|
||
cri (GMT+08:00) 2016-11-24 09:47:21 |
20161123wenhua
|
تعتبر الحضارة الصينية و الحضارة العربية الإسلامية من أهم الحضارات التي استطاعت التأثير على حياة الاشخاص في كل الجوانب الثقافية، الاقتصادية والإنسانية والتي تركت أثارا إلى يومنا هذا.
"إنه رائد تعليم اللغة العربية في الصين وسفير ثقافي للتبادلات الفكرية بين الأمتين الصينية والعربية وعاشق لوطنه، ظل يدعو طوال حياته إلى التناغم والتضافر بين مختلف القوميات الصينية"، هكذا جاءت انطباعات مستعربين وممثلين من الأوساط الإسلامية تجاه شخصية العالم المسلم الصيني الكبير الراحل ما جيان (محمد مكين(.
واتفق المشاركون في ملتقى أكاديمي أقيم مؤخرا في العاصمة الصينية بكين بمناسبة الذكرى العاشرة بعد المائة لميلاد الأستاذ مكين وذكرى مرور 70 عاما على إنشاء تخصص اللغة العربية بجامعة بكين، اتفقوا على أن مكين، بمنجزاته الأكاديمية البارزة وأخلاقه السامية وشخصيته المحترمة، سيبقى دوما في ذاكرة المسلمين والمستعربين الصينيين.
ــ سفير ثقافي للتبادلات الفكرية بين الصين والعالم العربي
ولد مكين في مقاطعة يوننان جنوبي البلاد عام 1906 في أسرة من قومية هوي إحدى القوميات المسلمة في الصين، وبدأ دراسة العربية والدين الإسلامي منذ طفولته. وبعد تخرجه من معهد شانغهاي الإسلامي لإعداد المعلمين عام 1931، اُبتعث مع عدد من زملائه المسلمين الممتازين إلى مصر لاستكمال دراساته ضمن أول بعثة طلابية صينية إلى جامعة الأزهر.
وخلال دراسته على مدى ثمان سنوات في مصر، ترجم مكين أهم الكتب الكلاسيكية الكونفوشيوسية ))كتاب الحديث((، إلى اللغة العربية، وهو أول كتاب من نوعه يعرفه العرب عن الجوهر الفكري الصيني العميق.
وعلق جي فو هاو، الباحث في مؤسسة الأبحاث الأدبية الأجنبية بأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية، على ذلك بقوله إن هذه النسخة من ))كتاب الحديث(( دشنت أحد أول جسور التعارف بين الأمتين الصينية والعربية. بل احتلت أيضا مكانة هامة جدا في تاريخ التبادل الأكاديمي بين الحضارتين العريقتين.
ومن جانبه، قال تشانغ جيا مين الأستاذ المخضرم بكلية اللغة العربية وثقافتها في جامعة بكين "في جميع الدول العربية التي زرتها، وجدت الكثير من المعجبين بثقافتنا الصينية. وأعتقد أن ترجمة مكين لكتاب الحديث لعبت دورا بارزا في تعريف العرب بالثقافة الصينية التي يتمثل جوهرها في الفكر الكونفوشيوسي".
ونالت نسخة ))كتاب الحديث(( التي طبعت في مصر في ثلاثينات القرن الماضي إقبالا كبيرا من جانب الجماهير المصرية والمثقفين العرب آنذاك.
وتذكر الأستاذ جونغ جي كون، الرئيس الشرفي لجمعية الصين لدراسة الأدب العربي، أنه عندما زار أيقونة الأدب المصري نجيب محفوظ في نهاية سبعينات القرن الماضي، سمعه يقول إنه قرأ ))كتاب الحديث(( الذي ترجمة أحد الطلاب الصينيين وأبدى إعجابه بمحتواه.
ولقد كان العمل الأعظم تأثيرا بين القدر الكبير من الكتب الدينية التي ترجمها ونشرها الأستاذ مكين هو الترجمة الكاملة لمعاني القرآن الكريم حيث كرس كل حياته لهذا العمل. ورغم اشتداد مرض السكر عليه في المرحلة الأخيرة من حياته وفقده معظم بصره، إلا أنه أكمل ترجمته قبل رحيله عام 1978، ثم تم طباعته في الصين بعدها بثلاث سنوات. والآن أصبحت ترجمته النسخة الصينية الوحيدة المعترف بها لدى مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
وسبق أن أثنى المؤرخ الصيني الكبير باي شو يي من قومية هوي على ترجمة مكين لمعاني القرآن الكريم قائلا "إنها تتسم بالدقة والوضوح والسلاسة، ومستواها يتجاوز مستويات جميع النسخ السابقة باللغة الصينية".
وبدوره، قال ما جونغ بينغ نائب الأمين العام للجمعية الإسلامية الصينية "إننا كمسلمين صينيين، كلما استشهدنا من آيات القرآن الكريم، نتذكر فضيلة السيد مكين وندعو له بالرحمة من أعماق قلوبنا".
وتابع بقوله "لقد صار السيد مكين علما من أعلام المسلمين في الصين بمجرد ترجمته لمعاني القرآن الكريم و))كتاب الحديث(("، معربا عن ثقته بأن التاريخ سيكتب اسمه بحروف من ذهب تكريما لإسهاماته البارزة في تعزيز التبادل الصيني ــ الإسلامي.
ــ مؤسس النظام الحديث لتعليم اللغة العربية بالصين
وبعد تخرجه في دار المعلمين العليا بالقاهرة عام 1939، عاد مكين إلى وطنه لتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي. وفي عام 1946، قبل دعوة من جامعة بكين للمشاركة في إنشاء كلية اللغات الشرقية وتأسيس تخصص اللغة العربية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُدرج فيها تعليم اللغة العربية رسميا في النظام التعليمي الوطني بالصين.
ووصف المشاركون في الندوة ذلك بأنه "حدث تاريخي" كان بمثابة تحول في تدريس اللغة العربية من الجامع إلى الجامعة وفتح عهدا جديدا لتعليم العربية في الصين، مؤكدين أن مكين أصبح بذلك واحدا من أشهر الأساتذة في أعرق الجامعات الصينية وأبرز العلماء المسلمين في تاريخ التعليم الصيني الحديث.
ولفت فو جي مينغ نائب رئيس معهد اللغات الأجنبية بجامعة بكين إلى أن الأستاذ مكين خلق نظاما متميزا لتعليم اللغة العربية، يأخذ بعين الاعتبار خصائص الصينيين في تعلم اللغات الأجنبية، والتزام العرب التقليدي بنظام القواعد في تعليم اللغة.
جدير بالذكر أن الجامعات الأمريكية أقامت أيضا نظاما لتعليم اللغة العربية في عام 1946، لكنها استندت إلى أمريكيين من أصول عربية، ولم يكن لديها نظام خاص بها في هذا المجال، على حد قول فو.
وأضاف الأستاذ الصيني "إننا نفتخر بالنظام الذي أسسه السيد مكين، لأنه يساعدنا حقا على فهم الثقافة العربية - الإسلامية الأصيلة".
وفي هذا السياق، تذكر تشانغ جيا مين، وهو أحد الطلاب الذين درسوا على يد مكين في خمسينات القرن الماضي، أن "مكين كان يهتم للغاية بإطلاق العنان لروح المبادرة لدى الطلاب عند تعلم العربية"، مستشهدا بأنه كان قد طلب منهم قراءة النص الأصلي لـ))كليلة ودمنة(( بشكل مستقل، وشجعهم على تفسير ما فهموه من قراءته، "هذا أسلوب مختلف عن أساتذة آخرين اهتموا فقط بالتلقين بدون تحقيق الفهم التام"، وفقا لقوله.
وأضاف أن" السيد مكين كان يتمتع بسمو الأخلاق ويعد بمثابة أب لنا، وقد نهلنا كثيرا من علمه ودماثة خلقه. وترك تأثيرا عميقا على مسيرة حياتنا المهنية حتى جعل لنا مكانة مرموقة في المجتمع".
ومن جانبه، أكد الأستاذ لين فنغ مين رئيس قسم اللغة العربية وثقافتها بجامعة بكين أن اللغة العربية حلقة وصل هامة بين الصين والعالم العربي والإسلامي، قائلا "علينا أن نرث ونخلد روح المثابرة والإصرار التي حظي بها أستاذنا مكين، لكي ندفع مهمة تعليم اللغة العربية في الصين قدما ونخدم إستراتيجية الحزام والطريق".
ــ وطني يدعو إلى التناغم والتضافر بين مختلف القوميات في الصين
وكان مكين طالبا بعيدا عن المسرح السياسي، إذ أنه ظل منكبّا على دراسة العربية والدين الإسلامي أثناء مرحلته الدراسية. ولكن عندما شن الغزاة اليابانيون حربا عدوانية شاملة على الصين في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، تأججت الحماسة الوطنية في وجدان هذا الطالب المجتهد.
فبادر مع زملائه المسلمين الصينيين الدارسين في القاهرة لجمع التبرعات لإرسالها إلى الوطن لدعم المقاومة ضد الغزاة اليابانيين. وخلال حجه في فبراير عام 1939، وزع مكين مع زملائه منشورات على الحجاج من أنحاء العالم واستخدموا كل المناسبات لفضح العدوان الياباني أمامهم.
ومن أقواله المأثورة "الدفاع عن الوطن واجب على كل مواطن، وصون السلم العالمي مسؤولية كل مسلم".
ونالت وطنية مكين وأخلاقه السامية الإشادة من قبل قيادات الصين وأبناء شعبها. فانتخب نائبا في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني على التوالي منذ عام 1954 حتى رحيله عام 1978.
وفي عام 1959، قال الرئيس الصيني آنذاك ماو تسي تونغ أثناء لقائه وفد شباب دولي حيث كان الأستاذ مكين مترجما له "السيد مكين يعتنق الدين الإسلامي، وليس شيوعيا. وأنا شيوعي واعتنق الماركسية. ولكن ذلك لم يكن عائقا لعملنا وتعاوننا"، مضيفا أننا نتواصل بشكل سلس، وذلك يبرهن على أننا نعمل كنسيج واحد.
وفي الواقع، لم يدخر مكين جهدا لدفع التناغم والتضافر بين القوميات المسلمة وغير المسلمة في الصين. وكان من الرواد المسلمين الذين ناشدوا بإقامة الجمعية الإسلامية الصينية الذي تم إنشاؤها في عام 1953، "هو الأمر الذي يمثل حدثا تاريخيا كبيرا، لأنه حقق ولأول مرة تضامنا بين أبناء القوميات المسلمة العشرة في الصين"، هكذا قال ما تشونغ بينغ.
وتابع يقول إن الأستاذ مكين كتب أيضا عددا كبيرا من المقالات حول الأعراف والعادات الإسلامية لتسفير سياسات الحزب والدولة من الناحية الشرعية. ولعب بذلك دورا لا غنى عنه في دفع التضامن القومي والتناغم الاجتماعي.
إن الأستاذ محمد مكين، عاشق اللغتين الصينية والعربية والمستوعب لثقافتيهما، كان جسرا قويا للتواصل بين حضارتين عريقتين واستطاع من خلال تفانيه في خدمة قضية البحوث الأكاديمية أن يحقق انجازات فائقة ستظل حاضرة تلهم جيلا بعد جيل.
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |