بينغياو القديمة.. أروع ما ظللته السماء

إذا نظرت من أعلى ترى بينغياو القديمة تشبه السلحفاة، فقد اعتقد الصينيون قديماً أن السلحفاة ترمز للسعادة والعمر المديد، ولهذا صمموا البنايات على شكل السلحفاة. سور المدينة تتخلله ست بوابات تشكل معاً صورة السلحفاة؛ البوابة الجنوبية-"الرأس"؛ البوابة الشمالية- "الذيل"؛ البوابتان الشرقيتان والبوابتان الغربيتان - "الأقدام الأربع"، وتمتد قناة الحماية حول السور، وتربط الجسور المعلقة بين البوابات والقناة.

في بينغياو القديمة الكثير من المنشآت ذات القيمة التاريخية التي تجسد النمط المعماري في المراحل المختلفة، إضافة إلى أنها رمز للمنجزات الثقافية الفنية للقوميات والمناطق المختلفة في الصين القديمة. المدينة بها أربعة شوارع رئيسية، ثمانية شوارع ضيقة، 72 زقاقاً. هذا التخطيط المعماري مستوحى من رسم باقوا الطاوي (الرموز الثمانية في التنجيم).

بينغياو، ببناياتها العتيقة ذات الأسلوب المعماري الفريد وشوارعها الواسعة التي تصطف على جانبيها المصارف والدكاكين، والأزقة الضيقة بين البيوت تجذب الزائرين. سيخهيوان أو الدار الرباعية عبارة عن مجموعة غرف يتوسطها فناء محاط بسور. العوارض الخشبية للغرف الرئيسية والجانبية مزخرفة بنقوش جميلة ورسوم تقليدية ملونة؛ النوافذ الخشبية مزخرفة؛ أعتاب الأبواب والنوافذ من الطوب المنقوش؛ عماداً واجهة البوابة عبارة عن أسدين من الحجر يقفان على جانبيها. تمثل هذه تصميمات الغرفة الدمج الكامل بين الاستخدام العملي والإبداع الفني. يوجد بمدينة بينغياو 3797 دارا رباعية منها أكثر من 400 دار ما تزال محافظة على ملامحها الأصلية.

على مسافة 12 كيلومترا من شرق بينغياو يقع معبد تشنقوه بقرية هاودونغ. به أكثر من عشر قاعات. أنشئت قاعة وانفوه لهذا المعبد عام 963، سقفها ذو قبة خضراء، وأركانها الأربعة تطير باتجاه السماء، وأفاريزها طويلة. وهكذا يبرز هذا المبني برغم ضخامته مظهراً فنياً رشيقاً وحيوياً. تعشيق الخشب بطريقة فريدة من المزايا المعمارية للقاعة مما يعظم الشعور بالضخامة والفخامة والوسامة.

يقع معبد شوانغلين في جنوب غربي المدينة. يعود بناؤه إلى عام 571. والآن توجد به عشر قاعات تضم ألفي تمثال ملون يعبر كل منها عن ملك السماء، سكياموني، دا شيوينغ، فوه مو، بوذا الرحمة، ملك الأرض وغيرها. معظم التماثيل الملونة والبنايات شيدت في أسرة يوان إلى أسرة مينغ (القرن الثالث عشر إلى القرن السابع عشر). التماثيل التي صنعت بطريقة النقش الناتئ أو المستدير أو المعلق هي الأكثر شعبية في أوساط الفنانين داخل الصين وخارجها. وتحظى بلقب " كنوز النقوش الملونة".

بلغت بينغياو أوج ازدهارها في عهد أسرة تشينغ ( 1644 –1911م)، وسميت "بكين الصغيرة". كانت المركز المالي للصين، وكان بها 22 مصرفاً حينذاك. مصرف "ريشنغتشانغ" هو أول مصرف أنشئ في الصين. مقره يقع في الشارع الغربي بمدينة بينغياو، تبلغ مساحته الأرضية أكثر من 1600 متر مربع. كان يقدم خدماته للإقطاعيين وملاك الأراضي والتجار. وفتح أكثر من 30 فرعاً في المدن الصينية. في أربعينات القرن التاسع عشر توسعت أعماله إلى اليابان وسنغافورة وروسيا الخ. في تلك الفترة شهدت المصارف في بينغياو تطوراً سريعاً.

ولدت المصارف في مدينة بينغياو مبكراً لأنها تقع في ملتقى مواصلات. كان طريق الحرير يمر بمدينة بينغياو في أسرة هان وأسرة تانغ، وكانت بينغياو مركز التجميع والتوزيع للشاي والحرير والفرو والكتان وغيرها من البضائع. وقد وظف التجار في بينغياو تفوقها الجغرافي لمزاولة التجارة في أنحاء البلاد فجمعوا مالاً كثيراً. ولكن مع نهوض قطاعات المال في الدول الغربية أفل نجم مصارف بينغياو تدريجياً.

لم تتوقف أعمال حماية وتحسين مدينة بينغياو القديمة. قبل عام 2001، كان عدد سكانها 45 ألف نسمة، وكثافتها السكانية 17 ضعف الكثافة في شانغهاي و33 ضعف بكين. من أجل تخفيف عبء المدينة القديمة بدأ تنفيذ مشروع انتقال المدارس والمستشفيات والمؤسسات والوحدات الحكومية من داخل المدينة القديمة إلى خارجها، وقد انتقلت حكومة المحافظة إلى الحي الجديد أولاً. وانتقلت بعدها مدرسة بينغياو الثانوية، التي يبلغ عدد طلابها والعاملين بها خمسة آلاف. وبلغ إجمالي عدد الذين تم نقلهم إلى خارج بينغياو القديمة 18 ألف فرد.

في أواسط ثمانينات القرن الماضي، تم اعتماد خطة "حماية المدينة القديمة وإنشاء الحي الجديد" في الخطة الشاملة لمحافظة بينغياو. بعد ذلك صدرت ((لوائح حماية مدينة بينغياو القديمة بمقاطعة شانشي)) وتنفيذ الحماية في الأحياء والمستويات المختلفة، وإزالة البنايات التي لا تتسق مع ملامح المدينة القديمة لتعزيز قوة الحماية.

الشارع الجنوبي الذي يجتاز الخط المحوري للمدينة هو أشهر معالمها، على جانبيه الكثير من المتاجر والدكاكين القديمة المشهورة والبنايات السكنية التي يبلغ عمرها أكثر من مائة سنة. هذا الشارع التجاري هو درة ثقافة مدينة بينغياو القديمة وقد تم ترميمه وتجديده وفق ملامحه الأصلية كما تم ترميم البنايات السكانية أيضا. وبالإضافة إلى ذلك جرت عملية ترميم لقناة الحماية حول السور بطول ألفى متر. كل هذا أعاد ملامح بينغياو التاريخية من جديد.

يقام "المهرجان الثقافي لمدينة بينغياو القديمة" في شهر يونيو سنوياً، وتجذب المعارض الفنية الشعبية الضخمة والتحف وغيرها من النشاطات الأخرى الزوار الذين يأتونها من أنحاء العالم. "معرض بينغياو الدولي للتصوير" أيضاً يجذب كثيراً من الهواة. ويبلغ عدد زوار بينغياو القديمة خمسين ألفا كل يوم.