اختيار الدولة المنظمة لمونديال2010 الذي سيقام في إفريقيا لأول مرة في تاريخ المسابقة ليس حدثا رياضيا عاديا, وربما تتضاءل بجانبه أحداث محلية أخري بما فيها مباراة القمة التقليدية بين الزمالك والأهلي. كما أن تنظيم المونديال هدف قومي, وارادة شعبية ويستحق بمكاسبه المباشرة وغير المباشرة بذل كل جهد, وقد قدرت جنوب إفريقيا أرباحها في حالة فوزها بالتنظيم بأكثر من32 مليار جنيه مصري بالاضافة الي توفير159 ألف فرصة عمل.
وعلي الرغم من أن فرصة مصر تبدو أقل من جنوب إفريقيا ومن المغرب نظريا لأنهما تسبقان مصر من واقع تجارب سابقة لهما في هذا المجال, وعلي الرغم من أن التصويت في الفيفا ليس مناسبة احتفالية مصرية متوقعة, فنحن امام حدث صحفي مهم يستحق الاهتمام.. بغض النظر عن النتائج المتوقعة للتصويت, او النتائج المحتملة, وبغض النظر أيضا عن اوجه قصور غير مقصودة في ادارة عملية الترويج لملف مصر.
وبغض النظر مرة ثالثة عن نبرة التشاؤم السارية في الشارع المصري, وهي من المصادفات الغريبة نبرة تساوي في حجمها نفس القدر من الحلم الموجود داخل ملايين المصريين بالفوز بشرف تنظيم المونديال!
الطفل المفاجأة!
وقبل ان نتطرق للتوقعات والتكهنات والاحتمالات نشير إلي ان الشخصية الخامسة التي لم يعلن عنها حتي كتابة هذه السطور, وستكون ضمن الوفد المصري وكثرت حولها الشائعات والتخمينات قد تكون طفلا مصريا يجيد التحدث بأربع لغات بطلاقة وهي الفرنسية والانجليزية والاسبانية والايطالية, وانه سافر إلي زيوريخ, وربما يكون أحد المتحدثين من الوفد المصري أمام اللجنة التنفيذية للفيفا, وهو لاعب كرة قدم ناشئ, وقد حظي الاهتمام بالناشئين في مصر علي تقدير لجنة التفتيش, والرسالة التي يتوقع أن يبلغها الطفل المصري لاعضاء الفيفا هي: المستقبل.. باعتباره ممثلا للجيل الذي سيلعب في مونديال2010 في حالة اسناد البطولة لمصر!
لكن مرة اخري وقبل48 ساعة من تصويت الفيفا, ومع الوفود المختلفة التي تضم أمراء ورؤساء ووزراء ما هي فرصة مصر في الفوز بشرف تنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي؟
وفقا لتقرير لجنة التفتيش الذي نشره الفيفا رسميا لأول مرة في تاريخه حصل الملف المصري علي المركز الثاني بعد جنوب إفريقيا, بينما حصل المغرب علي الرغم من ثلاث تجارب سابقة في التقدم لتنظيم مونديال اعوام1994 و1998 و2006 علي المركز الثالث.. لكن التقرير غير ملزم للجنة التنفيذية الفيفا التي تضم24 عضوا, كما جاء في تصريحات مصادر الاتحاد الدولي نفسه عقب اعلانه علي موقعه عن نص التقرير يوم4 مايو الماضي, وهو تناقض غريب مع تصريحات سابقة لبلاتر قال فيها بالنص اعلان اسم الدولة الفائزة سيستند علي تقارير لجان التفتيش, والتي تكتب بمنتهي الموضوعية وسيكون قرارا ديمقراطيا!
وهو أيضا يعتبر تناقضا غريبا مع المنطق أن يكون التقرير غير ملزم لأعضاء اللجنة التنفيذية. فاذا كان الفيفا وضع كراسة مواصفات وشروط لتنظيم كأس العالم فكيف لايكون القرار للدولة التي تملك أفضل المواصفات؟!
معايير الفيفا!
وهذا التساؤل يقودنا الي المعايير التي يبدو أنها باتت تؤثر في قرار الفيفا عند إسناد المونديال عامة الي دولة ما وعند اسناد هذا المونديال تحديدا الي دولة ما, وهي:
1 ـ الاتصالات ووسائل الاقناع المختلفة لأعضاء اللجنة التنفيذية بالمقابلات الشخصية, ولعل ذلك ما ظهر في تحليلات النقاد والخبراء والمصادر القريبة من الفيفا حيث وزعت الأصوات في الجولة الأولي علي النحو التالي: جنوب إفريقيا برصيد9 الي10 أصوات ثم المغرب برصيد9 الي10 أصوات بينما منح النقاد والخبراء مصر4 الي5 أصوات في هذه الجولة مع بقاء صوت او اثنين لتونس وليبيا, وأثر علي اصوات مصر هو أن التحرك المصري كان بطيئا والوقت كان امام لجنة الملف ضيقا بالاضافة الي نقص الخبرة!
2 ـ مصالح الشركات الكبري التي ترعي أنشطة الفيفا وكذلك مصلحة محطات التليفزيون العالمية التي تشتري حقوق البث المباشر, فلم تعد بطولة كأس العالم لكرة القدم مجرد احتفالية باللعبة بقدر ما هي مسألة اقتصادية, فكم تربح الشركات والمحطات عند اسناد البطولة لدولة بعينها؟!
3 ـ بجانب الأهداف الاقتصادية هناك الأسباب السياسية والاجتماعية, حيث تتدخل دول ورؤساء حكومات لتوجيه الفيفا الي اسناد كأس العالم لدولة ما, علي سبيل المكافأة علي موقف ما كما يدور الحديث الأن عن جنوب إفريقيا التي أنهت سياسة التمييز العنصري منذ عشر سنوات!
4 ـ مصلحة كرة القدم.. فكأس العالم مسابقة تهدف الي اظهار أوجه الجمال في اللعبة والعمل علي زيادة شعبيتها واستمرارها في المقدمة بجوار اللعبات الأخري, فكلما زاد عدد الممارسين والمشاهدين زادت أرباح الفيفا وانتعشت كرة القدم أكثر, وكان ذلك من أسباب منح الولايات المتحدة بطولة1994 وهي لا تمارس كرة القدم, ومن أسباب منح كوريا واليابان بطولة2002!
5 ـ عقدة الذنب تجاه جنوب إفريقيا التي حرمت من تنظيم مونديال2006 بامتناع مندوب الأوقيانوس تشارلز ديمبسي لتفوز المانيا بفارق صوت واحد, ولم يكن هناك سبب واحد يدعو مندوب الأوقيانوس الي الامتناع عن التصويت سوي الضغط عليه كل تذهب البطولة الي المانيا وهذا الضغط كان من بلاتر شخصيا لأن صوته كان سيرجح جنوب إفريقيا التي وعدها بالمونديال, وفي الوقت نفسه كان قد وعد ألمانيا!
6 ـ المغرب أيضا ظلم عام1994 عندما منح الفيفا كأس العالم لامريكا, ثم أنه تقدم لتنظيم البطولة ثلاث مرات من قبل وخسر السباق.. فهل يخسر مرة رابعة؟!
حلول من المفتشين!
لكن بالمعايير الموضوعية, اذا كانت موجودة فعلا, تستحق مصر أن تفوز بشرف تنظيم مونديال2010.
لكن هناك شواهد ومؤشرات تشير الي عدم موضوعية التصويت وحتي عدم موضوعية تقرير لجنة التفتيش الذي لم يحسم مشكلة او سلبية بشكل قاطع وكان يجد حلا لأصعب سلبيات حتي بالنسبة لملف مصر, فعند ازدحام الشوارع وجد أعضاء اللجنة أن القاهرة مثلا مدينة تعاني الزحام المروري شأن كل المدن الكبري في العالم. وفي صياغة اللجنة بشأن الأمن في جنوب إفريقيا جاء في التقرير ما يلي: المعلومات العامة اشارت الي نقص الأمن في جنوب إفريقيا, لكن اللجنة لم تعان من مثل هذه الادعاءات خلال الزيارة علي الرغم من اننا قرأنا في بعض التقارير الصحفية عن أحداث عنف في مواقع نائية. وبالرغم من هذه الحقيقة يمكننا القول أن شعب جنوب إفريقيا صديق ومحتفي ومحتفل بنا. وأسرة كرة القدم لن تواجه مشاكل أمنية في حالة الالتزام بالحدود والقيود!
أما بالنسبة للصحة فقد قالت اللجنة كلاما جميلا عن مستوي المستشفيات في جنوب إفريقيا, لكنها عند مشكلة اصابة20% من عدد السكان يعني8,8 مليون مواطن بمرض الايذر وجدت الحل أيضا, فكما جاء في نص التقرير: المشكلة تدعو للقلق حقا, ولذلك هناك حملة شديدة في الطريق لمواجهة هذا المرض!
والأمر برمته يدعو للشك, فلأول مرة في تاريخ الفيفا أعلن عن نتيجة تقرر لجنة التفتيش قبل التصويت بعشرة أيام. وقبل الاعلان عن نتيجة التقرير بساعات, سربت بصورة ما النتيجة الي صحف في جنوب إفريقيا تحديدا..
أصول وقواعد اللعبة!
وسيبقي القرار النهائي غامضا, فما حدث في دورة التصويت السابقة يشهد علي أصول وقواعد اللعبة.. فماذا حدث؟!
أولا: في الجولة الأولي حصلت ألمانيا علي10 أصوات, وجنوب إفريقيا علي6 أصوات, وانجلترا علي5 أصوات, والمغرب علي3 أصوات.
ثانيا: في الجولة الثانية حصلت ألمانيا علي11 صوتا, وجنوب إفريقيا علي10 أصوات, وانجلترا علي3 أصوات وخرجت الأخيرة من السباق
ثالثا: في الجولة الأخيرة حصلت ألمانيا علي12 صوتا, وجنوب إفريقيا علي11 صوتا, وأمتنع تشارلز ديمسي ممثل منطقة الأوقيانوس عن التصويت.
وعملية التصويت كان فيها خطط وحسابات, فقد منحت أفريقيا صوتين للمغرب وصوتين لجنوب إفريقيا في الجولة الأولي, بينما منحت منطقة الكونكاكاف صوتين لانجلترا في هذه الجولة, وكان ذلك بطريقة الانتخابات ووفقا للعبتها رميا للأصوات مؤقتا, لاخراج جياد من المنافسة!
عند اعادة التصويت بعد خروج المغرب تحولت أصوات إفريقيا الأربعة الي جنوب إفريقيا. فأصبح رصيدها8 وحصلت علي صوتي منطقة الكونكاكاف فزاد رصيدها الي10 اصوات بينما خسرت انجلترا صوتين, وأصبح رصيدها3 اصوات, وخرجت من السباق, بينما حصلت المانيا علي صوت ليرتفع رصيدها الي11 صوتا مقابل10 اصوات لجنوب إفريقيا. وفي الجولة الأخيرة حصلت المانيا علي صوت من أسيا, وارتفع رصيدها الي12 صوتا, ثم حصلت جنوب إفريقيا علي صوت من انجلترا ليرتفع رصيدها الي11 صوتا فيما امتنع ديمسي ممثل الأوقيانوس عن التصويت لتفوز المانيا بالسباق.
وانتهي بأنه كان ضروريا أن تخوض مصر السباق, وأن الانسحاب منه كما طالب المتشائمون والذين لايجيدون سوي الولولة يعني أن يحاسب الجيل المقبل هذا الجيل علي عدم خوض المنافسة, فمصر ليست دولة صغيرة.. والتصويت لمصلحة جنوب إفريقيا او المغرب لايقلل من مكانة مصر علي الاطلاق, والا اعتبرنا بريطانيا العظمي التي خسرت امام جنوب إفريقيا والمانيا في سابق مونديال2006, دولة صغيرة!
الاهرام-مصر
13-5-2004