التجول في مقاطعة قويتشو الملونة

مدينة آنشون

تقع مدينة آنشون على هضبة قويتشو جنوب غربي الصين، وتحمل كلمة "آنشون" معنى مبارك، أي "سلامة واستقرار ورخاء الدولة وتناغم أبناء الشعب"، وتوجد في هذه المدينة شلالات هوانغ قوه شو الكبرى، وهي واحدة من أشهر المناظر الطبيعية في الصين. وقبل حوالي ثلاثمائة وثمانين سنة، كان الرحال الصيني المشهور شوي شيا كه قد زار هذه المنطقة وقد تعجب كثيراًً بمنظر الشلالات، ونظم شعراً شبه فيه الشلالات تحت أشعة الشمس بأقمشة حريرية ملونة مهداة من السماء. ويمكن القول إن مدينة آنشون موطن شلالات حقيقي، اذ تنتشر فيها أكثر من مائة وعشرة شلالات، ومن أبرزها شلالات دو بو تان الواسعة وشلالات ينغ ليان زوي تان الرشيق، وكل هذه الشلالات رائعة وخلابة، وتأخذ بألباب الزوار وتجعلهم ينغمسون في المتعة وينسون العودة.

تعتبر شلالات هوانغ قوه شو الأكبر والأشهر بينها. يبلغ عرضها 81 متراً وارتفاعها 74 متراً أي ما يعادل ارتفاع مبنى ذي 20 طابقاً، تنحدر سيول الشلالات الهادرة مباشرة من الأعلى إلى الأسفل دون أن تلمس جدران الجرف، وتصب في بركة شي نيو، فتتصادم السيول مع الصخور، محدثة صدى كبيراً ورذاذا يبدو كالضباب، وإذا وقف الزائر على بعد ما بين خمسين إلى ستين متراً عن الشلالات، ستبلل ملابسه تماماً.

شلالات هوانغ قوه شو

تعني كلمة" هوانغ قوه شو" الشجرة ذات الثمار الصفراء، لذلك يعتقد معظم الزوار أن اسم هذه الشلالات مأخوذ من شجرة مثمرة، لكن في الحقيقة أن اسم الشلالات مأخوذ من شجرة الأثأب أو ( تين البنغال) التي تنمو على نطاق واسع في هذه المنطقة، لأن جو هذه المنطقة ليس بارداً في الشتاء وملائم لنمو شجرة الأثأب، وأكثر ما ينتشر في هذه المنطقة نوع خاص من شجرة الأثأب يطلق عليه اسم شجرة هوانغ قوه.

وبالمقارنة مع الشلالات الضخمة المشهورة عالمياً، لا تعتبر شلالات هوانغ قوه شو الأكبر من حيث حجم مياهها وارتفاعها، لكن هذه الشلالات تتميز بميزة خاصة تمكن الزوار من دخول كهف الجبل والتمتع بالشلالات من خلفها. يقع الكهف العريض وسط الجبل، ويبلغ عرض مدخله اكثر من 100 متر. وبنيت عند المدخل ست نوافذ لمشاهدة الشلالات من خلفها، وليس ذلك فحسب، بل يمكن لمس الشلالات باليد. وتعتبر هذه التجربة متميزة لا يمكن تجربتها في مواقع الشلالات العالمية المشهورة الأخرى. وإذا وقف الزائر بجانب إحدى نوافذ الكهف، يمكنه مشاهدة الشلالات الجميلة من خلفها عن قرب، إنه منظر رائع جداً.

منطقة هوانغ قوه شو

إن مشهد الشلالات مثير، أما الدخول إلى الكهف الذي خلفها فيحتاج إلى شجاعة. لكن إذا وصل الزائر إلى منطقة شلالات هوانغ قوه شو، ولم يدخل الكهف الذي خلفها ويلمس الشلالات بيده، فلن يستطيع التمتع بروعتها الحقيقية.

وبجانب نوافذ الكهف، يمكن للزائر مشاهدة منظر رائع آخر أيضاً، إذ يمكنه التمتع بقوس قزح جميل فوق بركة شي نيو، وكلما يخطو الزائر خطوة، يتغير مشهد قوس قزح، حيث تتدرج فيه الألوان السبعة أمامه.

شلالات دو بو تان

بسبب وقوع شلالات هونغ قوه شو في منطقة حمم بركانية جعلها عرضة لفقدان المياه، وهذا يعقد إمكانية الحفاظ على المياه الوفيرة فيها، الأمر الذي يؤثر على عظمة وروعة الشلالات إلى حد ما، والآن يعتمد إمداد مياهها على الأمطار الطبيعية لنصف سنة، أما نصف السنة الآخر فيعتمد على نقل المياه بوسيلة اصطناعية. ويعتبر الصيف أفضل موسم للتمتع بالشلالات، لأن هذه المنطقة غزيرة الأمطار في الصيف، وتبدو الشلالات أعظم وأجمل في هذا الموسم.

ها هي أصوات شلالات دو بو تان، وهي من ضمن مجموعة شلالات هوانغ قوه شو، تقع هذه الشلالات على بعد كيلومتر من شلالات هوانغ قوه شو الكبرى، ويبلغ عرضها مائة وخمسة أمتار وارتفاعها واحداً وعشرين متراً، وتعتبر الأوسع عرضاً من بين مجموعة شلالات هوانغ قوه شو، وبجانب الشلالات حديقة الطيور، التي تعيش فيها طواويس وأوزات وبطات برية بالإضافة إلى بعض الطيور النادرة، كما أن موارد النباتات هناك وافرة أيضاً.

جدير بالذكر أن مجموعة شلالات هوانغ قوه شو مشهورة جداً بمهابتها وعظمتها وجمالها وكثافتها، ومعروفة بأنها "أجمل الشلالات في الصين"، وحول ميزاتها وشهرتها، قال مسؤول في إدارة منطقة هوانغ قوه شو السياحية بفخر واعتزاز إن مجموعة شلالات هوانغ قوه شو تتكون من ثمانية عشر شلالاً مختلف الأشكال، إذ بعضها مهيب وشاهق وبعضها الآخر رشيق وممتع، وقد أدرجت هذه المجموعة ضمن موسوعة جينس للأرقام القياسية العالمية باعتبارها أكبر مجموعة شلالات في العالم. وأعرب هذا المسؤول عن ترحيبه الحار بزيارة السياح الأجانب لشلالات هوانغ قوه شو للتمتع بروعتها وسحرها.

 كهف قصر التنين

تبلغ مساحة منطقة هوانغ قوه شو عشرات الكيلومترات المربعة، إلى جانب كثرة الشلالات، تنتشر في هذه المنطقة أيضاً العديد من الكهوف الكارستية.

هناك أكثر من 1200 كهف كارستي كبيرة وصغيرة في هذه المنطقة، ومن أبرزها كهف قصر التنين وكهف شنلونغ وكهف يالانغ، ويمكن للزوار تجديف القوارب في الأنهار داخل الكهوف، مع التمتع بالنوازل الغريبة الأشكال، وبعضها تتدلى من سقوف الكهوف، وبعضها الآخر تشبه نباتات تنمو من الأرض.

إذا زرتم منطقة آنشون، يمكنكم أيضاً تجربة التقاليد الشعبية العابقة هناك إلى جانب التمتع بالمناظر الطبيعية الجميلة.

فتيات من قومية دونغ في آنشون

تعيش في منطقة آنشون 39 أقلية قومية، بما فيها قوميات بويي ومياو وهوي وقه لاو، ويقيم أبناء هذه القوميات كل سنة العديد من الاحتفالات بمناسبة أعيادهم، ومن أهم الأعياد التقليدية لقومية مياو عيد " تياو هوا"، أما أهالي قومية مياو فيطلقون على هذا العيد اسم"او داو"، الذي يعني في لغتهم " إلى التل المنحدر"، وخلال الاحتفالات بهذا العيد، يلبس الناس وخاصة الفتيان والفتيات من قومية مياو الأزياء الزاهية، ويعزف الرجال على آلات موسيقية محلية، أما الفتيات فيلعبن بدق الأجراس الصغيرة أو رمي المناديل، أو يرقصن حول أشجار الزهور، كما هناك بعض النشاطات الترفيهية، مثل عرض وو شو ومصارعة الثيران، ومسابقات حول مهارات الخياطة أو التطريز أو تسلق العمود.

فتيات من قومية مياو

وفضلاً عن ذلك، يوجد على بعد 8 كيلومترات إلى الشمال من الشلالات قرية " شي توه تشاي " المعروفة بموطن فن صباغة الانسجة بالشمع، حيث يمكن للزوار مشاركة الفتيات المحليات من قومية بو يي في إنتاج قماش متميز مصبوغ بالشمع. ويتميز هذا النوع من القماش بشقوق الشمع بعد تبريده التي تختلط مع الألوان الصباغية وتشكل عروقاً ملونة مختلفة الأشكال على الأقمشة.

بعد زيارة شلالات هوانغ قوه شو التي تقع في غربي مقاطعة قويتشو، ننتقل الآن إلى جنوب شرقي المقاطعة لزيارة بعض البلدات القديمة هناك.

بوابة قرية تيان لونغ

وعلى طول الطريق المبلط القديم الذي يرجع تاريخه إلى ما قبل 600 سنة، نصل إلى بلدة تيان لونغ القديمة، وما إن دخلنا البلدة، حتى رأينا القلعة القديمة الشامخة والمباني السكنية المتميزة، ما زال الناس هناك يلبسون الملابس القديمة الطراز التي ترجع إلى أسرة مينغ الملكية القديمة، وخلال زيارتنا لهذه البلدة، خيل إلينا أننا عدنا عبر الزمن إلى تلك السنين العابقة برائحة التاريخ.

تعتبر ملابس النساء في بلدة تيان لونغ منظراً رائعاً، إذ يلبسن الثياب الطويلة الزرقاء والعريضة والمطرزة بالرسوم الجميلة، بالإضافة إلى الأحذية المطرزة بألوان الزهور، حيث تزيدهن جمالاً وأناقة.

يذكر أن ملابس النسوة في هذه البلدة قد أصبحت عينات حية لدراسات ملابس النساء في أسرة مينغ الملكية.

النساء من ألأقليات القومية في قرية تيان لونغ

هناك نهر صغير يخترق هذه البلدة القديمة، وفوقه عدة جسور حجرية جميلة الأشكال، وفي الأيام المعتدلة المناخ، يمكن رؤية بعض كبار السن يجلسون على الجسور، يشربون الشاي ويتجاذبون أطراف الحديث. إن الشيء الذي يميز هذه البلدة عن البلدات الأخرى هو كونها عالم من الحجارة، إذ إن معظم الأشياء التي لمسناها ورأيناها هي من الحجر، فالأرض مرصوفة بصفائح حجرية، والحيطان والقلعة مبنية من الحجر أيضاً، حتى أن الأوعية والجرار والعلب التي تستخدم للسكر أو الملح أو الشاي مصنوعة من الحجر أيضاً.

إذا زرتم مقاطعة قويتشو في أوائل مايو، سيكون بإمكانكم مشاركة أبناء قومية مياو في الاحتفال بعيدهم الكبير، أي عيد الأخوات، وهو أكبر عيد لقومية مياو بمنطقة تاي جيانغ، حيث أجمل الفتيات من قومية مياو وأروع مجوهراتهن وأجمل تطريزاتهن.

احتفال فتيات من قومية مياو بعيد الأخوات

تصادف الفترة من الـ11 إلى الـ17 من مارس في التقويم القمري الصيني عيد الأخوات التقليدي لقومية مياو بمنطقة تاي جيانغ، ويعتبر هذا العيد أيضاً عيد الحب لأبناء قومية مياو، إذ غالبا ما يتم خلاله تبادل مشاعر الحب بين الفتيان والفتيات. وتحكي الروايات أنه في قديم الزمان، كانت لأسرة 7 بنات حسناوات، أردن جميعاً الزواج من فتى وسيم وممتاز، واتفقن على الذهاب إلى الجبل لجمع الأوراق العشبية الملونة، وبعد عودتهن، طبخن جميعاً قدراً من الأرز اللزج الملون باستخدام الأعشاب الملونة، ثم أقمن حفلة ودعين الشباب في القرية إلى المشاركة فيها والتمتع بالأرز اللذيذ وأداء الأغاني الشعبية المحلية والرقص الجماعي، وبعد ثلاثة أيام من الاحتفالات ليلاً ونهاراً، وجدت كل البنات الـ7 نصفهن الثاني، حيث أهدت كل واحدة منهن له الرز اللزج الملون، وهذه القصة هي مصدر وأصل عيد الأخوات.

وإذا زرت أي أسرة في منطقة تاي جيانغ خلال عيد الأخوات، فقد تجد سلطانية من الرز اللزج الملون وسط مائدة الطعام، وقد يعزمك صاحب الأسرة على أطباق فاخرة بالإضافة إلى مشروبات منزلية لذيذة التحضير. أما الفتيات فيتجمعن في ميدان القرية، وهن يلبسن أزياء عيد فاخرة ويرقصن رقصاً جماعياً بشكل دائرة كبيرة، وتكون رقصاتهن خفيفة وجذابة بمصاحبة أصوات الطبل القوية، وتنضم إليهن بين حين وآخر فتيات من قرى مجاورة، إنه بحر غامر من الفرحة وأجواء لا تنسى أبداً!