|
||
cri (GMT+08:00) 2014-06-26 09:52:53 |
محمد حسن التويمي*
كانت مصر هي الاولى الأشهر في العالم بفوانيس رمضان إلى عهد قريب، حتى دنت الصين من هذه الصناعة، وتحوّلت الى دولة هي الاولى في ضخامة صناعتها وترويجها وبيعها في العالم الإسلامي وغير الاسلامي. وفي صناعة الفوانيس بالصين تخصص وخبرة، ومصانع كبيرة وصغيرة، تنتج رسوماتها وأشكالها بدقة اسلامية متناهية، وبأسعار رخيصة ومتدنية ومنافسة بحدة لأثمانها في البلدان العربية والاسلامية، فصارت صناعة صينية يُقبل عليها فقراء المسلمين وأغنيائهم سواء بسواء، مما يؤكد بأنها صناعة مناسبة لهم، ومزاحِمة لغيرها من الصناعات المثيلة في شركات مصر والعالم الاسلامي.
في الفانوس المصري كنا نتلمس سحر الشرق الاسلامي والعربي، وقُربه من بعضه وتلاحمه، وكان يشعر بغموضه المسلمون من غير العرب، ويستشعرون ثقافتنا وتقاليدنا، وكان الفانوس المصري هديةً تعبّر عن عالم شقيق لمسلمي العالم ويتطلعون إلينا من خلاله ويرون في فانوسنا ألواننا ورسوماتنا التي انتشرت عندهم، لكن ذلك انتهى ربما الى غير رجعة، بسبب تصنيع فوانيس في شركات غير صغيرة، وبأيدي عمال في الصين يتقنون صنعتهم ويخلصون فيها وبانتاج كمٍ ضخم منها طفح به العالم الاسلامي وقارات اوروبا وامريكا، سيما وان الفانوس كان فلسفة الشرق، وليس تعبيراً عن الدين فقط أو تقليداً لازماً واقتناؤه فرضاً وفريضة.
تقول المراجع، وبخاصة دراسات كل من الدكتور السيد عبده جادو؛ والدكتورة لمياء محمود يوسف، من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان في مصر، أن أول ظهور لفانوس رمضان في صدر الإسلام كان في الإضاءة ليلا للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء، وعرف المواطن المصري فانوس رمضان في العصر الفاطمي عام 358 هجري، وقد وافق هذا اليوم دخول المعز لدين الله الفاطمي الى القاهرة ليلاً، وأستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس، وقد تحوّل الفانوس من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلا إلى وظيفه أخرى ترفيهية إبّان الدولة الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون به في الشوارع. كما ظهر الفانوس في أيدي رجال الشرطة في جولاتهم الليلية للحراسة، كما وأرتبط الفانوس بالمسحراتي، حتى أن أول أنواع الفوانيس المعروفة كانت تحمل أسم المسحراتي، وهو فانوس بقاعدة صغيرة، وله أبواب كبيرة. وقد بدأت صناعة الفوانيس منذ العصر الفاطمي تتخذ مساراً حِرفياً وإبداعياً في الوقت ذاته، فظهرت طائفة من الحرفيين في صناعة الفوانيس بأشكلها المتعددة وتزيينها وزخرفتها، ولم يشكّل الفانوس في صورته الحالية إلا في نهاية القرن التاسع عشر، وأصبح يستخدم إلى جانب لعب الأطفال في تزيين وإضاءة الشوارع ليلاً كما كانت وظيفته الأصلية خلال شهر رمضان.
وقد تطورت صناعة الفانوس بشكل كبير، فبعد أن كان الفانوس عبارة عن مجرد علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة ثم إدخال الزجاج إلى جانب الصفيح، مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة مستمرة في الاشتعال، ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال وكتابة بعض الآيات القرآنية، وأسماء الله الحُسنى، وكان يتم ذلك بتقنيات يدوية وتستخدم فيها الخامات المعدنية، وكان الموضوع يحتاج إلى مهارة خاصة، ويستغرق صناعته وقتا طويلا. وتعد القاهرة من اهم المدن العربية الإسلامية التي تزدهر فيها صناعة الفانوس حيث تنتشر صناعة الفانوس في مصر في الأحياء، لكنها غدت صناعة مكلفة سيما لارتفاع أثمان المواد الاولوية الداخلية في تصنيعها، من الصين وفرنسا وماليزيا، إذ ان بعضها كان معقداً من ناحية تصميمه، وعرفت منذ الثلاثينات من هذا القرن، مثل الفانوس المعروف بإسم البرلمان، والذي سُمّي كذلك نسبة إلى فانوس شبيه كان يوجد في البرلمان المصري في الثلاثينات، وفانوس الملك فاروق وغيرها من الاسماء.
لكن، يستطرد الدكتور السيد عبده جادو؛ والدكتورة لمياء محمود يوسف، انه صار للصين باع طويل في صناعة الفوانيس، بعد تراجعها في مصر، ولقد غزا الفانوس الصيني الأسواق المصرية في السنوات العشر الماضية، وأظهر تنافساً كبيراً مع الفانوس المصري، حيث طوّعت أشكال تصميماتها في الآونة الأخيرة لمحاولة ملائمة السوق المصري والعربي والاسلامي، ولكنها تخلو من الرموز الإسلامية، وغالباً لا تعمّر إلا سنة واحدة، على عكس الفانوس المصري, ولقد أعتمد الفانوس الصيني على أشكال حديثه لألعاب الأطفال أو شخصيات كرتونية، معظمها من البلاستيك، جذابة التصميم والألوان، مما جعل للفانوس الصيني قدرة على التنافس القوى داخل الأسواق، كفانوس لعبة، هو انخفاض سعر الفانوس حيث يتراوح سعره بين 2 إلى 45 جنيه مصري، وهو بالتالي يقع في متناول جميع الطبقات، بالإضافة إلى التكنولوجية المتقدمة، حيث يمكن للفانوس أن يتحرّك ويرقص ويغني ويضيء. في بادئ الأمر زاد الإقبال على الفانوس الصيني إلا انه ما لبث أن انخفض الإقبال عليه في الآونة الأخيرة، وبالإضافة إلى أن السائح العربي يفضّل الفانوس التقليدي، "أبو بشمعة"، ويفضّل الصناعة اليدوية، وتُقبل عليه المَحال التجارية والكافيتريات والفنادق والخيم الرمضانية، حيث الفانوس النابع من الثقافة العربية المصرية الإسلامية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الفانوس اللعبة الصيني فقد جاذبيته، وفقاً للمصريين، حيث اصبح مجرد لعبة يلهو بها الأطفال طوال العام، أما الفانوس المصري فينبع من قلب المجتمع وتراثه ونبض ثقافته.
في تقريرها عن الفوانيس المصرية والصينية، تقول شبكة ((سي. إن. إن.)) الامريكية، ان آخرين يرون انه عادة ما يشهد سوق الفوانيس في رمضان نمواً كبيراً بإتجاه الفوانيس الصينية، بخاصة في مصر. فالمصريون يُقبلون بكثرة على شرائها لتزيين منازلهم ومحالهم وشارعهم خلال شهر الصيام. وتنقل الفضائية الامريكية عن عبد الرحمن وحيد، وهو بائع فوانيس صينية بمصر قوله، إن فوانيسه أكثر رواجاً في هذا العام 2014، وخاصة "سبونج بوب والسنافر." غير أن الواردات الصينية ليست بجديدة على السوق المصرية، فالصين هي ثالث أكبر مصدّر لمصر، كما أن منتجاتها تحظى برواج كبير، خصوصاً في أوساط الشباب.
ونقلت "سي. إن. إن." عن أحد رواد المحال المصرية قوله، إن ابنه البالغ من العمر سبع سنوات لا يهتم بالفوانيس أبداً بقدر اهتمامه بالدمى الصينية الراقصة، وذلك نظراً لِما يشاهده على التلفزيون. ويتخوف العاملون في هذا المجال من أن تقضي المنتجات الصينية على هذه الصناعة، ولكن ابراهيم أحمد، صاحب محل لصناعة الفوانيس في القاهرة، يُخالف ذلك تماماً، إذ يقول: "لا أبداً، نحن نعمل بأيدينا، وهم يستعملون الآلات.. نحن سننجح لأن الأمر له علاقة بالفن."
وتنتشر على الانترنت، مواقع عديدة تشرح للراغبين كيفية استيراد الفوانيس الصينية، وهي تقول: الفكرة عبارة عن استيراد فوانيس رمضان من الصين بأسعار قليلة، وإعادة بيعها محلياً لتجار التجزئة أو للمستهلكين النهائيين بأسعار أعلى من اسعار الشراء، وبالتالي يُحقق المستورد ارباحاً ممتازة، ولكن قبل الاستيراد أو قبل عمل أي مشروع لابد من التخطيط له، ويمكن ذلك عن طريق عمل دراسة للسوق لمعرفة المستوردين والبائعين وحجم الطلب والاسعار وذلك لتحديد الكمية المناسبة". وتضيف "كما يمكن تصفّح ادلة الاستيراد من الصين عبر البحث في مواقع الانترنت، والتواصل مع المستوردين لمعرفة افضل المصانع هناك، كما يمكن للراغبين الدخول على مواقع المصانع المختلفة لمشاهدة منتجاتها، وبعد الحصول على أكثر من مصنع يمكنك التواصل معهم لمعرفة الخامات المستخدمة في الصنع والاسعار، وكذلك أقل كمية يمكن تورديها، وكيفية استلام الاموال ومواعيد تسليم الشحنات، وغيرها من التفاصيل الهامة، وبناء على ما تحصل عليه من اجابات يمكن ان تختار المصنع المتعامل معة".
من ناحيتها، أفادت وكالة انباء الصين الجديدة، بأن تعليق فوانيس رمضان يُعد من التقاليد الفريدة في مصر، وبأن الاقبال على الفوانيس الصينية تزداد في أسواق مصر، ففي أحد الاسواق بمنطقة المعادي بجنوب مدينة القاهرة، يبيع صاحب متجر أجهزة إنارة الى الزبائن، ففي متجره يوجد قرابة مئة فانوس متعددة الاشكال، وهي من صنع الصين، ومعظمها على شكل كارتوني.. اشكالها الخارجية مُحبّبة، وجُّهز بعضها بأبواق بإمكانها بث الاغاني العربية الشائعة، كما يشمل بعضها الآخر على محركات صغيرة تمكّنها تحريك شخصيات كارتونية على أنغام الموسيقا، وهي تُعجب الناس كثيراً، بخاصة الشخصية الكارتونية المصرية الشهيرة "كولومبو" التي يحبها الاطفال "حبّاً جماً".
ويقول مصطفى وهو بائع فوانيس، أنه وفقاً لحالة مبيعات الفوانيس، تلقى فوانيس رمضان المصنوعة في الصين ترحيباً كبيراً نسبياً من جانب الاهالي المحليين لأنها متنوعة الاشكال، وزاهية الالوان، ومنخفضة الاسعار، وخاصة ان اسعارها أرخص من الفوانيس التقليدية بشكل عام، وهي تتناسب كثيراً مع متطلبات العائلات والاطفال، ولكن، يختار الناس الفوانيس التقليدية أكثر لتزيين الشوارع، والفنادق، والمحال التجارية، والمطاعم.
وتنقل صحيفة الشعب الصينية عن وكالة الانباء الصينية، أنه في رمضان من كل عام يمكننا رؤية فوانيس رمضانية من صنع الصين في كل مكان بمصر، وفي الاردن أيضاً، ويجب القول أن رجال الأعمال المحليين في أجهزة الإنارة ليسوا قلقين من أن الفوانيس التي تحمل عبارة "صنع في الصين" قد تصطدم بالتكنولوجيا التقليدية المحلية في العالمين العربي والاسلامي، لأن طبقات وفئات كثيرة من المسلمين قادرة على شرائها، لكنها غير قادرة على شراء غيرها، وهو ما تؤكده إتساع مبيعات الفوانيس الصينية في أسواق مصر والاردن وغيرها من الأسواق العربية والاسلامية.
mohammad.twaimi@gmail.com
* كاتب أُردني، ومسؤول المطبوعات في المنتديات الاردنية لأصدقاء وقراء مجلة الصين اليوم واذاعة الصين وفضائيتها.
© China Radio International.CRI. All Rights Reserved. 16A Shijingshan Road, Beijing, China. 100040 |