هانغتشو مدينة جميلة المناظر غنية بالثروات. وقد كانت عاصمة الصين في عهد أسرة سونغ الجنوبية، كما كانت ميناء تجاريا دوليا هاما في التاريخ. أما المسجد الواقع في شارع الزعيم الصيني الراحل صون يات صن بالمدينة فقد سمى ب" مسجد العنقاء " لأن بناءه يشبه العنقاء الناشرة جناحيها. قيل ان بوابة المسجد وبرج مشاهدة الهلال القائم عليها، يشبه رأس العنقاء، وان الممر المؤدى من البوابة إلى الداخل يشبه عنقها، وان صفي الأشجار الهرمة المتسامقة على يمين المسجد ويساره يبدوان وكأنهما جناحان لها، وان المباني المتوزعة في قلب المسجد تشبه بدنها، وان دغلة من البامبو خلف قاعة الصلاة تشبه ذيلها. أما البئران أمام قاعة الصلاة فتشبهان عيني العنقاء.

تمتد مباني المسجد الرئيسية: البوابة وقاعة الصلاة وقاعة الدعوة على خطه المحوري الوهمى من الشرق إلى الغرب. أما قاعة الصلاة فمسقطها الأفقى غير منتظم ويبلغ عرضها ثلاث فسح، ومبنية من الطوب وخالية من العوارض ومطلية جدرانها بالكلس الأبيض ومزخرفة بالنقوش الجميلة. وتتكون واجهات القاعة من بنايات ثلاثية الفسح، ولكل فسحة باب. وترى على كلا الجمالونين اثنين من الأبواب ذات الخطوط القوسية الانسيابية، مع العلم أن هذا النوع من البوابات يبدو على شكل باغودة ليوخه إذا نظرت إليه من بعد. أما الجدران الخلفية للقاعة، فليس لها أبواب، ولكنك ترى في الأجزاء العليا من الجدران ما بين كل فسحتين اثنتين من النوافذ المعقودة الشكل. كما ترى افاريز بارزة على أعالى الجدران، وصفوفا منتظمة من القرميد على سطح القاعة الذي تنتصب عليه ثلاث عليات مخروطية الشكل. ومن الواضح ان ظهور هذه المباني المخروطية الشكل على السقف متأثر بأسلوب العمارة الإسلامي دون شك.

وكانت بوابة المسجد مكسوة بالنقوش الطوبية الجميلة. وعلى كلا جانبيها سلم خشبي يمكن الصعود عليه إلى برج مشاهدة الهلال القائم على البوابة والبالغ ارتفاعه عشرات الأمتار. وكان هذا البرج في غاية من الروعة. ومن المؤسف أنه فكك سنة 1929 عنوة بأمر من سلطة حزب الكومينتانغ، وذلك بحجة أنه كان" يؤثر في المواصلات" على حد زعمهم، الأمر الذي شوه ملامح المسجد الكاملة. وفي الأيام الأولى بعد تأسيس الصين الجديدة خرب المسجد إلى حد كبير لحرمانه من الترميم مدة طويلة. فقد لجأ المسلمون هناك سنة 1953 إلى ترميمه على نطاق واسع، فتجددت ملامحه كل الجدة. ودخل هذا المسجد العريق في قائمة أهم الآثار المحمية على نطاق البلاد.

تقع مدينة يانغتشو على ملتقى نهر اليانغتسي والقناة الكبرى. ومنذ عهد أسرتي سونغ وتانغ الملكيتين أصبحت محورا للنقل المائي في الصين، كما أصبحت مركزا للتبادلات الاقتصادية والثقافية بينها وبين بقية اجزاء العالم. وخلال ذلك توارد الكثير من العرب إلى هذه المدينة برا وبحرا لممارسة التبادلات الاقتصادية والثقافية هناك. وجاء في كتاب <تاريخ تانغ الجديد> " شهدت يانغتشو حادثة راح ضحيتها عشرات الآلاف من التجار العرب والفرس". ويدل ذلك على أن هذه المدينة من أوائل المدن الصينية التي دخل إليها الإسلام، شأنها شأن قوانغتشو وتشيوانتشو وهانغتشو تماما. أما مسجد شيانخه الباقي من الزمن الغابر في المدينة، فيذكر مع مسجد هوايشنغ بمدينة قوانغتشو ومسجد تشينغجينغ بمدينة تشيواتشو ومسجد تشنجياو بمدينة هانغتشو في آن واحد. وقد جرت العادة على تسمية هذه المساجد" مساجد الصين الأربعة القديمة".

^{مسجد شيانخه في مدينة يانغتشو}

قيل ان مسجد شيانخه قد شيد على يد بهاء الدين العربي في الفترة ما بين سنة 1265 و1274. وبعد أن فرغ من بناء المسجد توجه إلى شاندونغ وغيرها من المناطق للزيارة. وفي طريق عودته من مدينة جينينغ إلى يانغتشو في سنة 1275 توفى في قمرة داخل السفينة التي كان يركبها. فدفنه يوان قوانغ أن المسلم، وإلى المدينة آنذاك، فوق مرتفعات على ضفة نهر قوانخه الشرقية في المدينة حسب وصيته. وما زال قبره قائما هناك. وقد أصبحت البقعة المحيطة بقبره مقبرة عامة للمسلمين فيما بعد.. وفي الجنوب الغربي من المقبرة مسجد، يسمى مع موقعه" موئل المسلمين"، حيث تنتصب أربع شواهد لتخليد ذكرى المسلمين المتوفين في عهد أسرة يوان. وعليها نقوش من الكتابات الصينية والعربية والفارسية.

وقد سمى مسجد شيانخه للشبه بين مبانيه وطائر الكركى. وبعد أن أعيد بناؤه على يد شخص يدعى حسن سنة 1390، قام بترميمه التاجر المسلم ما تسونغ داو والإمام الحامى سنة 1523. وقد بنيت قاعة الصلاة فيه من الإطارات المعمارية الكبيرة. وتبدو دعاماتها منحنية قليلا بسبب عراقة تاريخها. ولو ذهبتَ إلى الجنوب من القاعة لوجدتَ نفسَكَ أمامَ برج مشاهدة الهلال الذي تم بناؤه في عهد أسرة مينغ الملكية. وبالإضافة إلى مسجد شيانخه هناك ستة مساجد أخرى، ولكنها أقل شأنا من مسجد شيانخه بكثير من حيث عراقتها وضخامتها. ولذلك فان هذا المسجد اتخذ في فترة من الفترات مصلى لجميع المسلمين هناك في العيدين المباركين. ومما يدعو إلى الأسف ان المعلومات الخاصة بالمسجد قليلة جدا. ومع ذلك فان مسجد شيانخه يحتل مكانة لا يستهان بها في التاريخ الإسلامي الصيني.