CRI Online

قيزيل تعود إلى التاريخ من بوابة اليونسكو

cri       (GMT+08:00) 2015-12-23 10:15:27


تقع كهوف قيزيل البوذية على جرف شاهق بالقرب من محافظة بايتشنغ في مدينة أكسو بمنطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. تشع تلك الكهوف وهجا أحمر تحت أشعة الشمس المنعكسة على الحجر الأحمر الذي اتخذت قيزيل اسمها من لونه، فكلمة قيزيل في اللغة الويغورية تعني الأحمر.

كهوف قيزيل هي أكبر سلسلة كهوف من نوعها في مملكة كوتشا القديمة، وتعد من أفضل الكهوف التي مازالت محفوظة جيدا في شينجيانغ. يوجد بها لوحات جداريات تغطي عشرة آلاف متر مربع، يعتبر كنزا فنيا رائعا، لا يسبقها إلا كهوف موقاو في دونهوانغ بمقاطعة قانسو. يعود تاريخ أحدث كهف في قيزيل إلى القرن الثالث الميلادي، ثم توقفت عملية بناء الكهوف في القرن الثامن والقرن التاسع.

كانت مملكة كوتشا تحتل موقعا هاما على مسارات طرق النقل والمواصلات القديمة، فأصبحت مركزا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في مناطقالصين الغربية. أما العقيدة البوذية، فقد وصلت من الهند إلى منطقة شينجيانغ قبل أن تنتشر في وسط الصين، فتوطنت وانتشرت في المناطق الغربية بالصين. كانت كوتشا هي مركز النموذج المحلي للبوذية، وكانت في ذات الوقت الجسر الذي ساعد هذا الدين على الوصول إلى وسط الصين. تستخدم الرسوم الجدارية في الكهوف البوذية كشكل من الأشكال الفنية الرئيسية لشرح التعاليم البوذية.

تتميز اللوحات الجدارية في كهف كوتشا بثراء محتوياتها التي تجسد بوذا وحياة عامة الناس، ولهذا هناك من الخبراء من يعتبرون هذه الكهوف موسوعة غنية تذخر بثقافة كوتشا. كانت منطقة غربي الصين بوتقة انصهار لمختلف الثقافات والأشكال الفنية، وهذا يفسر المستوى الفني الرائع لجداريات قيزيل.

كهوف قيزيل هي أنفس ما تركته مملكة كوتشا. تنقسم هذه الكهوف إلى قسمين، يضم الأول مساكن الرهبان ويضم الثاني قاعات كبار رهبان البوذية. ترتبط مساكن الرهبان بممرات، وكل غرفة مزودة بمدفأة وسرير كانغ (مصطبة مجوفة تحمى من الداخل بالحطب)، ومرافق أخرى بسيطة. أما قاعات كبار الرهبان البوذية فمخصصة للخدمات الدينية والوعظ. بُنيت هذه الكهوف المختلفة ذات الأغراض المتعددة، بطريقة منظمة وتشكل معا وحدة متناغمة.

الكهوف ذات الأعمدة، هي السمة المعمارية الغالبة في كهوف قيزيل. على الجدار الأمامي للواجهة الرئيسية لهذا النوع من الكهوف توجد لوحة ساكياموني، بينما رُسمت قصص هذا الراهب البوذي على الجدران الجانبية وعلى السقف. في اتجاه عقارب الساعة من الواجهة الرئيسية إلى الخلف، يرى الزائر الرسوم الجدارية التي تصور نيرفانا بوذا. من الجهة الخلفية باتجاه الواجهة الرئيسية، توجد اللوحات الجدارية لتعاليم مايتريا (بوذا المستقبل) فوق مدخل الكهف.

الجداريات في كهوف قيزيل مطلية بألوان مكثفة ولامعة، تُظهر التباين الصارخ والمتعمد بين الألوان. برغم استخدام عدد قليل من الألوان، تحمل اللوحات قوة تعبيرية بارزة. كان الفنانون الأوائل يستخدمون مسحوقا أبيض وحبرا أسود لتحقيق التوازن بين الألوان في المناطق المختلفة. لوحة أبساراس المرسومة على سطح الجانب الخلفي في الكهف الجديد رقم 1، تعتبر نموذجا لذلك. الجزء الأعلى من أجساد شخصيات اللوحة يميل إلى اللون البرتقالي بينما سراويلهم خضراء، فتُبرز التباين بين الألوان الدافئة والباردة. ومع ذلك، فإن شعرهم المرسوم بالحبر الأسود يجعل الألوان متناغمة. كانت الكتل في بعض لوحات السقف ملونة بالمالاكيت الأخضر والزنجفر الأحمر، فتبدو قاتمة وكثيفة. ومن أجل تحسين التأثير على المُشاهد، استخدم الفنانون مسحوقا أبيض لإضافة أنماط متشابكة من أزهار البرقوق، وهكذا حدث نوع من التناغم بين الألوان. وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت الألوان بشكل مختلف في اللوحات. هذا الأسلوب هو السائد خاصة في لوحات السقف. الجزء العلوي من هذه الكهوف مزين بعشرات من الأشكال الهندسية، مع لون خلفية خاص يتناسب مع مكانها على الجدران.

في الواجهة الرئيسية للكهف رقم 38، لوحة لأربع عشرة مجموعة من الموسيقيين في الأجزاء العليا من الجدارين الجانبيين. تحتوي كل مجموعة على اثنين من الموسيقيين؛ أحدهما لون بشرته فاتح، بينما لون بشرة الآخر داكن، ولون بشرة بقية أفراد المجموعة فاتح ويضع كل منهم تاجا أخضر فوق رأسه، بينما يرتدي نظراؤهم تيجانا بيضاء. اهتم الرسامون القدماء بالتباين في درجات اللون والسطوع في كل المساحات الملونة المتقاربة. من حيث الأساليب الفنية، تعتبر كهوف قيزيل أقدم من كهوف موقاو والعديد من المعابد الأخرى في وسط الصين.

تحظى كهوف قيزيل بجاذبية شديدة بفضل تاريخها الطويل وقيمتها الثقافية. ومع ذلك، عندما وصلت البعثات الأجنبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أحدثت أضرارا كبيرة في أجزاء من الجداريات، ويتم عرض بعض القطع الصغيرة التي أُخذت منها في متاحف بأنحاء العالم. على سبيل المثال، الجداريات الكبيرة، والتماثيل، والأعمال الفنية التي تم جمعها في متحف الفنون الآسيوية في برلين، أحضرها المستكشف ألبرت فون في أوائل ثلاثينات القرن الماضي.

في عام 1985 تم إنشاء معهد أبحاث كهوف كوتشا في شينجيانغ للاضطلاع بمشروعات الحماية التي تنظمها الحكومة الصينية واليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة). يشرف المعهد على كهوف المنطقة، ويقوم بأعمال ترميم تلك المواقع. وبفضل الجهود الحثيثة، يمكنوا من المحافظة على الجداريات والآثار الثقافية من الضياع.

منذ خمسينات القرن العشرين، يعمل الباحثون الصينيون بجد لنسخ الرسوم الجدارية. رُسمت المستنسخات المخزنة في معهد أبحاث كهوف كوتشا بالألوان المائية، ومن ثم لا يمكن الحفاظ عليها بشكل دائم. في عام 2009، اعتمد الباحثون في المعهد استخدام الأصباغ المعدنية التي كانت تُستخدم منذ آلاف السنين. يستخلص اللون الأزرق من اللازورد، ويتم تركيب اللون الأحمر من أكسيد الرصاص والأحجار الحمراء. يتكون اللون الأخضر أساسا من صخور معدنية خضراء. وقد أثارت اللوحات المنسوخة بهذه الأصباغ انطباعات جيدة.

تأثرت بعض الجداريات بالظروف الطبيعية والأنشطة البشرية. في نوفمبر 2009، تعاون معهد أبحاث كهوف كوتشا مع الأكاديمية الصينية للتراث الثقافي لإعداد خطط علمية للمحافظة على كهوف قيزيل. تم اختيار أربعة عشر كهفا من الكهوف ذات الجداريات الأكثر تضررا للمرحلة الأولى من برنامج الحماية. في يونيو 2012، تم تدشين المشروع الذي يجمع بين التقنيات التقليدية والحديثة لحماية الرسوم الجدارية، على أساس التمسك بمبدأ المحافظة والإنقاذ أولا.

علاوة على ذلك، يسعى المعهد لتطبيق تقنيات أكثر حداثة في البحوث الأثرية. وتشمل أحدث الإنجازات التعاون مع شركة في شانغهاي المتخصصة في تقنيات الرسم الرقمي. تم فحص الإنشاءات والرسوم الجدارية في الكهوف المختارة بماسحات رقمية ثلاثية الأبعاد لإنتاج صور عالية الوضوح، والتي ستمكن الباحثين من مقارنة الألوان الجدارية، وإنتاج النماذج الرقمية. علاوة على ذلك، وبمساعدة تكنولوجيا الطيف المتعدد، أصبحت اللوحات التي تبدو غير واضحة تحت الضوء الطبيعي، مرئية بالنسبة للباحثين بما في ذلك الرسوم الجدارية المتعددة الطبقات.

خلال الدورة الثامنة والثلاثين للجنة التراث العالمي لليونسكو في الدوحة بدولة قطر، في 22 يونيو 2014، أُدرجت كهوف قيزيل، كواحدة من المواقع على طريق الحرير، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي