CRI Online

الحلم الصيني مشترك.. تعالوا نحلم سوية

cri       (GMT+08:00) 2013-07-22 09:31:41
تنويه: بادئ ذي بدءٍ أقول مخلصا إنني لا أبغي مدح تجربة الصين ولا أدعو لاستنساخها، بقدر ما أتمنى نقل صورة عن فترة مهمة من البناء والنمو، عايشتها في هذا البلد، عسى أن تكون صورة مفيدة أتشاطرها مع القراء العرب الحريصين على مستقبلنا، خاصة في هذه الفترة الحرجة.

الحلم الصيني مشترك.. تعالوا نحلم سوية

عباس جواد كديمي

الحلم الصيني عبارة تتردد كثيرا مؤخرا على ألسنة الصينيين وفي وسائل إعلامهم بكافة أنواعها. وبفضل الأهمية المتزايدة لهذا البلد، أخذت هذه العبارة تتردد في معظم أنحاء العالم، وتتناولها العديد من وسائل الإعلام بالشرح والتحليل. والحلم الصيني ليس وليد الصدفة، ولا هو مرحلي، بل يعود لتاريخ طويل من عمر هذه البلاد وهذه الأمة المتمتعة بتاريخ طويل يعود لآلاف السنين.

عباس جواد كديمي مع أفراد عائلته

وخلال فترات تاريخية عديدة، بزغ الصينيون وحققوا الكثير وتركوا أثرا واضحا في العديد من مجالات الحضارة البشرية، ولكنهم عانوا أيضا من مصاعب كثيرة على مدى تاريخهم، خاصة التاريخ الحديث، أبرزها التخلف والحرمان والاستعباد والاحتلال والحروب التي استهدفت نهب وسرقة بلادهم. ومع تغير العصر وتلاحق الأحداث ونهوض أمم وأفول أخرى، وعلى ضوء الظروف والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية، أدركوا أنه لا بديل عن العمل لتحقيق نهضة الصين وجعلها في مصاف الدول المتقدمة، وهو حلم كبير يعود لتاريخ طويل في عمر هذه البلاد وهذه الأمة، ولكن الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ، عبر عنه جليًا في مناسبات عديدة، وجعله بمثابة الحلم الطموح والهدف الكبير لبلاده، ومنه انتشرت هذه العبارة على نطاق واسع صينيا وعالميا.

تجربة حياة في بكين على مقربة من نهوض الصين وحلمها

في فترة معقدة وصعبة، غادرت بلدي العراق، الذي كان يعاني من حصار اقتصادي قاسٍ جدا، وجئت للعمل في بكين في صيف عام 1998. في تلك الفترة، وجدت الصين مثل خلية نحل، الكل فيها مشغول بعمل يؤديه، والحياة فيها يسيرة سلسة، مقارنة بالوضع المعقد جدا في بلدي، الذي بلغ فيه التضخم والركود الاقتصادي مستوى لم يشهده بلد آخر في العالم.

في الحقيقة، كانت علامات العمل الجاد هي الأوضح في بكين، وليست علامات الغنى ولا الأحلام، لأن الثمار الحقيقية الواسعة لسياسات الإصلاح والانفتاح في الصين، لم تظهر بشكل جليّ جدا إلا بعد عام 2000، ذلك العام الذي اعتبر بداية عقد التكنولوجيا، وشهد منعطفا ليس بالصين فحسب، بل في معظم أنحاء العالم، بسبب التطور العلمي والتكنولوجي وما رافقه من توسع في المعارف، وتكاملية في الاقتصاد والتجارة والاتصالات وغيرها. الصورة العامة لبكين وللصين عموما كانت هي البناء والإعمار والتطوير الاقتصادي والاجتماعي، بحيث يشعر المرء، خاصة القادم من خارج الصين، بالتفاؤل إزاء هذه الصورة ومستقبلها. في البداية، كان من الطبيعي أن يكون هناك بعض القلق والتوجس من المكان الجديد، لعائلة عراقية مسلمة. القلق حول ملائمة الجو العام والسكن ثم الطعام الحلال، وكذلك المدارس للأولاد في سن الدراسة. كل هذا القلق زال- والحمد لله- مع مرور الأيام، بعد أن تبين لنا أن هؤلاء الناس لا يختلفون عنا كثيرا من حيث الجوهر، فهم شرقيون محافظون نسبيا على التقاليد، وحياتهم مسالمة سلسة مستقرة، وأسواقهم عامرة بكل ما يحتاجه البشر، وأنهم مستعدون لتقديم العون والدعم المُمكنين لمن يأتي ليساعدهم في عملهم.

هناك قول عربي مأثور هو "الدهرُ يومان، يومٌ لك ويوم عليك." وهذا القول ينطبق على معظم البشر في دنيانا. لم تكن حياتنا في الصين وردية دائما، فقد مررنا بأيام صعبة وعانينا من منغصات، ولكن صبرنا عليها ومرّت، لأنها في الإطار الطبيعي لمسيرة الحياة والعمل. أما الأيام اليسيرة، فكانت تستمر وتجذب بعضها بعضا، بفضل الدوران العام لعجلة الحياة، التي طالما دارت فهي تجذب الجميع مع زخم دورانها. وهذا هو السرّ في دوران عجلة الصين للأمام. فالعجلة لا يمكن أن تدور وهناك العديد من العصي في دولابها؛ وأقوى العصي الكابحة لدوران عجلة الحياة هي غياب السلام وعدم الاستقرار وفقدان الثقة بالمستقبل.

وبسبب الحركة الدائبة والنشيطة والحيوية يوميا، كانت الأيام غنية بالمضامين الحياتية وتمر سريعة بشكل ملموس واضح، حتى يعتبرها المرء الأسرع في الدنيا. في ظل تلك الظروف الجديدة علينا، لم ننس بالطبع الأوضاع التي تركنا عليها بلدنا، وعائلاتنا هناك، لكن الذي ساعدنا في التحمل والصبر هو أن الصينيين عموما يحملون مشاعر محبة صادقة تجاه العرب عامة، والعراق خاصة، في ظل محنته آنذاك. وبمجرد أن نقول نحن من العراق، كانوا يبادرون بصدق عفوي ملحوظ، إلى رفع شارة الإبهام، تعبيرا عن الإعجاب والمساندة، ورفض الحصار والعقوبات الدولية على الشعب العراقي.

هناك أمر طريف بين الصينيين يعود إلى نهاية خمسينات القرن الماضي. حينذاك، أي في نهاية الخمسينات، عانى الصينيون من مجاعة خطيرة، الأمر الذي دفع اليساريين بالعالم، إلى مساعدتهم قدر الإمكان. وكان الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم(1914-1963) من ضمن من قدموا مساعدات متيسرة للصينيين، تمثلت في إرسال سفينتين محملتين بالتمور العراقية. كانت تلك التمور نعمة كبيرة وحلاوة لا يمكن أن تنسى، وظلّ في بال الكثير من الصينيين حتى اليوم أن كلّ التمور بالدنيا، أصلها عراقي.

خلال الفترة التي وصلت فيها للصين وبدأت العمل في صيف عام 1998، كانت حركة البناء والتعمير واضحة متواصلة والمباني تشمخ هنا وهناك، والتنمية الاقتصادية تسير بخطوات سريعة مثمرة، جعلت كل من يتابع الصين، يوقن تماما أن هذا البلد في طريقه لمكانة متميزة. في تلك الفترة، كان الجميع على حالهم المعهود من التواضع، منهمكين بعمل واقعي هادئ دؤوب مثمر، ولم نسمع أحد يتحدث عن حلم، كما يحدث الآن. في تلك الفترة، بدا أنه لا مجال للأحلام، رغم أن الحلم يرافق البشر جميعا منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وهو في كثير من الأحيان المتنفس لهم!

هذه الأمة الصينية لها حلمٌ كبير يتركز على ضرورة نهوضها من كبوتها، ولحاقها بركب العالم الكريم المتقدم. وفي ظل التطورات المتلاحقة والمعقدة في العالم، أيقنت هذه الأمة أنه لا مجال للنهوض بدون نهضة علمية أساسها التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفروعها القوية تشمل التعليم والإبداع والاستقلالية. في خضم هذه الحركة والنشاط والتطور، بقينا نتابع ونسجل الأحداث الكبيرة فعلا في هذا البلد. أبرز نقطة لحياتنا في بكين، هي الربط التلقائي بين المكان الجديد لمسيرة ترعرع وتطور أبنائنا مع مسيرة التطور والبناء في هذه المدينة النابضة بالحياة، الفاتحة ذراعيها للجميع. لقد بذلنا- زوجتي وأنا- جهدا كبيرا لينشأ أبناؤنا الثلاثة ويترعرعون محافظين على عادات ديننا وتقاليدنا ولغتنا، وفي الوقت نفسه يتطورون في حياتهم ودراستهم مع تطور ونمو العصر والزمان والمكان، وأقصد بالمكان هنا بكين، التي كانت في حينه خلية عمل لا تهدأ. وبدافع من الحرص العائلي الذي وضعه الله سبحانه في كل البشر، كنا نتابعهم وهم ينمون ويسيرون على طريق الحياة، وبسبب التركيز كانت صورةُ نموّهم واضحة أمام أعيننا، وكثيرا ما أجّجت فينا مشاعر الرفض العارم والقاطع لكل من يسبب مشكلة أو فتنة أو يشعل حربا، يروح ضحيتها أروع وأعزّ الشباب، وهي حالة عانى منها العراق أقسى معاناة. لقد حدث ارتباط تلقائي لحالتنا وحرصنا على أولادنا ونموهم وتطورهم مع الحركة النشيطة لنمو بكين، ولا اعتقد أن هناك سببا وجيها أكثر من هذا للارتباط بالمكان. وكأبوين، كنا- زوجتي وأنا- نحلم مع حلم الصينيين، بتحقيق ما نصبوا إليه في الحياة، وربما يكون مستقبل الأولاد هو الحلم الأكبر لأي أبوين في الدنيا. ووسط حركة الإعمار والبناء والتنمية، كم تمنينا لو تسير الدول النامية الأخرى، ومنها العراق، على هذا الطريق التنموي المثمر ماديا ومعنويا. وفي ظل المعاناة التي مر بها العراق وشعبه، كان الألم يعتصر قلوبنا بسبب التأخر الذي عاناه بلدنا ومراوحته بمكانه، إن لم نقل تراجعه، خلال عشرات السنين! وكم تأخر العديد من بلداننا العربية، بسبب ظروف معقدة وصعبة، موروثة تاريخيا، وأخرى بسبب التخلف عن ركب الاقتصاد العالمي! ولكن، ورغم الظروف المعقدة الحالية، فإن الأمل موجود في التجديد والنهضة الحديثة. إن مسيرة الصين من نوع السهل المُمتنع؛ سهلة لأنها ممكنة لأي بلد نامٍ مستقل، وصعبة لأن البناء صعب بحد ذاته، خاصة إذا كان هناك الكثير من التحديات الجسام التي لا بد من معالجتها بالشكل المناسب، وهناك متطلبات للتضحية، إضافة لوجود من يتربّص بالبناء. مسيرة أو تجربة الصين ليست خالية من العقبات والمشاكل، وليست بدون ثمن، ولكنها فعلا نموذج يُحتذى. مسيرة الصين وتضحياتها ونجاحها، تركز الأضواء على نقاط الضعف والتراخي في بلدان نامية أخرى، وتجعل من المُحتم عليها العمل كما فعلت الصين.

كلنا نؤمن بأن ظروف هذا البلد تختلف عن البلد الآخر، والناس أيضا مختلفون ببعض الطباع والتوجهات، ولكن في مسائل هامة جدا مثل وحدة البلاد والمواطنين، والبناء الاقتصادي والتقدم الوطني، لا مجال للاختلاف أو التراخي. هذا ما رأيناه رأي العين، ولمسناه لمس اليد، وتجلى في تطور واضح نراه يوميا في كافة مجالات الحياة بالصين. أبرز سمة لإخواننا في شرقي آسيا هي الانضباط، وهي صفة لا نفتقرها في غربي آسيا.

خلال هذه الفترة الممتدة لنحو 15 عاما، شهدنا بأم أعيننا التطورات الملموسة للصين، ومكانتها المتعززة بالعالم، وهي حقيقة تدفع كل إنسان حريص على أن يتمناها لكل بلد يحبه. ومع رؤية التطور في الصين، ومعرفة أساسه الحقيقي المتجسد بالسلام والاستقرار، كم تمنينا مخلصين لو تدرك كل بلدان العالم أهمية السلام والاستقرار وتحرص عليهما.

الصينيون يطمحون ويحلمون، فتعالوا نحلم معهم ونشاطرهم طموحهم، ونعزز طموحاتنا وأحلامنا نحن، ونسير سوية قدر ما تسمح به الظروف الواقعية، نحو تحقيق التطور لمجتمعاتنا، ولمستقبلنا. وبسبب عيشي مع الصينيين وقربي منهم، أشعر واثقا- حتى لو كان شعورا شخصيا- بأن الحلم الصيني هو حلم الجميع، لأنه حلم الأب والأم، حلم الشاب والشابة، حلم الصغير والكبير، حلم كل من يتمنى السير على طريق سلسة في الحياة. ومع الحلم، علينا التمسك بتطوير الواقع، لأن من دونه لا يمكننا أن نحلم. لم يستطع الصينيون الإعلان عن حلمهم إلا بعد أن تهيأت لهم أسباب الحياة بكل أنواعها. الاستقرار بكل أنواعه، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو الأساس الصلب لأي خطوة تنموية تطورية، والدليل على ذلك ما تشهده منطقة جنوب شرقي آسيا عموما والصين خصوصا، من استقرار يسمح لها بالتحرك والعمل وجذب الاستثمارات والكفاءات، وتطوير إمكانياتها الذاتية. ولا شك في أن غربي آسيا، الغني بالموارد والكفاءات، مؤهل كثيرا في هذه الناحية. تعالوا نحلم مع الصينيين، فهم حريصون على مشاطرة الحلم مع الآخرين، وهم لديهم عوامل التطلع- الحلم، وأرضية تحقيقه. تعالوا نحلم مع الصينيين لأن تحقيق الحلم قد يغيّر معادلة ظالمة تتجلى حاليا في القطبية المنفردة بالعالم، التي شنت حربا ظالمة على العراق وعلى غيره، ومنها بدأت بذور الفتنة والتشرذم والطائفية، والفوضى اللاخلاقة بمنطقة بأسرها.

الحلم هذا العامل المشترك بين كل البشر، قد يواجه تحديات ومطبّات وحتى خيبات أمل، ولكن الله سبحانه وتعالى قد هدانا سُبلنا ومنحنا الكثير من عوامل وإمدادات مواصلة السير لتحقيق الطموح-الحلم.

قال شاعرنا العربي أحمد شوقي "وما نيل المطالب بالتمني .... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا" وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها في عالم اليوم، وتحقيق الحلم الكبير دونه خرط القتاد، كما يقول المثل العربي. مسيرة الصين وتنميتها وحلمها أكدت للجميع، أنه من سار على الدرب وصل، ونحن في ظل ظروفنا الحالية، كم حريٌ بنا أن نبدأ عزمنا وحلمنا مع أنفسنا أولا، ثم نسعى سوية لوقف حالة تهدد الصميم في مجتمعاتنا. نموذج الصين الاستقلالي والتنموي، ونماذج إصلاحية عديدة ظهرت في منطقتنا مؤخرا، تعكس حقيقة أنه مهما بلغ مستوى الصعاب والتحديات وكَثُرت المشاكل، فالمعالجة والحلول تكمن بيد الشعوب الحريصة على تحقيق تطلعاتها وأحلامها. لنحلم مع الصينيين ونسعى معهم لتحقيق طموحاتنا على أرض الواقع. مكانة الصين الحالية إقليميا وعالميا، خير شاهد على مسيرة نابضة بالحياة والتقدم، وشواهد وأدلة النجاح كثيرة.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي