|
||
cri (GMT+08:00) 2012-04-27 16:08:35 |
* محمد ياسر منصور ـ كاتب وباحث إعلامي سوري
قلَّما كان يقال : " يوم ستنهض الصين..." ولم تكن تسيطر على المرء كثيراً فكرة تهديد عملاق يستطيع يوماً أن يرعب العالم قاطبة. ونحن نعرف الآن أن هذا البلد المترامي الأطراف يحاول النهوض حقيقة. وهذا يعني منذ الآن فصاعداً التساؤل عما إذا كانت نهضته المذهلة قد تؤثر في مسيرة العالم.
إنها عملاق بشري (ففيها 1.316 مليار نسمة) فالصين لم تبدأ إصلاحاتها الاقتصادية الكبرى إلا بعد وفاة ماو زدونغ (ماوتسي تونغ) في العام 1976 ، ولا سيما في العام 1978 ، عندما تسلَّم دنغ كسياوبنغ السلطة. وكانت تلك الإصلاحات تستند إلى غزارة يد عاملة وطنية، ورخيصة الأجر ، وإلى إقامة معامل تجميع أنشأتها شركات أجنبية، وإلى صادرات بكميات ضخمة من المنتجات الرخيصة، وإلى سيل الاستثمارات بالنقد الأجنبي، وظل طراز النمو يعد فترة طويلة "بدائياً" وتتميز به بلاد متخلفة تحكمها يد من حديد لحزب وحيد.
في خلال الثمانينيات ، لم تعد الصين ـ التي ما زالت شيوعية ـ لم تعد تثير الخوف فحسب ، بل إنها من خلال الشمولية الليبرالية البادئة ، أصبحت الصين تمثل فئات الشركات الغربية التي نقلت إليها مصانعها (بعد أن منحت شهادات لملايين العمال ) وكان ذلك ضرباً من الحظوظ أو نعمة على المستثمرين النبيهين . وفي زمن قصير ، وبفضل شبكة من "المناطق الاقتصادية الخاصة" المقامة على طول الواجهة البحرية ، أصبحت الصين قوة تصديرية عجيبة. قوة أذهلت العالم بتربعها على رأس قائمة المصدرين العالميين للمنسوجات والألبسة والأحذية والمنتجات الإلكترونية والألعاب.
غزت منتجات "صنع في الصين" العالم كله (وبلغ فائض بكين التجاري أيضاً، في العام 2005، نحو 100 مليار دولار (1) . ولا سيما أن سوق الولايات المتحدة أصيبت حيال المنتجات الصينية بخلل هائل في توازنها.
هذا الجنون التصديري يجب أن يثير إقلاعاًَ مشهوداً للنمو ، الذي يتجاوز منذ عقدين من الزمن نسبة 9% كل سنة . (2)وبالنسبة لملايين البيوت ، فإن هذه "الشيوعية الديمقراطية للسوق" قد أفضت إلى زيادة حقيقية في القدرة الشرائية ولرفع مستوى المعيشة. (3) لأن الأجور إذا كانت قد ارتفعت قليلاً حتى الآن مقارنة بالأجور في البلدان الغنية، فهي قد ازدادت مع ذلك في أثناء العقد الماضي بنسبة 12 % في السنة وسطياً، حسب الإحصاءات الرسمية! وشجع هذا كله على ارتفاع حقيقي لرأس المال الصيني.
ومن خلال القفزة ذاتها ، انطلقت الدولة في مسيرة قسرية في جنون التحديث للبلاد، فزادت عدد مباني البنى التحتية والمنشآت كمثل : الموانئ ، المطارات ، الطرق المزدوجة ، السكك الحديدية ، الجسور ، السدود ، ناطحات السحاب، الملاعب الضخمة للألعاب الأولمبية التي أقيمت في بكين في العام 2008، أبنية للمعرض الكوني في شنغهاي في العام 2010إلخ...
هذا الكم الجنوني من الأعمال والحمى الاستهلاكية لدى "الأثرياء الجدد" الصينيين ، أضافا بعداً جديداً للاقتصاد: " في فترة زمنية قصيرة جداً " أصبحت الصين ، التي كانت تنشر الرعب لكونها قوة تصديرية مسيطرة ، أصبحت عملاقاً مستورداً يثير نهمه الذي لا يشبع القلق الشديد. وأصبحت منذ ذلك الحين أول مستورد في عالم الإسمنت (55 % من الإنتاج العالمي) ، وأول مستورد للفحم الحجري (40 %) وأصبحت ثاني مستورد للنفط ، بعد الولايات المتحدة. وفي الأسواق العالمية ، تسببت هذه المشتريات الضخمة للمواد الأولية في التهاب حقيقي للأسعار . ولا سيما أسعار النفط.
وبقبول الصين عام 2001 في منظمة التجارة العالمية ، أصبحت إحدى أكبر اقتصادات العالم ، والرابعة تحديداً (4). وهي تجر كالقاطرة النشاط الاقتصادي للكرة الأرضية. وأسهم ازدهارها، في السنوات الأخيرة ، في ثلث النمو الاقتصادي العالمي. وكان لقفزتها الفجائية تماماً تأثير مباشر في الاقتصاد العالمي. وهامش ازدهارها يظل هائلاً ، لأن البلاد ظلت بكليتها دولة نامية. ويذكر رئيس الوزراء وين جياباو بما يلي: " على الرغم من سرعة نموّنا ، فما زالت الصين بلداً نامياً ، وما زال يلزمنا 50 سنة من النمو بالوتيرة الحالية لنصبح بلداً متوسط النمو"(5) .
إذا واصلت الصين انطلاقتها ، فمنذ العام 2041 ستتمكن من تجاوز الولايات المتحدة وتصبح أول قوة اقتصادية في العالم (6) . وستكون لهذا نتائج جغرافية سياسية كبرى. وقد يعني هذا أيضاً ، أن استهلاكها للطاقة منذ العام 2030 سيعادل مجموع استهلاك كل من الولايات المتحدة واليابان اليوم، ولكونها لا تمتلك النفط الكافي لسد احتياجاتها الضخمة جداً ، فقد ترغم ، من الآن وحتى العام 2020 على مضاعفة قدرتها النووية ، وبناء مفاعلين ذريين كل عام خلال 16سنة000
لقد سبق للصين أن كانت ثاني ملوِّث لأجواء الكرة الأرضية ، على الرغم من تصديقها على بروتوكول كيوتو في العام 2002، وقد تصبح أول ملوِّث بإطلاقها كميات ضخمة من الغازات المسببة للدفيئة (أو الاحتباس الحراري) الأمر الذي يفاقم خطر التبدل المناخي الحالي.
على هذا الصعيد ، تشكل الصين مدرسة يحتذى بها ، وهي تقودنا من الآن فصاعداً إلى التساؤل بخصوص بلدان أخرى تمثل "عمالقة الجنوب" كمثل ، الهند والبرازيل والمكسيك ومصر ونيجيريا وجنوبي إفريقية إلخ... : فكيف يمكن انتشال مليارات البشر من العوز في البلدان النامية دون إغراقهم في نموذج إنتاجي واستهلاكي "على الطريقة الغربية" مشؤوم بالنسبة للكرة الأرضية وللبشرية جمعاء؟
نهضة الصين:
خلال ما يتجاوز العقدين بقليل ، غزت الصين المسرح الاقتصادي الدولي، دون أن يتمكن آخر من إحراز مثل هذا الخرق. وهذا "التحول الصامت" الذي انطلق غداة وفاة ماو زيدونغ ، بهر أعين العالم بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001. ومن بين حوافز هذا النمو ودوافعه العصية على الكبح : إرادة استعادة المكانة التي كانت تحتلها إمبراطورية الوسط ، من القرن السادس عشر ، حتى القرن الثامن عشر ، كقوة تجارية وثقافية في آن معاً.
إن بكين ، من خلال تدعيم قواها الاقتصادية ، تبني خطوة خطوة دبلوماسية جديدة ، متخلصة تدريجياً من مبادئ الأمس. فعلى الرغم من التحفظات في المنطقة . تشكل الصين منافساً قوياً للمنظمات الاقتصادية أو السياسية الأساسية في آسيا: فقد نجحت في تطبيع علاقاتها مع جيرانها الأساسيين ، حتى وإن ظل من الصعب تطبيع علاقاتها مع اليابان . وفي إفريقية كما في أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية ، فهي تتبع دبلوماسية نشطة، حيث تختلط المصالح الاقتصادية والمرامي الاستراتيجية.
*************************************************
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |