CRI Online

الصين وخمسٌ حاسمات

cri       (GMT+08:00) 2013-11-15 09:34:48

يلينا نيدوغينا*

في الصين عِبر التاريخ، كان الحسم الرئيس خمس مراتٍ. الأولى كانت عندما أقام الصينيون بقواهم الذاتية الجبارة سور الصين العظيم، فأحاطوا بلادهم بالحماية والرعاية وثبّتوا منطلقات النمو والارتقاء، فكان تلاحق الاكتشافات والاختراعات التي عمّت الكون انذاك. والثانية، بعد تعبيدهم طريق الحرير العالمي، حيث ارسوا علاقات وصِلات كثيرة عمّت قارات العالم القديم، وربطهم به زمناً طويلاً، لا تزال الصين تقطف ثماره للآن. والثالثة في العام 1949، بتأسيسهم جمهورية الصين الشعبية التي غدت حِصن الصينيين الأمين وقاعدتهم لعودة على بدء في التاريخ للصين العظيمة بكل مكوناتها وأساسياتها وعناصرها. والرابعة بعد إقرارهم "عملية الاصلاح والانفتاح" التاريخية بقيادة المُنظّر الشجاع والمِقدام دنغ شياو بنغ، في العام 1978، أي قبل 35 سنة؛ والحسم الخامس والأخير هو الاجتماع الكامل للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، الذي يُعقد حالياً، وينتهي اليوم، الثلاثاء، بعد أيام أربعة متتالية من البحث والمناقشات العقلية المُستفيضة بين العلماء الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين وأعضاء الحزب الباني وفي أوساط الشعب العامل، والأخذ بما تم الوصول إليه منذ إعوام قضاها هؤلاء في البحث الشامل والجاد، وبخاصة في السنة الأخيرة مِن عِمر رئاسة القائد الجديد، وربّان السفينة الصينية الحالي، الأمين العام المُنتخب شي جينبينغ، الذي سيُخلِّدُ التاريخ إسمه كراعٍ لانطلاقة ثالثة مَجيدة للصين في رياح العالم أجمع.

ولعلَ صين اليوم هي أكثر صلابة وسيادة وبالتالي قدرة على التفكير العميق، من صين الأمس القريب والأمس الغابر البعيد. فالصينيون الذين انتقلوا بسرعة فلكية الى مجتمع متقدّم يتمتعون فيه اليوم بوفرة سلعية وثقافية وغنىً روحي، قد لا تتوافر لدى معظم الدول والشعوب، وتخيّم عليهم أجواء الاستقرار والآمان الشاسع، وهي عناصر أساسية تَجعلهم أكثر قدرة على التفكير الموضوعي والواقعي والمتزن، وأكثر ذكاء وحِكمة في مناقشة المسائل الأساسية للتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ومُحَاكمةٍ هادئةٍ للخطوط الرئيسية الهادفة الى رفع مستوى معيشة الشعب وقدرات البلاد ومكانتها وتأثيرها الدولي، وتذليل العقبات الخارجية والداخلية الماثِلة بوجه المرحلة الجديدة.

في الصين، ومنذ أكثر من عشريات ثلاث، اختطت الدولة الشعبية طريق التوظيفات المالية الواسعة والمشاريع الصناعية والخدمة الضخمة، والتطور الهادئ عموماً، دون ضجة وبلا استعلائية، وفي خضم قراءات متأنية للواقع والأنظمة السياسية والاجتماعية التي وَجدت في الواقع الصيني الجديد تربة خصبة للانطلاق وأسواق صينية ذات قدرات استيعابية وشرائية مذهلة، جعلت من الصين عالماً بذاته، ونجماً مشمساً ومختلفاً جذرياً عن بقية النجوم والكواكب والأقمار، بخواصّهِ وتركيبته وألوانه التي اجتمعت فيها كل تناقضات العالم وفلسفاته، لكنها لا تتمكن من الصراع في إطارها، ولا التغوّل على بعضها بعضاً، لكونها منضبطة تحت علمٍ واحدٍ، وحزبٍ قائدٍ، يَمسك بمسيرة التنمية وبيد الفاعل والحقل المفعول به، لضمان الأمن التطوري في مسيرة شاقة بكل تفاصيلها وآلياتها، حتى يَحق لنا ان نعتبرها جديدة في شكل وجوهر التنمية البشرية، وفي إطار حُكم الرشادة وعقلنة الحاكمية والمبدأ الباحث عن قيمٍ وواقعٍ أكثر عدالةً.

الأمين "شي" يُسلّط ولا يكل يُسلّط الضوء "إجراءات الإصلاح الجديدة"، ويتوقع ان تتبناها الدولة الصينية وحزبها، خلال الاجتماع الكامل، وما دعوة الأمين "شي" الى "التمتع بمزيد من الحكمة والشجاعة لتعميق الإصلاح في البلاد ودعماً لسياسة وعملية الإصلاح والانفتاح التاريخية"، إلا إشارة مباشرةً وهامةً للغاية تكشف عن طبيعة التوجه الجديد للبلاد، وتبنِّي نهج الاصلاحات التي نتوقع ان تكون أكثر شمولاً وعمقاً وانتاجاً لآليات مبتكرة وعاملة على تدشن مرحلة نوعية في حياة الدولة وطرائق النمو والتقدم، ضمن اقتصاد السوق الاشتراكي والاصلاحات السوقية، ومسيرة الاصلاح والانفتاح بعامة، وليس أخيراً التمسّك الحازم والصارم بسياسة الدولة ومنطلقاتها.

* كاتبة وعضو قيادة الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي