مساجد في بكين

أعزائي، يرجع تاريخ دخول الدين الإسلامي في مدينة بكين إلى ما قبل أكثر من ألف سنة. ويبلغ عدد المساجد في الوقت الحالي سبعين مسجدا تقريبا، ومن بينها مسجد نيوجيه الذي يعتبر أقدم وأكبر مسجد في بكين.

تأسس مسجد نيوجيه عام 996 الميلادي، ويرجع تاريخه إلى ما قبل أكثر من ألف سنة. أسس هذا المسجد شيخان جاءا من الدول العربية. ويتسم أسلوبه العمراني بخصائص البناء للقصر الصيني التقليدي والمباني العربية. تبلغ مساحة المسجد أكثر من 600 مترا مربعا، ويتسع لاستقبال 1000 شخصا لأداء الصلاة في آن واحد. وبسبب تاريخه العريق وحجمه الكبير، يحتل مسجد نيوجيه مكانة هامة في قلوب المسلمين في بكين. ونظرا لأهميته الكبيرة، وبعد تأسيس الصين الجديدة، قدمت الحكومة الصينية استثمارات ضخمة لتجديده. وخلال إقامة دورة ألعاب بكين الأولمبية في العام الماضي، كان مسجد نيوحيه مسؤولا لاستقبال الضيوف المسلمين من أنحاء العالم.

أعزائي، بعد زيارة مسجد نيوجيه، ندعوكم لزيارة مسجد آخر في مدينة بكين، وهو مسجد دونغسي.

تأسس مسجد دونغسي في عام 1447 في أسرة مينغ الملكية، ويرجع تاريخه إلى ما قبل أكثر من 550 سنة. ويتكون مسجد دونغسي من دارين متلاصقتين. أما الدار الأمامية، فهي صغيرة الحجم، يوجد على جانبيها جناحان متوازيان، يستعمل أحدهما للوضوء والآخر للإدارة. وإلى الغرب من هذه الدار قاعة مرور مؤدية إلى الدار الخلفية الكبيرة المساحة، وهي مظللة بأشجار ومزدانة بأزهار زاهية الألوان. وهناك جناحان جنوبي وشمالي وهما على أحسن ما يكون من الإنسجام. أما قاعة الصلاة المتربعة في غرب هذه الدار، فتبلغ مساحتها 480 مترا مربعا، وهي واسعة ودعاماتها بالنقوش الجميلة.

ليس مسجد دونغسي مجرد مركز لأداء العبادة، بل هو مركز للتعليم الحديث لمسلمي الصين. وفي عام 1926، تأسست مدرسة إسلامية ثانوية في هذا المسجد، وانتقلت مدرسة تشنغدا للمعلمين إلى المسجد أيضا عام 1929. وبعد أن تأسست فيه مكتبة فؤاد الأول ومجلة" نضرة الهلال" الإسلامية ودار النشر التابعة لمدرسة تشنغدا على التوالي، أصبح هذا المسجد مركزا إسلاميا ثقافيا وتعليميا للصين كلها.

لقد اجتاز مسجد دونغسي عددا من الامتحانات في التاريخ واحدا تلو الآخر خلال سنوات مضت. وفي الوقت الحالي، يستقبل مسجد دونغسي كل يوم الأبناء المسلمين من مدينة بكين ومن أنجاء البلاد والعالم.

يعتبر مسجد ماديان من أقدم وأشهر مساجد بكين السبعين، وهو أكبر مسجد في منطقة هايديان. يرجع تاريخ مسجد ماديان إلى أكثر من أربعمائة سنة، وقد أدرج في قائمة الآثار التاريخية والثقافية المشهورة على مستوى المدينة. وسمي هذا المسجد بهذا الإسم المسجد لوقوعه في حي ماديان القديم الذي يقطنه عدد كبير من المسلمين، فهو ثاني أكبر تجمع لأبناء قومية هوي، بعد شارع نيوجيه. وعلى مدى أكثر من أربعمائة سنة ظل مسجد ماديان شاهدا على تقلبات الدهر وتحول ماديان من قرية صغيرة إلى حي حديث ومركز تجاري. ومع ارتفاع مستوى معيشة المسلمين قاموا بتجديد هذا المسجد الذي يعد محور حياتهم العملية والروحية. إن مسجد ماديان دليل حي على تطور الإسلام في بكين وشاهد على التغيرات الكبيرة في حياة مسلمي ماديان.

يقع حي ماديان في شمالي بكين، وقد قطن عدد كبير من المسلمين هذه المنطقة منذ أسرة مينغ الملكية(1368-1644م)، وكانت مهنتهم الرئيسية هي تجارة المواشي. ويقال إن عدد المسلمين في ماديان في تلك الفترة لم يكن يقل عن عددهم في نيوجيه. وفي بداية فترة أسرة تشينغ الملكية (1644-1911م)، شهد قطاع لحوم البقر والغنم أو الأطعمة الإسلامية الخفيفة تطورا كبيرا بفضل الموقع الحيوي لمنطقة ماديان التي تضاعف عدد سكانها من المسلمين عدة مرات، فأنشئوا مسجدا صغيرا اسمه جينغدو. وبعد سنوات من التحسن والإصلاح، أصبح هذا المسجد الصغير أكبر مما كان عليه سابقا، ويغبر أبناء حي ماديان إسم المسجد إلى مسجد ماديان.

يبدو مسجد ماديان في ملامحه شبيها بالدار الرباعية الصينية القديمة. مساحته الحالية 3800 مترا مربعا، ويتكون من ثلاثة أدوار، تتوزع فيها ست وثلاثون غرفة من المباني الرئيسية والإضافية توزيعا متناسقا، مما يشكل مجموعة كاملة من البنايات.

يرتاد مسجد ماديان ما بين ثلاثين وأربعين مسلما للصلاة يوميا، وفي صلاة يوم الجمعة يصل العدد إلى ثلاثمائة وفي صلاة العيدين يأتيه أكثر من ثمانمائة مسلم للصلاة، يفترشون الساحة الواقعة بين السور وبناية المسجد، منهم مسلمون مقيمون حول المسجد ومسلمون جاءوا من أحياء بكين الأخرى ومن خارج بكين.

مستمعينا الأعزاء، يعتبر كل مسجد في مدينة بكين صورة تاريخية لا تعرض ملامحه المتميزة أمام الناس فحسب، بل يحكي للعالم تاريخ التشكل والتطور للإسلام في مدينة بكين. أيها الأصدقاء، عندما تزورون بكين، يتعين عليكم أن تزوروا المساجد في هذه المدينة للشعور بتاريخها العريق وثقافتها الباهرة.