الطب الصيني كنز نفيس يحتاج إلى إعادة الاكتشاف

نشرت الحكومة الصينية أول كتاب أبيض لها بشأن الطب الصيني التقليدي في الـ6 من ديسمبر عام 2016، يفسر فيه سياسات وتدابير تنمية الطب التقليدي الصيني ويلقي ضوءا على قيمته الفريدة في العصر الجديد.

قال الكتاب الأبيض حول الطب الصيني التقليدي الذي نشره مكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني، "إن الطب التقليدي الصيني يوفر رؤية فريدة للحياة واللياقة البدنية والأمراض فضلا عن الوقاية والعلاج من الأوبئة عبر تاريخه الطويل من الاستيعاب والإبداع .

وذكر الكتاب الأبيض أن الطب الصيني التقليدي، تزامنا مع التغير والتطور للرؤية على اللياقة البدنية والأنماط الطبية، أكد قيمته العميقة بشكل تدريجي.

أسامة: وبحسب البيان، في نهاية عام 2015، هناك 3966 مستشفى للطب الصيني التقليدي في أنحاء البلاد، و42528 عيادة طب صيني تقليدي يعمل بها 452 ألف معالج ومساعد معالج في الطب الصيني التقليدي.

كما لعب الطب الصيني التقليدي دورا مهما في الإصلاح لنظام العناية الصحية، وفقا للكتاب الأبيض.

وقال الكتاب الأبيض إن الطب الصيني التقليدي قد ساهم في الخدمة الصحية بحصة أكبر عما يتمتع به من الموارد.

وفي عام 2015، سجلت التكاليف لكل مريض زائر كل مرة ولكل مريض مقيم في مستشفيات الطب الصيني التقليدي نسبة أدنى بـ 11.5% و24% على التوالي من التكاليف في المستشفيات العامة الأخرى.

كما أشار الكتاب الأبيض إلى الصين أنشأت في البداية قطاع الطب الصيني الحديث على أساس إنتاج المواد الطبية والإنتاج الصناعي المرتبطين بالتجارة.

وسجلت القيمة الإنتاجية الإجمالية لقطاع الأدوية للطب الصيني التقليدي 786.6 مليار يوان (نحو 114.21 مليار دولار أمريكي)، ما يشكل 22.85% من إجمالي قيمة قطاع الأدوية للبلاد لتصبح موردا جديدا للنمو الاقتصادي في الصين.

ووضعت الصين تنمية الطب الصيني التقليدي كاستراتيجية وطنية.

وفي عام 2015، وافق الاجتماع التنفيذي لمجلس الدولة على مشروع قانون للطب الصيني التقليدي وقدمه إلى اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني للمناقشة والمصادقة عليه، سعيا إلى توفير بيئة سياسية سليمة وأساس قانوني لتنمية الطب الصيني التقليدي.

وفي عام 2016، أصدرت كل من اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة ملخص لخطة الصين الصحية 2030، كدليل إرشادي لتعزيز صحة الشعب الصيني في السنوات الـ15 المقبلة. وحددت سلسلة من المهمات والتدابير لإنجاز الخطة وتنمية الطب الصيني التقليدي .

وفي العام نفسه، أصدر مجلس الدولة ملخص الخطة الاستراتيجية لتنمية الطب الصيني التقليدي (2016-2030)، ما جعل تنمية الطب الصيني التقليدي استراتيجية وطنية، مع خطط منظمة في الوضع الحديث .

وقال الكتاب الأبيض، إن "هذه القرارات والخطط قد رسمت تفصيلا رائعا يركز على إحياء كامل للطب الصيني التقليدي، وسارعت من إصلاح نظام الطب والعناية الصحية علاوة على بناء نظاما طبيا وصحيا ذي خصائص صينية، وتعزيز خطة الصين الصحية، مما يبشر بعصر جديد لتنمية الطب الصيني التقليدي".

أسامة: وأكد الكتاب الأبيض أن الصين تسعى وراء إدخال كل مواطن صيني في الخدمات الأساسية للطب الصيني التقليدي قبل حلول عام 2020، وتحقيق التغطية الكاملة لخدمات الطب الصيني التقليدي في كل البلاد في إطار العناية الصحية بحلول عام 2030.

وفي ذات الوقت، كان الطب الصيني التقليدي يخطو إلى العالم، فقال الكتاب الأبيض إن الطب الصيني التقليدي قد انتشر في 183 دولة ومنطقة في العالم برمته.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، قدمت 103 من الدول الأعضاء موافقتها على علاج الوخز بالإبر والكي، ووضعت 29 دولة قوانين خاصة للطب التقليدي بينما أدرجت 18 دولة عضو الوخز بالإبر والكي إلى قائمة التأمين الصحي، حسبما ذكر في الكتاب الأبيض.

--------

يتميز الطب الصيني بفاعلية كبيرة على مستوى "الوقاية"، ويعد أحد العناصر الأساسية في الثقافة الصينية، لكن هناك عدد من الأجانب لديهم سوء فهم تجاه الطب الصيني. وكما قادت ماكدونالد، وستارباكس الثقافة الأمريكية للانتشار في العالم، على الطب والأدوية الصينية التقليدية التأقلم مع حاجيات المجتمع الحديث، وتفعيل دورها في منظومة خدمات الصحة العامة، وهو ما يحتاج دخول الطب الصيني إلى مرحلة التصنيع.

انتقلت تقنيات الطب الصيني وأدوية الأعشاب من جيل إلى جيل عبر الرواية المكتوبة والشفوية، وقد ظلت عملية التناقل تركز على التجربة أكثر من الجانب النظري، ما عرقل تأسيس منظومة نظرية متكاملة للطب الصيني التقليدي، تتقاطع مع علوم الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم الأساسية. وكانت الدعامات النظرية عقبة رئيسية أمام تحديث الطب الصيني ومروره إلى التصنيع، لذا يبقى تأسيس منظومة نظرية للطب الصيني عاملا مهما من أجل مروره إلى التصنيع.

من جهة أخرى، يحتاج الطب الصيني إلى وضع معايير واضحة، حيث يشترك الطب الصيني التقليدي مع الطب الحديث في الاهتمام بالمقادير، لكن نظرا لمحدودية الظروف التقنية، يمكن للطب الصيني موازنة الأعشاب فقط، ولم يستطع استخراص العناصر الفعالة داخل الأعشاب، وهذه إحدى الأسباب المهمة التي تثير شكوك الأوساط الأجنبية في الطب الصيني.

إن دفع الطب الصيني باتجاه التصنيع، يحتّم تحديد معايير صارمة واستغلال التقنيات الحديثة. ووضع مقادير دقيقة في استعمال الأدوية وخلطها.

من جهة أخرى، هناك عوامل أخرى لا علاقة لها بالأدوية تؤثر على تصنيع الطب والأدوية الصينية، مثل الأدوية التي تستخرج من الحيوانات المهددة بالانقراض وتلقى معارضة كبيرة في الخارج، مثلا، في 2006، قامت الجمارك البريطانية بحجز 160 ألف علبة دواء مستخرجة بطرق غير شرعية من الحيوانات البرية، خاصة النمر وفرس النهر ووحيد القرن، لذا فإن هذه المواد تبقى في حاجة إلى تصنيعها آليا أو إيجاد بديل لها.

يعد الطب الصيني طبا تقليديا، في حين أن المجتمع الحديث يعتمد الطب الحديث بشكل رئيسي. ولتطوير الطب الصيني يجب تحقيق اختراقات على مستوى النظريات القديمة، ورفض الجمود والانغلاق. وقد وجدت العالمة الصينية الحائزة على نوبل في الطب، تو يويو، الإلهام لتطوير نظريات طبية جديدة، وقد نظر الكثير إلى إنجازها على أنها انتصار للطب الصيني، في حين أنها اعتمدت الطرق الطبية الحديثة. فالطب الصيني يعد كنزا نفيسا ينتظر أن توظف التكنولوجيا الحديثة في اكتشاف، ليقدم إسهاماته إلى العالم.

مستمعينا الأعزاء، لنستريح قليلا ونستمتع بأغنية صينية جميلة، ثم نعود ونواصل حديثنا عن اليوغا في الصين.

-------------------------- اليوغا في الصين

مشيرة: أعزائي، بعد الموسيقي الجميل، مرحبا بكم مجددا، وفي الدقائق التالية، نعرفكم على اليوغا في الصين.

اليوغا مجموعة تمارين وطقوس روحية يرجع أصلها إلى الهند. وتعتمد فلسفة اليوغا على ممارسة بعض التمارين البدنية وتمارين التحكم بالنفس، بالإضافة إلى التحكم بالروح والتحكم بالتنفس والاسترخاء الذهني والبدني.

شهدت اليوغا انتشاراً كبيراً في الأعوام الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في الصين التي يتجاوز عدد ممارسي اليوغا فيها عشرة ملايين شخص، ويصل عدد الصالات الرياضية والنوادي الصحية التي تقدم تمرينات اليوغا أكثر من خمسين ألفا. كما يزداد عدد مدربي اليوغا المتخصصين بسرعة في الصين.

---- رياضة سحرية

خه مينغ، وهي حاليا مدربة في صالة جينغلان الرياضية لليوغا في مدينة هانغتشو، كانت تعاني من الاكتئاب والتهاب المعدة والأرق والتهاب المفاصل والتهاب الكلية المزمن، وبعد سنوات من ممارسة اليوغا والعلاج الطبي، استعادت صحتها. قالت خه: "اليوغا رياضة سحرية بكل المقاييس، لا يعرف كثير من الناس فوائدها. حماسة الناس حاليا لليوغا ترجع إلى أن هذه الرياضة تحقق الانسجام بين الجسد والعقل والروح. الناس يسعون إلى اللياقة، بالإضافة إلى الرغبة في الشعور بالانتعاش والراحة. اليوغا تمنح الهدوء النفسي والطمأنينة، كما أنها تخلص الفرد من الاضطرابات العصبية والطاقة السلبية وتحولها إلى طاقة إيجابية."

مشيرة: بينما يجد بعض الشباب في العشرين من عمرهم، صعوبة في ثني ركبتيهم، يستطيع تشن شان، مدرب اليوغا البالغ من العمر خمسة وثمانين عاما، ثني جسده بطريقة مدهشة، تكاد تكون مستحيلة بالنسبة لأي إنسان عادي.

بدأ تشن شان يتعلم اليوغا بعد تقاعده من العمل قبل 30 عاما، في إحدى النوادي الصحية بمدينة تشانغجياكو في مقاطعة خبي، بهدف تخفيف الألم الناجم عن مشاكل صحية مختلفة أصابته بعد بلوغه الخمسين من العمر. حاليا، السيد تشن معلم يوغا ويتمتع بصحة جيدة، ويشجع الناس على ممارسة اليوغا لتحسين صحتهم وتعزيز لياقتهم البدنية، ويعلم الجمهور بسخاء كل ما يعرفه عن اليوغا.‏

لقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن اليوغا تساعد في شفاء جميع الأمراض التي يسببها الإجهاد والضغط والتوتر النفسي، فاليوغا تخفف الضغط وتساعد على التوازن والاستقرار النفسي. وكذلك في حالة أمراض المناعة الذاتية والاكتئاب والأرق والإرهاق، وحتى آلام الظهر وآلام الرقبة وتهيُّج الأمعاء. اليوغا تعالج الأسباب الجذرية وليس الأعراض.

----- التطور والتحدي

يرجع تاريخ اليوغا في الصين إلى فترة أسرة هان الشرقية (25-220م) مع قدوم البوذية إلى الصين. في ثمانينات القرن الماضي، بدأت تشانغ هوي لان تنشر اليوغا في الصين عبر القنوات التلفزيونية الصينية. خلال نحو عشرين سنة من التطور، ظهر في الصين عدد كبير من صالات اليوغا الرياضية المتخصصة، في المناطق الحضرية والمناطق النائية، وتقدم معظم النوادي الصحية دروسا في تمرينات اليوغا.

مع التطور السريع، حظيت تمرينات اليوغا بالاعتراف على المستوى الحكومي داخل الصين وخارجها. في عام 2014، حددت الأمم المتحدة الحادي والعشرين من يونيو كل عام يوما عالميا لليوغا. في مايو عام 2015، حضر لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصيني، مع نظيره الهندي ناريندرا مودي أنشطة لرياضتي "اليوغا " و"تايجي" في المعبد السماوي ببكين، حيث شاهدا عرضا جماعيا قدمه أكثر من أربعمائة صيني من ممارسي اليوغا وتايجي. وفي الثامن عشر من مايو 2016، افتتح مؤتمر الصين والهند حول رياضة اليوغا في مدينة كونمينغ، حاضرة مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين، حيث تجمع أكثر من ألف ممارس صيني لهذه الرياضة للمشاركة في عرض جماعي لليوغا. لذلك، أصبحت اليوغا وسيلة تبادل ثقافي هامة بين الصين والهند.

ولكن مع تطورها السريع، ظهر في سوق اليوغا الصينية عدد من المشكلات.

بدأت تشانغ تسان، البالغة من العمر خمسة وعشرين عاما، معرفة اليوغا أول مرة قبل تخرجها في الجامعة، عندما أصابها القلق والتوتر العصبي بسبب الصعوبات التي واجهتها في البحث عن عمل. أرادت تشانغ تغيير هذا الوضع غير السليم، فلجأت إلى ممارسة اليوغا. قالت تشانغ: "كنت أتعلم اليوغا بفيديو تعليمي، ثم تعلمتها في صالة رياضية لليوغا لزيادة معارفي. في النهاية، بسبب قلة عدد مدربي اليوغا، قررت أن أكون مدربة متخصصة، ونجحت في الامتحان وحققت حلمي."

قالت تشانغ إن هناك أنواعا عديدة من اليوغا، بالإضافة إلى تطبيقات وبرامج كثيرة لفهمها. لكن مع ازدهار تطور اليوغا في الصين، ظهرت بعض نوادي اليوغا التي تسعى وراء الكسب التجاري، وتركز على تعليم مختلف الوضعيات فقط، بحيث يحصل المتدرب على الفوائد الجسدية فقط. هذه النوادي تهمل التمارين للشعور بالبهجة الجسدية والعقلية والروحية، وصولا إلى تحقيق الاسترخاء الذهني والبدني.

وفقا لأحد الاستطلاعات، يعرف 10% فقط من ممارسي اليوغا في الصين أن تمارين اليوغا يمكن أن تصبح خطيرة إذا لم تُمارس بصورة صحيحة. ويقول الخبراء إن اليوغا يمكن أن تكون خطيرة إذا لم تمارس على النحو السليم من الناحية الجسدية. وإذا لا يراعي ممارسوها حدود قدراتهم، سيقومون بحركات انحناء خاطئة ومؤلمة. لذلك من المهم ممارستها تحت إشراف متخصص، ووفق جدول ونظام محدد، فالشباب في سن العشرين يمارسون نوعاً مختلفاً من اليوغا عن النوع الذي يمارسه من هم في سن السبعين مثلاً. كما أوضحت تشانغ أن استخدام اليوغا في الحياة اليومية يتطلب حالات ذهنية أرقى وممارسة اليوغا بصورة مركزة ومكثفة.

------- وظيفة جديدة واعدة

مدربو اليوغا هم وسيلة الاتصال بين هذه الرياضة وممارسيها. وفقا للإحصاء، 26% من مدربي اليوغا كانوا معلمي رقص أو ممثلين، و21% كانوا مدربي لياقة بدنية، و18% كانوا موظفين ذوي ياقات بيضاء. ولأن دخل مدربي اليوغا عال نسبيا، وأعمال التدريب مفيدة للصحة ولا تسبب ضغوطا كبيرة، جذبت اليوغا كثيرا من ذوي الياقات البيضاء للمشاركة في ممارستها وتعليمها.

على الرغم من الإقبال على العمل في تعليم اليوغا، ما زال هناك نقص في عدد مدربي اليوغا، ولا توجد معايير موحدة لتقييم مستوى مدربي اليوغا وضبط تطور هذه السوق. في أكتوبر عام 2009، أعلن مركز التعليم والتدريب بوزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي الصينية إصدار شهادة عمل لمدربي اليوغا، الأمر الذي يهدف إلى وضع ضوابط لسوق تدريب اليوغا ورفع المستوى المهني لمدربي اليوغا بشكل شامل، حتى يمكن تأهيل المزيد من المدربين الممتازين، الذين يعلمون المزيد من الصينيين بأفكار اليوغا العلمية والصحية ويرفعون مستوى الصينيين جسديا وعقليا، وصولا إلى تحقيق التنمية السليمة لليوغا في أنحاء البلاد.