اصدقائي المستمعين، السلام عليكم، ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامجنا الاسبوعي: السياحة في الصين. في الحلقة السابقة، عرفناكم بتاريخ مقر حكومة كاى فنغ وطرازه المعماري، والى جانب ذلك، يمكنكم التعرف على عدد من الشخصيات المشهورة في تاريخ الصين، واشهرها باو تشنغ.

ان اسم "باو تشنغ" معروف جدا لدى عامة الناس الصينيين، ويعتبر هذا المسؤول في عهد اسرة سونغ الشمالية الملكية قبل نحو الف سنة مثالا للنزاهة والعدالة، لذلك، يطلق الشعب الصيني عليه"باو قونغ"/الشيخ باو/، حيث حكم على كل من زوج ابنة الامبراطور وابن عمه بالاعدام وفقا للقوانين. واذا رغبتم في رؤية ملامح باو قونغ وزيارة محكمته، والاحساس باحترام الشعب الصيني له، تعالوا معنا الى زيارة مقر حكومة كاى فنغ.

اعزائي، تستمعون الآن الى قطعة مختارة من اوبرا بكين تحكى قصة قطع رأس تشن شي مي الذى سعى للغنى والجاه، وحاول قتل زوجته الاصلية وابناءه من اجل الزواج من ابنة الامبراطور، واخيرا حكم عليه باو قونغ بالاعدام. وحظى باو قونغ باحترام الشعب لنزاهته وعدالته، لذلك، ظلت قصة قطع رأس تشن شي مي حاضرة حتى اليوم.

ان اول منظر سياحي يصادفنا بعد دخولنا مقر حكومة كاى فنغ هو مقصورتا النصب علي الجانبين الشرقي والغربي، وتسجل على النصب الحجري الاسود على الجانب الشرقي اسماء المسؤولين الذين عملوا في مقر حكومة كاى فنغ في عهد اسرة سونغ الشمالية ومدة ولايتهم، وهناك اسماء نحو مائة مسؤول، لكن من الغريب عدم وجود اسم باو قونغ ضمن الاسماء، فلماذا حدث خطأ كبير كهذا في هذا السجل الرسمي المنتظم؟ اشارت المرشدة السياحية الآنسة ليو جينغ التى كانت صامتة ومبتسمة أشارت الى اسم غير واضح في وسط النصب موضحة ان اسم باو قونغ كان منقوشا في ذلك المكان، لكن، لماذا تشطب هذه القطعة الصغيرة فقط من هذا النصب الكبير؟ ردا على هذا السؤال قالت الآنسة ليو:

"كان باو قونغ يمثل صورة المسؤول النزيه، لذلك لم ينقطع معظم الزوار عن مد ايديهم للمس اسمه احتراما له، فزال هذا الاسم مع مرور الايام."

وزاد احترامى لباو قونغ بعد ان رأيت الاثر العميق في النصب الحجري الصلب.

بعد ذلك، ذهبت انا الذى يستعجل في البحث عن أثار باو قونغ الى القاعة الرسمية- اوقر مكان في مقر حكومة كاى فنغ.

تعتبر القاعة الرسمية مكانا يصدر فيه مسؤولو مقر حكومة كاى فنغ القرارات السياسية ويعالجون الشؤون والقضايا الهامة، واحسست بالهيبة وانا ادخل تلك القاعة، وواجهتنى لافتة معلقة في مركز القاعة وعليها اربعة مقاطع صينية هى:"تشنغ دا قوانغ مينغ"(معناها العدالة والاستقامة)، وهو ما يجعل قارئها بالوقار والاحترام.

وتوضع على مائدة في وسط القاعة ازلام البامبو السوداء والحمراء، يقال ان الازلام الحمراء تمثل الامر باستخدام ادوات التعذيب، ويستخدم المسؤولون الازلام السوداء لاصدار الامر باعتقال المجرمين، وهى مماثلة لاوامر الاعتقال في الوقت الحالي. وترسم على الحاجز خلف المائدة امواج البحر تصفع الصخور، ويتطاير رذاذ الامواج الى كل اتجاه في اشارة تحذيرية للمسؤولين من قبول الرشوة والتلاعب بالقانون.

وما يلفت النظر اكثر هو 3 مقصلات نحاسية موجودة امام المائدة في القاعة الرسمية، ويبلغ طول كل واحدة منها اكثر من متر، وتراءت في بالي صور عن اعدام المجرمين هنا قبل ما يربو على الف سنة ورأيت المقصلات الثلاث وهى صنعت في اشكال رأس تنين ورأس نمر ورأس كلب ناطقة بالحياة على التوالي.

اصدقائي، قد تتساءلون لماذا تختلف اشكال هذه المقصلات الثلاث؟ في الواقع، كانت المقصلات المختلفة الاشكال تستخدم في اعدام مختلف الفئات من المجرمين، ولم ينج اي شخص، حتى لو كان من اصحاب الصلاحيات والاغنياء او من عامة الناس، من المقصلات النحاسية في مقر حكومة كاى فنغ طالما خالف القوانين. وكانت السيدة تشانغ شيو فو التى جاءت من مدينة بكين تشرح دور المقصلات النحاسية لابنها قائلة: "اذا ارتكب اقرباء الامبراطور الجرائم، يعدمون بالمقصلة ذات رأس التنين، واذا ارتكب المسؤولون الجرائم، يعدمون بالمقصلة التى تحمل رأس النمر، واذا خالف عامة الناس القوانين، تعدم بالمقصلة ذات رأس الكلب."

وبعد الاحساس باحترام الاجيال المتعاقبة العهود له، اظن انكم توافقونى على الرأى في تميز شخصية باو قونغ، اذن، ننتقل الآن بعيدا عن العقوبات والمقصلات فنزور قصر تشينغ شين داخل مقر حكومة كاى فنغ لتعريفكم بالمعلومات الخاصة بباو قونغ.

وفي اعتقاد معظم الناس ان باو قونغ كان رجلا طويل القامة وقوي البنية يظهر مهيبا وجليلا، وفي الاوبرا المذكورة سابقا "قصة قطع رأس تشن شي مي" يصور باو قونغ بوجه اسود، لكن السائح السيد تشاو تشي الذى يعرف سيرة باو قونغ جيدا قال لي امام تمثال نحاسي يبلغ طوله 3.8 مترا ووزنه 5600 كيلوغرام في قصر تشينغ شين لهذه الشخصية العظيمة قال لي:

"في الواقع ان باو تشنغ مثقف وجهه ابيض، لكن نظرا لان الطريقة الوحيدة لنشر المعلومات الثقافية في ذلك الوقت هى الاوبرات، ويمثل الوجه الابيض في الاوبرات التقليدية الصينية صورة الوزير الغدار، ويمثل الوجه الاسود العدالة، فرسم وجه باو تشنغ باللون الاسود، وبالاضافة الى ذلك، يعتقد الناس ان باو قونغ طويل القامة وصخم الجسم، لكن البحوث الوثائقية اثبتت ان طوله الحقيقي لا يتجاوز 162 سنتيمترا، وعلى ضوء مقاييسنا الحالية فهو قصير جدا."

لم اجد كثيرا من الوقار والهيبة على وجه باو قونغ عندما تطلعت الى تمثاله النحاسي، كان يوحى بانه يفكر، اما في الشؤون الوطنية او في الدعاوى. ويظهر الكتاب الذى يمسك به انه واسع المعرفة وعميق الاطلاع، ويجسد جناحا قبعته الطويلان والمستقيمان تجسيدا لنزاهته واستقامته.

وفضلا عن المناظر الثلاثة الرئيسية المذكورة اعلاه، هناك مواقع سياحية كثيرة متعلقة بباو قونغ في مقر حكومة كاى فنغ، مثلا، في "قاعة ازهار المايهوا هناك معرض تماثيل الشمع حيث تعرض شخصيات مختلفة الاشكال كأنها من لحم ودم.