مع التطور الاقتصادي والاجتماعي المستمر في الصين تحسنت معيشة الشعب الصيني تحسنا ملحوظا. وبعد أن حلت مسألة الغذاء والكساء في الصين من حيث الاساس بدأ المزيد من الصينيين يهتمون مسألة سلامتهم وصحتهم في حياتهم اليومية،وعلى ظل هذه الظاهرة الجديدة بدأ التأمين الذي يمكن أن يوفر ضمانا للسلامة والصحة والممتلكات الخاصة يدخل بالتدريج الى حياة الصينيين .
تخرجت السيدة تشاو جين مينغ في جامعة العاصمة الاقتصادية والتجارية الخارجية العام الماضي، وتعمل الان في شركة ثقافية ببكين. وما إن جمعت بعض الاموال من رواتبها حتى بادرت الى التأمين على صحتها. وعندما سئلت عن سبب التأمين بهذه السرعة وفي هذا الوقت المبكر من شبابها، قالت السيدة تشاو إنها مرت بتجربة جعلتها تعقد العزم على هذا التأمين في شبابها باعتباره مظلة تحمي صحتها وحياتها في الوقت الحاضر وفي المستقبل. وقالت السيدة تشاو:
" أصيب والد زميلي بمرض خطير مفاجئ، ومن حسن الحظ انه مؤمن على صحته، ولو لا ذلك لتوجب عليه دفع مبلغ كبير من نفقات العلاج في المستشفى، فتعلمت من تجربته هذه كثيرا، وبادرت بسرعة الى هذا التأمين لنفسي .
وحول المبلغ الذي تدفعه كقسط للتأمين على حياتها قالت السيدة تشاو إنها ترغب كثيرا في دفع عشر رواتبها السنوية كقسط التأمين، ذلك ليجعلها مطمئنة في الحياة .
السيد لي تسيانغ الذي يمارس أعمالا حرة بخلاف السيدة تشاو. ولم يؤمن على حياته فحسب بل أمّن على سيارته الخاصة الجديدة. وحول ذلك، قال السيد لي تسيانغ:
"أصبحت الطرق الان مزدحمة بالسيارات والناس، وكثيرا ما تحدث إصطدامات بين السيارات وخاصة بعد إزدياد عدد السواق الجدد. واذا تعرضت سيارتي لحادث يمكن أن تدفع شركة التأمين جزءا من الاموال كتعويض يمكنني من اصلاح سيارتي وتخفيف خسائري .... "
لم تكن قنوات الاستثمار لدى الصينيين في الماضي كثيرة.حيث يدخر معظم الناس أموالهم في البنوك. أما الان فيهتمون بكيفية الحفاظ والارتقاء بقيمة أموالهم، لذلك أصبح التامين اليوم أحد أهم الاساليب الذي يختارها الصينيون لادارة أموالهم الخاصة .
السيد شن تشي تشون يعمل في قطاع المعلومات منذ خمس سنوات، ويمتلك الان مبلغا جيدا من الاموال الخاصة، ويهتم اهتماما كبيرا بكيفية إدارة هذه الاموال. وبعد أن إستمع الى نصيحة صديق له إشترى حصة في شركة تأمين تمنحه فوائد. وبهذا الاسلوب يمكنه أن يحصل على مبلغ من الدخل الثابت من شركة التأمين كل سنة سواء أ حققت الشركة أرباحا أم خسرت...
"قال السيد شن:" أرى أن لشراء نوع من التأمينات الاستثمارية فائدتين إحداهما توفير ضمان لنفسي، واذا حدثت أمر طارئ خلال مدة التأمين يمكن أن أحصل على تعويض. والأخرى ضمان الحصول على دخل ثابت نسبيا. وطبعا أن هذا الدخل أقل من دخل الأسهم وأقل من دخل السندات الحكومية، غير أنه أعلى من دخل الفائدة المصرفية في البنوك .... "
لقد أزداد عدد الصينيين أمثال السيدة تشاو والسيدين لي وشه الذين يرغبون في شراء التأمينات حتى أصبح شراء التأمينات ظاهرة حديثة دخلت بالتدريج الى حياة الصينيين .
ووفقا للعادة التقليدية القديمة كان الصينيون يزورون الاقرباء والاصدقاء في أيام الاعياد حاملين معهم الاطعمة أو المشروبات كهدايا لهم، أما الان فدائما ما يشترون التأمينات أو الاقراص المدمجة الدراسية لاهدائها لهم. وقد أصبح ذلك إحدى الظواهر الحديثة في المجتمع الراهن. السيد ليو هاي يعمل في شركة أجنبية التمويل بالصين ويشتري كل سنة حصة من التأمين على الطوارئ والعلاج الطبي لابن أخته الكبيرة كهدية له ولاخته الكبيرة التي تعيش الان عشية رغيدة لا ينقصها شئ. ويرغب السيد ليو من خلال هذا التأمين أن يوفر ضمانا لإبن أخته الكبيرة في حياته اليومية .
تعكس هذه الظاهرة التي طرأت على حياة الصينيين تغيرا في مفاهيمهم أزاء الحياة وأساليب حياتهم. ومنذ سنوات طويلة كانت الدوائر الحكومية والمؤسسات المملوكة للدولة مسئولة تماما عن توفير ضمان تقديم المعاشات وضمان علاج الامراض لعمالها وموظفيها الذين لا يفكرون أبدا في مسألة المعاشات والضمان الطبي. ومع تشكيل وإكمال نظام اقتصاد السوق في الصين، يتحول نظام المعاشات والتأمين الطبي لدى الصينيين بالتدريج الى مسئولية يتحملها المجتمع. كما يشهد مفهومهم أزاء السلامة والصحة في الحياة اليومية تغيرا تدريجيا، وحول هذا الموضوع تحدث السيد هاو يان سون / الباحث الصيني المشهور في مجال التأمينات قائلا :
"يمكن القول إن مفهوم الصينيين لشراء التأمينات يتجدد الان باستمرار. وفي السنوات الاخيرة يجرى إصلاح نظام التأمينات بما فيها التأمين على الشيخوخة والتأمين على السكن وتأمين العلاج الطبي، ومع استمرار هذا الاصلاح تم تغييرفكرة قديمة تتمثل في أن الدولة والمؤسسات هي المسئولة عن توفير الضمان للجميع، فبدأ الناس بعد ذلك يبحثون عن أسلوب جديد يحصلون به على الضمان، وهذا الاسلوب هو شراء التأمينات أو الاستثمار في التأمينات .
وبالمقارنة مع سوق التأمينات الناضجة في الدول الغربية ما زالت سوق التأمينات في الصين في مرحلتها الاولى من التطور. ومنذ أكثر من عشرين سنة على بدء الاصلاح والانفتاح في الصين شهد قطاع التأمين الصيني تطورا سريعا جدا، ويزداد معدل نمو عوائد شركات التأمينات بنسبة تتجاوز ثلاثين بالمائة سنويا. وحتى نهاية العام الماضي تجاوزعدد شركات التأمينات داخل البلاد ستين شركة، ووصل عدد الهيئات الوسيطة الخاصة بالتأمينات الى أكثر من سبعمائة هيئة. أما العاملون في قطاع التأمينات في الصين فيتجاوز عددهم مليونا وخمسمائة ألف عامل، وقد اشترى حوالى عشرة بالمائة من السكان الصينيين التأمينات المتنوعة ......
أما الان فتتطور سوق التأمينات في الصين تطورا جياشا وتتحسن باستمرار. وفي الوقت نفسه تزداد أنواع التأمينات مع مر الايام. والى جانب التأمينات على الصحة والممتلكات الخاصة وتحقيق الفوائد المذكورة سابقا، هناك تأمينات على الحياة والمعاشات السنوية والحوادث الطارئة وغيرها. وبالاضافة الى ذلك فتحت شركات التأمينات المختلفة وفقا لطلب سوق التأمين أنواعا جديدة متميزة بما فيها التأمينات الخاصة بالموظفين ذوي الياقات البيضاء والاطفال والسيدات وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى .
ومقارنة مع الماضي تتحسن الخدمات في قطاع التأمينات تحسنا ملحوظا، اذ يتغير الان الاسلوب التقليدي لترويج التأمينات والمتمثل في اللقاء المباشر بين العاملين وزبائنهم، وأقامت عدة شركات تأمينات مواقع لها على شبكة الانترنت لجذب المزيد من الناس لشراء التأمينات حتى بات بإمكان الكثير من الناس إكمال إجراءات التأمين بسهولة عبر الرسائل القصيرة بالهواتف المحمولة .
وبرغم تحقيق هذه الانجازات، ما زالت هناك مسائل عديدة قائمة في قطاع التأمينات مثلا أن سوق التأمينات غير نظامية، ومفهوم بعض الناس أزاء شراء التأمينات غير صحيح ..... وحول هذه المسائل تحدث هاو يان سو/ الباحث الصيني المشهور في مجال التأمينات قائلا:
" لدى الكثير من العوائل الصينية حاليا الشقق والسيارات، واذا سألت الناس: هل تودون التأمين على شققكم أم سياراتكم؟ فستجد أن معظمهم يريد التأمين على سياراتهم. لأن عددا قليلا جدا منهم يسكنون في مساكن خاصة منفردة. أما سبب أهتمام الناس بالتأمين على سياراتهم فيعود الى أن السيارات هي من الممتلكات الخاصة المنفردة، لذلك هم حريصون على تأمينها. "
ويرى السيد هاو أن هذا المفهوم المتمثل في الاهتمام بالسيارات والاستخفاف بالشقق التي تتمتع بقيمة أعلى هو مفهوم خاطئ. واقترح السيد هاو وضع خطة عامة عند شراء التأمين. كما أشار أيضا الى أن الغالبية العظمى من الصينيين في الوقت الراهن ما زالوا مترددين قبل اتخاذ القرار الاخير لشراء التأمين، غير أنه مع ارتفاع مستوى معيشتهم وتجدد وجهات نظرهم ازاء التأمين، سيزداد بالتأكيد عدد مشتري التأمينات المختلفة. كما سيتمتع قطاع التأمين بأفاق أوسع من التطور في الصين في المستقبل ......