CRI Online

حُلم الإقتصاد الصيني و.. الذباب الرأسمالي

cri       (GMT+08:00) 2013-10-30 15:41:29
يلينا نيدوغينا

يلينا نيدوغينا – بكين- يتعذر على الأجنبي فهم الصين والاقتصاد الصيني على نحو كامل وشامل كما يَفهمها أهلها الصينيون. فالتطور الهائل الذي أحرزته الصين في فترة زمنية قصيرة جداً لا تتعدة ثلاثة عقود، يدعو للحيرة والاشتباك السياسي والفكري بين مختلف المدارس والتيارات والأحزاب والعلماء والرؤساء الغربيين حتى. لكن، مِن جهة أخرى، مِن السهل بمكان فهم الصين وإدراك طبيعة إقتصادها، موضوعياً، من خلال واقعه وتصريحات قياداتها التاريخيين، وآرائهم، التي أوصلت الدولة الى أرفع مستوى في العالم.

في المحاضرة الغنية التي ألقاها خبير صيني من مجلس التنمية والاصلاح، يتضح أن الصين لا تخشى شيئاً في أي شيء. فهي تدرك الأخطار التي تواجهها كافة، وتعمل على إدخال المستثمرين والأموال الى أراضيها بلا خوف، فتَحبسها فيها الى الأبد، وكما أوصى مؤسس حركة الإصلاح والإنفتاح الصيني، دنغ شياو بينغ، أن على الصينيين فتح نوافذ بيوتهم وتهويتها مع فجر كل يوم، وبأن عليهم ألا يَخشوا دخول الذباب إليها، لأنه يمكن القضاء على هذه الحشرات الضارة بسهولة داخل هذه الغرف، لا طردها منها..!

الاقتصاد الصيني اليوم هو خليط من رأسمالية تتطور بأشواق إشتراكية، والتزام بالعودة الى مُثل الاشتراكية الواقعية والديمقراطية والشعبية الواسعة ومصالح القرية والمدينة والقوميات بصورة متناغمة، لا بل ومنع العداء للإشتراكية المانعة لتغوّل الرأسمالية التي تبقى مؤشراً على النهج الصيني وألوانه الوطنية، التي لا تُلغي الآخر الفكري التاريخي، بل تعمل للاستفادة منه، لكنها ترى بأنه ليس نصاً مقدساً، ولا آلهاً يُعبد، ولا محنطاَ للأبد، وبأن نصوصه تتغير تبعاً للواقع ومصالح الامة والدولة، وموقعهما العالمي وطموحاتهما وتطلعاتهما، وإمكاناتهما الواقعية، في نظام يعتقد الصينيون بأنه لا يزال نامٍ، ولم يصل بَعد الى مستوى الدولة المتقدّمة، برغم أمكاناته العظيمة التي لم تشهدها البشرية من قِبل.

النظام الإقتصادي الصيني الحالي هو خليط من رأسمالية وإشتراكية متناغمتين وغير متناغمتين في آنٍ. ففيه يتجاور المِثال الأول والمِثال الثاني ويتمتعان بحرية شبه مخططة وشبه مُقننة وشبه مُقوننة، وكأنها نسخة عن "السياسة الإقتصادية السوفييتية الجديدة.. "النيب"، التي طبّقها لينين بعد أكتوبر 1917، وهدف فيها لبعث المُلكِيةِ الإنتاجية الشخصية والفردية لوسائل الانتاج "أساساً الصغير والمتوسط وليس الكبير الذي لم يكن متوافراً لدى سواد السكان الروس الفقراء والمعدمين"، إذ كان لينين قد فتح الأبواب لإستقدام رؤوس الأموال من الخارج رغبة بإنقاذ الداخل والنظام الجديد، ولو بأموال الطواغيث الرأسماليين، الذين كانوا في الواقع أعداءً للدولة الروسية السوفييتية أنذاك، لكن في إطار اللاصراع المحلي واللا نزاع، ولا السماح لهم بدور وأو ممارسة الإملاء السياسي على الدولة القائمة على أُسس إشتراكية إصلاحية وحزبها، ولا بالإذن بمافيات وجماعات ضغط سياسية أو إقتصادية تنال من النظام الجديد، بل حرية في الإنتاج وفقاً لمصالح وحاجات المجتمع ومتطلباته، وآفاق التصدير الى العالم. ويمكن القول أن التجربة الصينية فريدة وجديدة بكل مفاصلها وطبيعتها وتفعيلاتها الواسعة على أرض الصين وهي عموماً لم تكن متوقعة ولا بحسبان الغرب لكونها عملية، ولأنها مُشابِهة للتجرية السوفييتية اللينينية الأولى، التي لا يَعود معظم المتناقشين في الاقتصاد الصيني إليها، ليُدركوا ألوانها الصينية، فهي على الأغلب "نسخة دنغشياوبينغية" مُعدّلة وأكثر إقداماً وتقدمية وشجاعة، والأكثر رغبة بتحويل الصين الى دولة هي الجبارة الأولى، وحبس غالبية رأس المال العالمي فيها، ومنعه من الخروج من الباب والنافذة الصينيتين أيضاً، وإلا سيصبح مصيره مصير الذباب النافق في غرفة النوم الصينية..!..

*كاتبة وعضو في قيادة الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتّاب أصدقاء الصين.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي