|
||
cri (GMT+08:00) 2013-09-03 16:47:46 |
أعزائي المستمعين السلام عليكم وطابت أوقاتكم بكل خير، سلام نرسله إليكم عبر موجات إذاعة الصين الدولية، لنطل عليكم من نافذة برنامجنا الاجتماعي الإسبوعي صور من المجتمع ، لنغوص من خلاله وإياكم إلى أعماق الحياة المجتمعية ونلقي عليها الضوء من خلال العادات والتقاليد الصينية ونبين الآراء حولها، من أجل إحاطة شعوب العالم والشعوب العربية بشكل خاص بعادات وتقاليد المجتمع الصيني، وكما عودناكم دائما نتناول مواضيع جديدة ومتنوعة فكونوا معنا لاكتشاف الجديد ويسعدني أن أكون معكم اليوم أنا فائزة تشانغ لي
كان طريق الحرير بشقيه البري والبحري مزدهرا وبذلك جذب عددا كبيرا من تجار الشرق الأوسط بمن فيهم العرب إلى مقاطعة قوانغدونغ الساحلية جنوب شرقي الصين. ولا يزال هذا النهر من رجال الأعمال العرب يتدفق إلى هذه المقاطعة حتى اليوم سعيا للحصول على فرص تنموية تحقق أحلامهم، وهذا ما جعلهم يتكيفون مع البيئة الجديدة رغم الاختلاف الشاسع بينها وبين البيئة التي انحدروا منها فأصبحوا جزءا لا يتجزء منها وأصبحت قوانغدونغ بدورها بلدهم التي لا ينفصلون عنها.
الساعة الآن السادس والنصف مساءا من شهر رمضان المبارك ، وسيحل موعد الافطار عما قريب، وفي هذا الوقت يستقبل محل Venezia للحلويات في شارع شياوبي بحي يويشيو في مدينة قوانغتشو أكبر عدد من زبائنه المداومين عليه، ويقوم صاحب المحل السيد محمد من سوريا بتعريف زبائنه بكعك "لقمة القاضي".
"هذا كعك الجبن، تعرف الجبن، لذيذ جدا. "
هناك مقولة صينية تقول إن الجوع يولد السخط ما يدل على أهمية الطعام. ومع تزايد الجاليات العربية في قوانغتشو، فقد تكاثرت بدورها المطاعم والمقاهي ومحلات الحلويات العربية في هذه المدينة تتواجد معظمها في شارع شياوبي الذي يكتظ بالعرب، ولهذا السبب يطلق الناس عليه اسم "شارع العرب" أيضا.
"انظر، البسبوسة، والبقلاوة، والبلاهشام، والكنافة، كل هذه الحلويات جديدة نقدمها في شهر رمضان هذا العام.
افتتح محمد محله هذا لبيع الحلويات العربية قبل ثماني سنوات، وقال محمد مفتخرا إن الحلويات السورية لها شهرة غطت العالم، وهو يمتلك من البراعة والمهارة في صنع هذه الحلويات ما جعل هذا المحل مزدهرا وذو سمعة وشهرة كبيرة ولجذب المزيد من الزبائن وتلبية أذواقهم، قام محمد بإدخال تعديلات وتحسينات في عملية إعداد الحلويات آملا في أن تنال الحلويات السورية إعجاب الزبائن من غير السوريين في قوانغتشو وبالتالي تعريفهم بثقافة الطعام العربي.
يتزايد الطلب على الحلويات السورية في شهر رمضان بشكل لافت ولذلك يستغل محمد هذه الفرصة ليعد حلويات خاصة في شهر رمضان ويقدمها لعدد من المطاعم العربية الموجودة في شارع شياوبي، ويظل محمد ومن يعمل عنده مشغولون جدا بسبب الطلبات اليومية المتزايدة .
لقد قام محمد بتغيير محل إقامته ثلاث مرات منذ بداية وصوله إلى مدينة قوانغتشو، وكان يستأجر قبوا تحت الأرض لا تصل مساحته لعشرة أمتار مربعة، وبعد ذلك استأجر شقة بحجرتين مع صديق، وفي العام قبل الماضي، جاءت زوجته وأولاده واستأجر شقة كبيرة نسبيا مكونة من حجرتين تبلغ مساحتها ثمانين مترا مربعا. وقال محمد إنه شهد التغيرات الكبيرة التي طرأت على مدينة قوانغشو وحتى أنه تغير هو أيضا، والشيء الوحيد الذي لم يتغير هو حبه لهذه المدينة.
"العمل هنا جيد والحياة جيدة وأنا مرتاح، أحب قوانغتشو."
وفي الساعة التاسعة مساءا وبعد إنهاء العمل في محل الحلويات، وقبل تناول الطعام توجه محمد مباشرة إلى مسجد شيانشيان.
في شهر رمضان يداوم محمد كل مساء على أداء صلاة التراويح في مسجد شيانشيان وهو المسجد الأكبر مساحة والأقدم تاريخا بين المساجد في مدينة قوانغتشو، واليوم لم يؤد الصلاة فقط بل قدم صدقة الفطر للمحتاجين من خلال القائمين على المسجد، وقال إن الإسلام يدعو الناس لرد الجميل وشكر الإحسان ، وهو يعتبر أن قوانغتشو غيرت حياته وعليه أن يفعل شيئا من أجل هذه المدينة.
ما زالت الشوارع مزدحمة في وقت متأخر من الليل. وسيحل عيد الفطر بعد أيام، يشتد الشوق للوطن والأهل في الأعياد، صمت محمد عندما رأى القمر في السماء، لا يعرف كيف يحتفل أهله بهذا العيد وهو بعيد عنهم. وقال إنه لو كان للحلم طعم، فإنه يثق بأن طعمه حلو مثل الحلويات التي يصنعها بيديه. ويتمنى محمد أن يستعيد بلده استقراره وازدهاره ويعيش مواطنوه حياة سعيدة مثلما هو حاله في قوانغتشو.
تعتبر مدينة فهشان- ثالث أكبر المدن في مقاطعة قوانغدونغ والتي تبعد عن مدينة قوانغتشو أربعون كيلومترا نحو الغرب موطنا لأوبرا قوانغدونغ-احدى الأوبرات المحلية التقليدية في الصين. ويعيش في هذه المدينة الجميلة والخلابة بطل ثاني قصصنا اليوم وهو الشاب اليمني خليفة بن علي.
يعمل خليفة في تصدير السيراميك متبعا مسيرة والده الذي يعد شخصية مشهورة بين العرب المقيمين في مدينة فهشان حيث يلقب ب"أمير السيراميك"، وقد عمل في هذا المجال مدة 15 عاما، ويقوم بتصدير أكثر من مائة ألف طن من السيراميك الصيني إلى اليمن كل سنة. واختارت أسرة خليفة مدينة فهشان كقاعدة لأعمالها التجارية ليس بسبب جمال طبيعتها وسهولة العيش فيها فحسب بل كونها تقع في مركز منطقة دلتا نهر اللؤلؤ الشهير وهي تتميز بكونها أكبر قوة اقتصادية وحيوية وتنموية في الصين حيث تجذب بأسواقها الضخمة مزيدا من التجار العرب الذين يتقنون التجارة الدولية.
"اذا اردت شراء الكهربائيات، فإن مدينة شنتشن قريبة، واذا كنت تتطلع إلى شراء مواد البناء فإن مدينة دونغقوان بجانبك، أما مدينة قوانغتشو التي توجد فيها أسواق كثيرة للملابس فإن الوصول إليها بالسيارة يستغرق نصف ساعة فقط. وفهشان تقع في مركز مقاطعة قوانغدونغ، ومن هنا يمكن السفر إلى أي مكان بسهولة."
واستعراضا للأيام الأولى لوصوله إلى فهشان قال خليفة إن أكبر الصعوبات التي كانت تواجهه هي حاجز اللغة، ورغم أنه يجيد اللغة الصينية ولكن لهجة قونغدونغ المختلفة تماما عن الصينية الفصحى كانت تحيره كثيرا.
"لهجة قوانغدونغ صعبة، ولهذه اللهجة تسع نغمات، وأنا لا أميز بين رقمي 4 و10 من حيث النقط كلما أذهب للتسوق."
ولكن بفضل ذكائه وموهبته لم تشكل تلك الصعوبات عائقا كبيرا أمامه وهو الآن متأقلم مع الحياة هناك وكون صداقات مع الكثير من الصينيين. وخلال تعاملاته معهم وجد خليفة أسلوبا خاصا للمناقشة مع الصينيين حول الأسعار حيث قال عن اسلوبه الخاص هذا :
"عندما أصل إلى شركة ما، أسلم عليهم أولا وأطلب منهم الشاي الصيني، ثم أشرب الشاي معهم ونتحدث قليلا وأسألهم عن أحوال الشركة، وبعد ذلك أناقشهم في أسعار البضائع، هكذا يعتبرونني صديقا لهم ويقدمون لي تنازلات و تسهيلات أكبر. "
لم يكتف خليفة الطموح والواثق في نفسه بالعمل في شركة والده فقط، بل خطط لإنشاء شركة خاصة به وشراء شقة وسيارة في فهشان، وبالإضافة إلى ذلك يحلم أن يصعد إلى خشبة مسرح برنامج "على غير الصادقين عدم الإزعاج" – أشهر البرامج التلفزيونية للتعارف بين الشباب الصينيين، ويتمنى أن يجد فتاة صينية طيبة للعيش معه في المستقبل.
وفي وقت فراغه يذهب خليفة كثيرا إلى معبد تسوميان في فهشان ليعمل كمرشد سياحي متطوع هناك، ويحب هذا العمل لأنه يعتقد أنه فرصة للتدرب على اللغة الصينية وتكوين صداقة مع الصينيين.
وإذا أتيحت لكم فرصة أصدقائي المستمعين لزيارة معبد تسوميان في مدينة فهشان قد تلتقون بمرشد سياحي يمني أسمر البشرة، وليس بالطويل ولم تكن عيناه واسعتين، يبتسم دائما ويتكلم الصينية، وسيقدم نفسه لكم بالأسلوب الصيني: مرحبا بكم، اسمي الصيني ها لي فا، و فا في اللغة الصينية ترمز للثروة.
تعتبر شنتشن أول منطقة اقتصادية خاصة في الصين، ونافذة للإصلاح والانفتاح على الخارج، وتجذب هذه المدينة المتطورة ذات الطابع الدولي المزيد من الصينيين والأجانب بمن فيهم العرب طبعا للعمل والعيش فيها.
يستقبل شارع هواتشيانغبي في مدينة شنتشن والذي يلقب بشارع الكهربائيات المئات من العرب يوميا، معظمهم يأتون لشراء الجوالات لتصديرها إلى منطقة الشرق الأوسط، وبذلك بنوا طريق حرير جديد بين شنتشن والشرق الأوسط.
لم يتوقف يوسف القادم من لبنان عن عمله بتصدير الجوالات رغم أنه صائم في رمضان، وفي نظره فإن الزمن يعني المال، وخاصة في مدينة شنتشن التي تهتم بالكفاءة فإن الزمن من ذهب وهو أثمن مما هو عليه في المناطق الأخرى.
" تتطور شنتشن بسرعة أكبر من أي مدينة صينية أخرى، وكل الجهات هنا تعمل بكفاءة عالية، والعمل هنا يجعلني أشعر كأني أمسك عصا سحرية، بواسطتها تتحقق كل فكرة جديدة وكل مشروع جديد بسرعة."
كانت ليوسف الذي يبلغ الخمسة عقود تقريبا أعمال تجارية مع العديد من الدول ولكنه استقر أخيرا في شنتشن الصينية، وقال إن 70% من المنتجات المعروضة في الأسواق اللبنانية جاءت من الصين، وهو واثق من جودة المنتجات الصينية.
"كانت المنتجات الصينية تنافس غيرها في الأسعار فقط، ولكن الآن ارتفعت جودتها مع الحفاظ على الأسعار المنخفضة حيث أن شهرة "صنع في الصين" انتشرت كثيرا. وكلنا نرى أن العمل التجاري في أوروبا وأمريكا صعب، ولكن الظروف في الصين مختلفة تماما. الناس هنا محبون للسلام وكل شيء يجري بسلاسة اذا بذلت الجهد."
ومن أجل خدمة أعمال الاستيراد والتصدير أسس رجال الأعمال العرب المقيمون في شنتشن مجلس الجاليات العربية، رئيسه الليبي عادل الطالبي الذي عاش في هذه المدينة لخمسة عشر عاما، واعتبر عادل أن العرب المقيمين هنا قد اندمجوا مع حياة الصينيين كأنهم مجموعة واحدة حيث أن الصينيين وفروا لهم ظروفا تجارية وحياة جيدة، ومن جانبهم يعتبرون الصينيين كإخوة لهم، ويقول دائما لأصدقائه الصينيين "لا كلفة بيننا، بيتي بيتك"
"الشعب الصيني فعلا قدم الكثير للجاليات العربية لدينا أصدقاء صينيين تربط بيننا علاقة جيدة علاقة حميمة ونتمنى دائما أن نكون نحن أصدقاء لهم أيضا وعلينا واجبات حيال الشعب الصيني الصديق والكريم، ولكن هناك مشاكل تواجه الجاليات العربية من ناحية التعليم أي تعليم أولادهم فحاولنا إنشاء بعض المدارس التي تعلم أطفالنا لغتنا وثقافتنا واللغة الصينية أيضا كي لا ننسى اللغة العربية ونطلب من الحكومة الصينية أن تراعي هذه النقاط. "
بعد الاتفاق على صفقة توجه يوسف مباشرة إلى المطار للعودة إلى لبنان بآخر رحلة لهذا اليوم.
الآن موسم الأمطار في شنتشن والسماء تمطر بدون إي علامة مسبقة ولا استئذان، يجلس يوسف في التاكسي وينظر إلى الخارج قلقا من تأخر رحلته.
يقوم يوسف بمثل هذه الرحلة ذهابا وإيابا بين بيروت وشنتشن حوالي عشر مرات كل شهر، وقد مل من السفر، ويحلم الآن أن يكسب أموالا كافية لشراء شقة في شنتشن والاستقرار في هذه المدينة والعيش بسعادة مع أسرته هنا.
وحسب الإحصاءات غير الكاملة فإن عدد العرب المقيمين في قوانغدونغ يصل إلى أكثر من مئة ألف شخص، يتعايشون مع الصينيين ويعتبرون قوانغدونغ بلدهم الثاني، ويتمتعون بحياتهم ويساهمون أيضا من خلال جهودهم في بناء وتطوير هذا البلد.
أعزائي المستمعين كنا قد تجولنا معا في مقاطعة قوانغدونغ، حيث تعرفنا على حياة العرب الذين جاؤوا عبر آلاف الأميال ليشكلوا مع الصينيين أجمل لوحات ترسم التعايش المشترك بين أبناء ثقافتين مختلفتين ليكونوا جسدا واحدا يهدف إلى الارتقاء والنمو والتطور المشترك والذي يعود بالخير على الجميع دولا وافرادا
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الرحلة التي نرجو أن تكون ممتعة وإلى سلسلة من هذه الحلقات التي نتكلم بها عن مثل هذه القصص نقول لكم إلى اللقاء وتقبلوا تحيات فريق العمل الإعداد حنان لي جيوان والمنتاج آدم شي جينغ ومني أنا فائزة تشانغ لي.
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |