كانت مدينة أرليان هوت مدينة صغيرة منسيّة متخلفة إقتصاديا لا يتجاوز عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، ولكن بعد عشر سنوات من التطور حققت المدينة نهوضا وتطورا مدهشين حيث بنيت فيها عمارات عالية وطرق منتظمة عريضة ومرافق متكاملة حديثة لا يزورها الصينيون من مختلف أنحاء البلاد فحسب بل يقصدها الاجانب أيضا من مختلف دول العالم ولمختلف الاغراض.
تقع مدينة أرليان هوت في شمال منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم بالصين. وفيها منفذ جمركي وحيد يربط بين الصين وجمهورية منغوليا عبر السكك الحديدية. وقبل أكثر من أربعين سنة كانت المدينة صحراء جرداء لا يوجد فيها سكان دائمون إلا بعض الرعاة الذين ينتقلون فيها مع قطعانهم في أيام الصيف. وبعد وصول خطوط السكك الحديدية اليها أصبحت مدينة حدودية صغيرة.
إبتداء من عام 1992 أصبحت مدينة أرليان هوت إحدى المدن الحدودية الصينية المفتوحة للعالم، ومنذ ذلك الحين يتدفق اليها الكثير من رجال الاعمال الاجانب من روسيا ودولة منغوليا وبعض دول أوروبا الشرقية لممارسة التجارة في أسواقها الشعبية المختلفة.ورغم كثرة الناس في هذه الاسواق ولكنها هادئة خالية من الضجيج والفوضى إذ يفاوض معظم التجار الاجانب نظرائهم الصينيين إما بالكلمات البسيطة أو بأسلوب الاشارات اليدوية أو الحاسبات الصغيرة. ويعقدون الصفقات التجارية معهم في هدوء.
وبعد سنوات عديدة من التطور طرأت تغيرات كبيرة على أسواق مدينة أوليان هوت إذ يستطيع التجار الصينيون المحليون إجراء المعاملات والتحدث مع نظرائهم الاجانب بلغاتهم كما يستطيع الاجانب أن يتحدثوا مع نظرائهم الصينيين باللغة الصينية لعقد الصفقات التجارية. وقال أحد التجار المحليين إنه يتحاور مع التجار المنغوليين باللغة المنغولية بطلاقة وبدون معوقات. كما يستطيع معظم زملائه الآخرين التكلم بالمنغولية أو الروسية لعقد الصفقات التجارية.
التطور الاقتصادي السريع والازدهار التجاري المستمر أضفيا نشاطا وحيوية على مدينة أرليان هوت. وتتطور كل الاعمال فيها بسرعة فائقة جدا، وتوسعت مساحة المدينة الحالية ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الماضي. كما بنيت فيها طرق عريضة منتظمة ومرافق متكاملة وعمارات جميلة كثيرة. وتحدث السيد تشن هو بين/ عمدة مدينة أرليان هوت حول هذه التطورات قائلا:
" لقد وضعت مدينة أوليان هوت باعتبارها إحدى المدن المفتوحة في الصين خطة لتنمية الاقتصاد المحلي تعرف بإستراتيحية الاعتماد على التجارة لانهاض المدينة والاعتماد على الانفتاح لدفع النمو الاقتصادي. وفي الوقت نفسه تعمل الحكومة على إكمال وتحسين المرافق والمنشآت الاساسية في المنفذ الجمركي بالمدينة وتحسين البيئة الايكولوجية فيها. وإزداد إجمالي الناتج المحلي في المدينة من مائة وخمسين مليون يوان صيني في عام 1994 الى ثمانيمائة مليون يوان صيني في عام 2003 متجاوزا ما كان عليه قبل عشر سنوات بخمسة أضعاف .. "
وأضاف السيد تشن أن التجارة الحدودية تعتبر تفوقا تتمتع به مدينة أرليان هوت ، كما هى قوة رئيسية لدفع النمو الاقتصادي المحلي. ويمكن أن نجد في السوق الدولية التي تعتبر أكبر سوق تجارية داخل المدينة حركة وإزدهارا يسودان كل ركن من أركانها. وتباع في هذه السوق المنتجات والبضائع الصينية المتكاملة الانواع والاشكال حتى الخضروات. كما تباع فيها البضائع التقليدية المصنوعة في دولة منغوليا وروسيا كالسجاد المنغولي والكاميرات والنواظير الروسية وغيرها. ويزور هذه السوق يوميا أكثر من عشرة آلاف شخص ليتبضعوا منها. يذكر أن إجمالي حجم الصادرات والواردات التي نقلت عبر المنفذ الجمركي البري بمدينة أرليان هوت في العام الماضي وصل الى خمسمائة مليون طن، وبلغ إجمالي قيمتها تسعمائة وخمسين مليون دولار أمريكي .
مع النمو الاقتصادي المحلي المستمر تحسنت ظروف معيشة سكان المدينة تحسنا ملحوظا حيث توسّع عرض الطرق والشوارع داخل المدينة وإزدادت جمالا ونظافة وتصطف على جانبيها مساكن حديثة مبنية على الطراز الصيني التقليدي والطراز المعماري الاوروبي أيضا. والى جانب المتاجر الفاخرة والمليئة بالبضائع المتنوعة. تضم المدينة حاليا مرافق مدنية متكاملة أيضا كالمدارس ودور السينما والمكتبات والمستشفيات والفنادق والميادين الاحتفالية الفسيحة وغيرها إضافة الى مباني الدوائر الحكومية الحديثة بما فيها عمارة المنفذ الجمركي البري الفاخرة والحديثة الانشاء ...
يعيش السيد يانغ روي جين في مدينة أرليان هوت منذ سنوات طويلة. وقال إنه شاهد على جميع التغيرات الهائلة التي طرأت على المدينة:
قبل أكثر من عشر سنوات كانت ظروف معيشتنا غير جيدة،وفي بعض الاحيان لا نجد حتى الخضروات الضرورية. لأن المدينة لا تنتج الخضروات، ونشتريها من المناطق الاخرى بأسعار غالية جدا. أما الان فكل شئ موجود والبضائع متوفرة بشكل كامل في الاسواق المحلية وبإمكاننا شراء كل ما يخطر على البال من كافة منتجات البلاد والعالم .... "
قال السيد يانغ إن طريقا وطنيا جديدا يربط بين مدينة أرليان هوت ومقاطعة يوننان سيبدأ بناؤه قريبا كما سيبدأ إنشاء مطار جديد في المدينة أيضا.
تجدر الاشارة الى أن التطور المستمر لعلاقات حسن الجوار بين الصين ودولة منغوليا وروسيا يوفر مزيدا من الفرص السانحة لدفع النمو الاقتصادي في المدينة وجاء في إحصاء أن عجز إمداد المواد الغذائية في دولة منغوليا ومنطقة الشرق الاقصى بروسيا بما فيها الحبوب واللحوم ومنتجات الالبان والفواكه والخضروات يتراوح بين ثلاثين الى سبعين بالمائة من إجمالي الحجم المطلوب سنويا. كما تحتاج منغوليا وروسيا أيضا الى كمية كبيرة من منتجات الصناعة الخفيفة والمستلزمات اليومية كالاقمشة والازياء القطنية والصوفية والاجهزة الكهربائية المنزلية والمعدات والاجهزة والمكائن الصناعية التقليدية وغيرها، وفي كل سنة تستوردها من دول عديدة أخرى. وبعد النظر الى هذا الوضع إتخذت حكومة مدينة أرليان هوت إجراءات فعالة لتغيير أنواع الصادرات وتحسين مستوى جودتها حسب الطلب الخارجي. وفي الوقت نفسه تشجع الشركات والمؤسسات المحلية ذات القدرة الانتاجية القوية على التوجه الى منغوليا وروسيا لتعزيز التبادل الاقتصادي والتكنولوجي وتنفيذ الاعمال التعاونية فيهما.
لقيت خطة وأهداف التنمية الاقتصادية هذه دعما وموافقة من قبل كثير من الخبراء المعنيين. وطرح السيد وانغ تشاو بينغ/ مدير هيئة الاقتصاد الكلي التابعة لمكتب البحوث السياسية المركزي الصيني إقتراحا إزاء خطة التنمية الاقتصادية في مدينة أرليان هوت، ويرى أنه في المرحلة الاولى بعد تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح في الصين كانت مدينة أرليان هوت تعتمد على التجارة الحدودية الشعبية لدفع التنمية الاقتصادية المحلية، ولكن هذا الاسلوب قد أصبح الان متخلفا نسبيا وخاصة بعد إنضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية لأنه لا يناسب الوضع الاقتصادي في هذه المدينة التي حققت تقدما كبيرا في قطاع التجارة الدولية الرسمية في الوقت الراهن. وتحدث السيد وانغ حول هذه المسألة قائلا:
" علينا أن نشجع بإستمرار تنمية التجارة الشعبية في المستقبل، وأن نتخذ كافة الاجراءات للارتقاء بمستوى التجارة الشعبية حتى يرتفع الى مستوى التجارة الدولية الرسمية. لأن ذلك في صالح تطور الاقتصاد المحلي في مدينة كمدينة أرليان ذات المنفذ التجاري الحدودي المهم .... "
وجدير بالذكر أن مدينة أوليان هوت هى إحدى أول المناطق في إسيا التي تم العثور فيها على أحافير الديناصور، لذلك يطلق الناس علي هذه المدينة إسم" موطن الديناصور". ومنذ تسعينات القرن الماضي جاء اليها كثير من الخبراء في قطاع بحوث الاحياء القديمة من روسيا والولايات المتحدة وكندا إضافة الى الخبراء الصينيين وقاموا بست زيارات إستقصائية شاملة فيها . ووجدوا في حفرياتهم كمية كبيرة من أحافير الديناصور وبيوضها المتحجرة. لذلك يمكن أن نتوقع أن يصبح قطاع السياحة في مدينة أرليان هوت بعد سنوات عديدة من التطور نقطة ساخنة ولامعة تجذب المزيد من أنظار الجميع وستحقق نموا سريعا أيضا مع تطور الاقتصاد المحلي في هذه المدينة التجارية الحديثة.