|
||
cri (GMT+08:00) 2014-03-11 20:11:55 |
محطة القطارات بمدينة كونمينغ تعود إلى وضعها الطبيعي
في ظل الأوضاع العالمية المعقدة والمتجهة لمزيد من التدهور، تشهد العديد من مناطق العالم، مآسي دموية يروح ضحيتها أناس أبرياء، لا ذنب لهم، ولا همّ لهم سوى العيش بأمان وسلام بحيث يستطيعون كسب رزقهم بكرامة، ولا علاقة تربطهم بمواقف سياسية لا من قريب ولا من بعيد. ولكنهم، ولسوء الحظ، يجدون أنفسهم وسط عنف دموي قاتل ومرعب. وآخر هذه الأحداث الدموية، ما شهدته محطة قطار مدينة كونغمينغ، جنوب غرب الصين يوم السبت الأول من مارس الحالي.
العنف ضد الأبرياء مُدان في كل مكان وزمان
هذه الأحداث الدموية تعيد إلى الأذهان أحداثا مماثلة تمت إدانتها ورفضها تماما، وأحداثا مأساوية مازالت مستمرة وتزهق فيها أرواح أناس أبرياء، كما يحدث في أنحاء متفرقة بالعالم، ولا سيما ما هو قريب منا كالعراق وسوريا بشكل كبير، وفي ليبيا واليمن ومصر بشكل أقل نسبيا. إراقة دم البريء حرام شرعا وقانونا، ومرفوضة قلبا وقالبا، نفسيا واجتماعيا. ومهما كانت الأسباب والدوافع، سواء مبررة أو مفهومة، عاجلة أو ملحة، فلا يمكنها تبرير قتل الأبرياء. لنتصور حجم المأساة التي تضرب العائلات أو الأفراد أو الأمم والبلدان، ونضع أنفسنا بمكان العائلات المنكوبة، ونتصور الرعب الذي يسيطر على بشر بمختلف الأعمار وهم يسمعون دويّ انفجار، أو أزيز إطلاق نار، أو وحشية طعن بسكاكين، وأشلاء ودماء تتناثر هنا وهناك! هل يوجد ما هو أبشع من هكذا مشاهد تقشعر لها الأبدان إلى الحد الذي يجعل القلوب محبوسة في الحناجر. هذه المشاعر الإنسانية الأصيلة، تجعل أي عمل دموي ضد الأبرياء، مرفوضا تماما، وتعقّد، بل وتجعل من المستحيل التعاطف أو دعم أي مطلب مقترن بعنف دموي، وترفض تماما الحديث عن حقوق- مهما كانت- إذا ارتبطت بعنف دموي تقشعر منه الأبدان.
وهي المشاعر نفسها التي تحتم علينا جميعا، دعم المطالب المشروعة عند اللجوء لأساليب سلمية شرعية قانونية للمطالبة بالحقوق، بشرط أن يتم ذلك في إطار الحفاظ على وحدة الوطن وتناغم نسيجه الاجتماعي. وهي نفس المشاعر التي تحفزنا على التمسك بحقوقنا والصبر والجَلد على الاستمرار بالسعي من أجلها بالسبل المشروعة. ومهما طال زمن انتظار إحقاق الحقوق المشروعة، فذلك لا يعطي المبرر للتسرع واللجوء للعنف. ومهما كانت قسوة الظروف، فإنها ليست المبرر لنفاد الصبر وفقدان الحكمة والحِلم، لمواصلة السعي الحثيث للمطالب المشروعة.
الدستور والقنوات الشرعية هي الحل الأمثل
في الكثير من دول العالم حاليا، ومنها الصين، هناك تطور واضح في المنظومة النيابية والاستشارية، والقانونية، وازدياد ملحوظ بأعداد المنظمات المدنية المهتمة بحقوق المواطنين المشروعة؛ لذلك، الأجدى والأنفع هو اللجوء لمثل هذه الآليات، وطرح المطالب ورفع الأصوات بقوة لنيل الاعتراف بالحقوق المشروعة التي تدعمها العديد من الثوابت وعلى رأسها الدستور، ولكن بالحفاظ على الشرط المسبق والأهم وهو وضع الثوابت الوطنية، لا سيما سيادة البلاد ووحدة أرضها وشعبها، في المقام الأول. وبدلا من الرفض والإدانة، ستجد هذه المطالب ملايين الداعمين لها، والأمثلة كثيرة جدا على ذلك، في كل مكان بالعالم، خاصة في ظل تطور ثورة المعلومات وانتشار وسائل الاتصال والتواصل الفوري بين ملايين البشر في كل مكان بالعالم. هذا ما حدث فعلا عندما هبّ الملايين من متصفحي الإنترنت وأصحاب المدونات، لدعم ملايين القضايا العادلة في كل مكان بالعالم، ومنه الصين، حيث تشهد هذه الظاهرة الكونية، ظاهرة الإنترنت التفاعلي، تطورا كبيرا جدا. أما اللجوء للعنف وإراقة الدماء وتجاهل القانون، فلن تؤدي إلا لمزيد من ضياع الحقوق أو تأخيرها وإلى التعقيد وإزهاق الأرواح، التي إذا أزهقت، فسيكون من الصعب وقف دوامة العنف، ومداواة آثارها ونتائجها المدمرة، خاصة بين أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة.
ثمن الفوضى.. ونعمة السلام
نحن الشعوب النامية أكثر من عانى ويعاني من بشاعة العنف الدموي، ولا ينسى العالم أجمع، ومنه ما يُعرف بالعالم المتقدم حاليا، ملايين الضحايا وبشاعة المآسي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب وويلات أخرى وقعت في الكثير من دول العالم، وتوترات حالية تنذر بمشاكل وتعقيدات لا تحمد عقباها. ومن داخل العالم النامي، لا يمكن نسيان ما حدث ويحدث في منطقتنا بالشرق الأوسط، ومنه العراق وسوريا ودول ومناطق عربية وأفريقية أخرى. وكبشر، لا يمكننا طبعا أن ننسى أحداث 11 سبتمبر 2001، والضحايا الأبرياء الذين سقطوا خلالها، وما تلاها من تعقيدات بشعة على الساحة الدولية. وحتى أوروبا لم تنجُ، لا قديما ولا حديثا، من آثار العنف الدموي. ولا يمكن فصل أسباب ما حدث ويحدث بكل مكان في العالم، عن العنف الأهوج. وبمجرد نظرة سريعة يمكننا الرؤية بالعين المجردة، آثار الفوضى المدمرة التي تضرب منطقتنا العربية، وبنظرة أعمق سنجد حالة مؤلمة جدا لمستقبل غامض وغائم جدا يُنذر بزوابع خطيرة جدا. ننظر إلى العراق ومعاناة شعبه البريء ونحن مدركون تماما السبب الحقيقي للمأساة وهو العنف والقتل، ونعرف جيدا السبب الرئيسي وهو تدخل الأيدي الخارجية بالشأن الداخلي العراقي. وننظر، والألم يمزق قلوبنا، إلى ما يحدث في سوريا من قتل وتدمير ومأساة إنسانية غير مسبوقة بفداحتها وعمق آلامها للناس، وخاصة كبار السن والنساء والأطفال، المشردين في كل مكان. ولا يمكن لعاقل أن يغمض عينيه أو يتجاهل الآثار المعقدة جدا لهذه الأزمة الإنسانية المنتشرة بالمنطقة. هذه بعض الصور المحدودة لآثار العنف في كل مكان. لذلك، فإن رفض العنف والقتل والتدمير والعنصرية والطائفية والانعزالية، مهمة ومشاعر مشتركة يجب أن يتحمل مسئوليتها جميع الناس المحبين للخير والسلام والعدل والإنصاف والحق بالعالم.
الصين حالة سلام عزيز، بعد معاناة قاسية جدا
الصين، حالها حال معظم دول العالم، وشعبها مثل باقي شعوب الأرض، لا فرق جوهريا بينهم، ولكن هناك صفة يشعر بها كل من يعرف هذا البلد، سواء قرأ تاريخه العريق، أو زاره أو عاش فيه، ألا وهي حب هذا الشعب للسلام، لأنه كنز غال لم يحصل عليه إلا بدفع ثمن باهظ من أرواح ملايين الناس والكثير من الموارد الثمينة والآثار التاريخية والتراثية. لقد عانى الصينيون من فترات يمكن القول إنها من أبشع ما مرّ على شعوب الأرض، من قتال وضحايا وغزو واستعمار واحتلال ونهب واستغلال بأبشع صوره، وجوع أجبر العديد من أبناء هذا الشعب على أكل أوراق الشجر. نعم، لقد حدث هذا في الصين ذات المليار وأكثر من 300 مليون نسمة. ولم يتغير الحال إلا بعد قيام الصين الجديدة، وتطبيق الإصلاح والانفتاح، وما نتج من تنمية سريعة واضحة، تنفس الشعب الصيني بعدها الصعداء، وشعر ولمس بيده حلاوة السلام والاستقرار، باعتبارهما الأساس الوطيد الأكيد المتين للعمل والحياة الكريمة.
الصين الجديدة قوة فولاذية بكل معنى الكلمة، فيها احترام للقانون والنظام، والشعب الصيني متمسك بالتقاليد، وأبرزها تقاليد الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي. خلال فترة طويلة تمتد لسنوات، لم نرَ مظاهر سلاح في شوارع بكين ولا غيرها من مدن الصين، ورجال الشرطة مثلا أو الحراسات الخاصة بالوزارات، غير مسلحين، ذلك لأن القانون والنظام محترمان أصلا وطوعا، ومحميان بقوة الالتزام القانوني من شعب مسالم. فهل يمكن أن تكون هذه السلمية نقطة مثيرة للمشاكل لدى هؤلاء الناس؟! هؤلاء الناس المسالمون، غير متعودين فعلا على القتل والدم، وربما أقول -على عجل- إنهم "لا يعرفون مواجهة هكذا أحداث دموية!" وهل من الضروري أن نثير مشاكل لكسر حالة من السلم يتمتع بها مجتمع عانى الكثير من ويلات عدم الاستقرار بالماضي؟! وهل من الضروري أن نثير توترات ونفاقم مشاكل حتى تكون تمرينا يجعل هذا المجتمع المسالم يتأهب ويترك الأهم، وهو البناء والتنمية، ليلتفت للطارئ المحتمل!؟
وطالما نؤيد السلام والاستقرار والاهتمام بالتنمية وحياة البشر، ينبغي أيضا وحتما تأييد الحقوق المشروعة لكل البشر في أي مكان وأي زمان، وكذلك تأييد كل مطلب شرعي سلمي متحضر يحافظ على وحدة وسلامة البلاد والعباد، ويكف عنهم أي خطر متطرف. إن كل بلد وكل أمة أو قومية أو عرقية أو مجموعة لها مطالب مشروعة، ستكون بالتأكيد حريصة على عدالة ونزاهة ومصداقية هذه المطالب، والعقلاء الحريصون من الناس هم من يحمون هذه الحقوق ويرعونها حتى تؤتي ثمارها لخير أبناء جلدتهم.
لا .. كبيرة وحازمة نقولها لكل عمل يؤذي الأبرياء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين القادر على أن يجعل الأرض آمنة ويرزقنا من خيراتها، وسلام قولا من ربّ رحيم.
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |