متعة الشتاء في مدينة هاربين

تعتبر الصين من أبرد دول العالم في فصل الشتاء، ورغم ذلك، يتجول المحليون في الخارج أثناء فترة الشتاء القارس.

في المناطق شبه القطبية الواقعة بشمال شرقي الصين، تستقبل بعض المواسم بحزن، بينما يعجب الناس بالشتاء القارس

في عاشر أكبر مدن الصين، هاربين، حوالي مليون مواطن محلي يشاركون في حفلة مصابيح الجليد ويتمتعون بأعمال النحت الجليدية.

تبعد مدينة هاربين ساعة فقط عن سيبيريا، ورغم أن موسم البرد فيها مدته نصف سنة، إلا أنها تبقى جذابة. يستغل المحليون الجليد والثلوج لبناء ملعب كامل وضخم في فصل الشتاء

يجذب مهرجان الجليد والثلوج الدولي العديد من السياح القادمين من أنحاء العالم، وتعد مسابقة النحت الجليدي الفعالية الأكثر إبداعا في المهرجان.

يقال إن النحت الجليدي ابتكر من قبل صياديين في أسرة تشينغ الملكية، حيث قاموا بثقب الجليد في مصابيح الزيت. وقد أصبح الآن معرض أعمال النحت الجليدي من أكبر المعارض الفنية المكشوفة في العالم. تبدأ الأعمال التمهيدية لمهرجان الجليد والثلوج في النصف الثاني من نوفمبر، حيث يجمع أكثر من ألفي عامل الجليد في نهر سونغهوا، ويجمعون ثمانين ألف قطعة جليد سنويا في سطح النهر، إنه عمل شاق، لكون القطعة الواحدة تزن طنا كاملا. لم ينته العمل المرهق، فبعد جمع قطع الجليد من سطح النهر، سينقلها العمال إلى أماكن أخرى بالمدينة. وسيصنعون أعمال النحت الجليدي بمختلف الأشكال.

أعمال النحت الجليدي بمختلف الأشكال

تقام مسابقة دولية لأعمال النحت الجليدي في حديقتي تشاولين وستالين على شاطئ نهر سونغهوا. وتبلغ مساحتها 6.5 هكتارا، ويتوافد عليها النحاتون من الولايات المتحدة واليابان وسينغافورا وكندا. دائما ما يحفر النحاتون شكل المباني المشهورة في العالم مثل نوتردام والمدينة المحرمة. كما أن الرسم على الجليد هو أيضا تصميم شائع.

فهناك طريقتان لمعالجة سطح النحت الجليدي. إحداهما باستخدام هذا، فيمكن نحت هذه الخطوط الناعمة. والأخرى باستخدام الإزميل، فسيكون السطح أكثر خشونة. وبعد ثلاثة أيام من تآكل الرياح وإشعاع الشمس، يصبح السطح مصقولا. يبدو أن الفعالية الأخيرة أكثر صقلا. بعد غروب الشمس، تضيء مصابيح النيون والحزمات الضوئية للنحت الجليدي، ويمكنكم التمتع بالجاذبية الفنية التي يخلقها الفنانون بالجليد.

حقا هناك علاقة خاصة بين هاربين ومناظرها الطبيعية القاسية

تعد هاربين من أبرد المدن الصينية، كما أنه من المعروف أنها قرن الصهر لمختلف الحضارات. كانت من أكبر المناطق المأهولة بالمغتربين الروس. وحتى اليوم ما زال بإمكانك الإطلاع على الآثار التي تركتها روسيا على هاربين بوضوح.

في المناطق القديمة بالمدينة، طبع التاثيرات بالخصائص السلافية كل المناحي من الأطعمة المحلية إلى الهندسة المعمارية، وذلك ما يشكل حالات نادرة للانصهار الثقافي في الصين.

كانت هاربين قرية الصيادين الصينين، تقليدية وصغيرة. حتى أوائل القرن الماضي، تدفق الروس إلى هاربين بمناسبة بناء السكك الحديدية السيبيرية. والآن أنظر إلى هذه المدينة، إنها موسكو الصغيرة

حوالي 200 ألف روسي نزحوا من الاتحاد السوفياتي الذي أنشئ بعد نشأته بقليل. تدفقوا إلى هاربين عبر السكك الحديدة السيبيرية، وهو ما جعلها أكبر المناطق الآهلة بالروس المغتربين.

أصبحت هاربين حاليا مدينة رئيسية في شمال الصين، وتشتهر بشتائها القاسي، حيث يبلغ معدل درجة الحرارة سبعة شعر تحت الصفر سيتغراد.

منحوتات ثلجية في هاربين

في الشتاء، دائما ما يكون الشارع المركزي مزدحما بعربات التثلج، يعد هذا الشارع الذي يبلغ طوله 1.4 كم أطول شوارع المشاة في آسيا. إذا نظرت إلى المتاجر التي تعلق عليها لافتات، يمكنك التمتع بنماذج الأسلوب المعماري الروسي والأوروبي من العصر الباروكي حتى البيزنطي.

يرجع الفضل إلى مكانة هاربين كبلدية نائية وقتذاك. فهي ليست ملجأ للمغتربين الروس فحسب، بل أفضل الخيارات للوافدين من أوروبا وغرب ووسط آسيا لبدء حياتهم الجديدة والحفاظ على إيمانهم بحرية. حقيقة تعتبر هاربين خلال فصل الشتاء

من أبرد المدن الصينية. لكن سكان هاربين يفضلون التجول في الشارع المركزي بدل الصراع مع الطبيعة.

في ذروة الحرب العالمية الثانية، بني هنا ملجأ تحت الأرض، وتحولت الأسواق إلى هناك، حيث توجد الأطعمة القومية اللذيذة في هاربين. الطعام في هاربين فريد ومزيج من الأسلوبين الصيني والروسي. من ضمن الأطعمة المحلية الشائعة نقائق لحم الخنزير المدخنة والشعيرية بالمخللات والكرات المحشوة المقلية، أي الفطائر المحشوة الروسية باللحم المفروم والخضراوات، والملفوفة بالبيض. يعد الخبز الكبير الطعام الرئيسي اليومي للروس، وأيضا الطعام الخاص في حفلات الزفاف، حيث يهديه والدا العروسين لهما، وهي رمزية تفائل لازدهار الأسرة.

في العقد الأول من القرن العشرين، أدار الطهاة الروس مخبزة باسم تشيولين لضمان تموين الطعام التفليدي الروسي مثل الخبز الكبير. باعت الحكومة السوفياتية هذه المخبزة إلى الحكومة الصينية في عام 1953، واستمر إنتاج الخبز الكبير رغم الفيضانات والكوليرا والثورة الثقافية الكبرى.

يجهز رئيس الطهاة لي تيان مينغ وفريقه 700 خبزة كبيرة كل يوم، وذلك باستخدام الوصفة المتوارثة من الطهاة الروس. تتطور روسيا بسرعة، والطريق التقليدي لتجفيف الخبز الكبير ضاع في كثير من الأماكن بروسيا. يبلغ الإنتاج السنوي من الخيز الكبير في هذه المخبزة 4000 طن، وذلك ما يبين مدى مساهمة هاربين في توريث الأطعمة التقليدية.

أسس المواطنين الصينيين والروس معا هذه المدينة الخاصة من أجل التخفيف من قسوة الشتاء. والآن، نادرا ما ترى الروس يتجولون في شوارع هاربين، لكن التقاليد الروسية المتنوعة ظلت محفوظة في المبان والأطعمة، وطبعا في الفودكا أيضا.

قبل عشر سنوات، كانت رياضة التزلج كلمة غريبة في الصين. لكن في السنوات الأخيرة، تطورت هذه الرياضة، ولقيت إقبالا واسعا. مع تطور الاقتصاد الصيني، أصبحت هذه الرياضة التي كانت بائرة شائعة جدا، وترمز إلى المكانة الاجتماعية العالية للطبقة البرجوازية الوسطى الجديدة.

تتمتع هاربين بظروف ممتازة لممارسة رياضة التزلج

تقدم سلسلة الجبال بشمال شرقي الصين ظروفا ممتازة، حيث يتدفق آلاف الأشخاص إلى حلبة التزلج يابولي بمقاطعة هيلونغجيانغ في الشتاء.

كان مكان الصيد البري في أسرة تشينغ الملكية. اليوم، أصبح أفضل منتجع للتزلج في الصين. يقع منتجع التزلج يابولي في جبل شمس يابولي بمقاطعة هيلونغجيانغ شمال شرقي الصين، ويعد أكبر ملعب شتائي في الصين، يتردد معدل درجات الحرارة السنوي تحت الصفر سيتغراد، ما يجعل موسم التزلج يستمر نصف سنة، وله أطول مجرى عربة الزلاقة في العالم، أطول المنحدرات هنك يبلغ طوله 3000 متر تقريبا، ويتجاوز فرق الانحدار 800 متر، ما جعله أطول وأكثر تحفيزا في آسيا. إضافة إلى هذه المنحدرات، يمكن للمنتخب الصيني إجراء تدريبات في منحدر خاص للتزلج الشمالي المركب بخمسة كلم.

نال منتجع يابولي لقب "الحديقة الوطنية" عام 1993 للحفاظ على البيئة الطبيعية والأحياء البرية الخاصة. ومن أجل الحفاظ على البيئة وسد حاجات المتزلجين، وظف المنتجع 600 عامل. الذين يتحملون أشق المهمات هنا هم الحراس، وفريق الإنقاذ. استخدمت فرق الإنقاذ في المرحلة الأولى سانت برنارد للبحث عن المفقودين في الانهيار الثلجي. والآن تتكون فرق الإنقاذ من الأطباء المتدربين والمكتشفين.

يقوم فريق يابولي المكون من 40 عضوا بدورية في حلبة التزلج بالمنتجع التي تبلغ مساحتها 2000 أكر. وعدد المتزلجين أصبح أكثر فأكثر، فالأعضاء مشغولون جدا طول اليوم. رغم أن الرياضة الشتوية ليست شائعة في الصين كما في الدول الغربية، لكن المزيد من الأسر الصينية والشباب الذين يكسبون راتبا ضخما يحبون هذه الرياضة، مما يبين المستقبل الواعد للرياضة الشتوية في الصين.

في الدورة الأولمبية الشتوية عام 2010، حققت الصين أفضل النتائج في تاريخها،

حيث أحرزت خمس ميداليات ذهبية، واحتلت الرتبة السابعة في تربيت الميداليات.

فإذا عززت الصين الإدارة الفعلية، فإن الأماكن المتميزة مثل منتجع التزلج يابولي ستجذب أبطال الأولمبياد الشتوية الأمريكيين والأوروبيين.