدة أربعين سنة بمصنع الخزف الصيني بالقرية، وبعد إغلاق مصنعه، ظل يسكن في القرية.

إضافة إلى مشاهدة عملية إنتاج الطاسات، يمكن للزوار أن يجربوا هذه العملية بأنفسهم. قال يوي تشن مان إن الكثير من الزوار يحبون الطاسات التي يصنعونها بأنفسهم ويريدون أخذها إلى بيوتهم ويتخذونها تذكارا من قرية وانياو.

لا يزيد راتب يوي تشن مان عن ثلاثمائة يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات) شهريا، ولكن يسعده أن يعلم الزوار إنتاج الخزف الصيني، ويتمنى أن يأتي المزيد من الزوار إلى قريته. إضافة إلى ذلك، يعمل يوي تشن مان في الحقول في أوقات الفراغ. كلما وجد الصلصال الفخاري، الذي يستخدم في إنتاج الخزف، أراد أن يأخذه إلى القمين، ولكن القمين مغلق، فما فائدة هذا الصلصال؟

خمدت نيران قمين لونغياو، ولا أحد في قرية وانياو ينتج الطاسات، فلا يستطيع يوي تشن مان أن يعيش حياة رغيدة بمهارته في إنتاج الخزف الصيني. انتقل شباب قرية وانياو إلى خارجها للعمل أو التجارة، وبقي المسنون فقط فيها.

يقترح البعض على أهل القرية أن يستعيدوا إنتاج الخزف الصيني لأعادة ازدهار القرية، خاصة وأن سوق الخزف الصيني مازالت واسعة في الصين والخارج. ولكننا نجد في عيون أبناء القرية رغبتهم في الخروج منها. حتى وإن أعيد تشغيل قمين لونغياو مرة أخرى، لن يعود ازدهار صناعة الخزف فيها لأن مهارات إنتاج الخزف أهملت. في الحقيقة، الحفاظ على هدوء القرية وكمالها أهم شيء حاليا.

في ثمانينات القرن الماضي، جاء إلى القرية عدد من اليابانيين المهتمين بالتقاليد والعادات، فأصبحت القرية مفعمة بالحركة والنشاط، ودخلت دائرة اهتمام كثيرين ونالت مزيدا من الاهتمام في المجتمع. وفي تسعينات القرن الماضي، ذهب لوه تشه ون، مدير مكتب الخبراء بمصلحة الدولة الصينية للآثار، إلى القرية، وبعد مشاهدة المسرح وقمين لونغياو والبيوت المحلية، قال: "يمكن للقرية أن تطلب إدراجها في قائمة التراث الثقافي العالمي!"

جمع أبناء القرية أموالا وبنوا متحف وانياو للخزف الصيني، مما قدم مساهمات كبيرة لحماية مقتنيات القمين الثمينة. تحمل القرية حاليا لقبي "القرية الثقافية والتاريخية في الصين" و"أجمل قرية في مقاطعة تشجيانغ"، وزاد عدد زوار القرية في السنوات الأخيرة.