كتب ـــ أكرم ألفي
خلال أيام سيقف أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي, أمام الكنيست ليحصل علي موافقة البرلمان علي حكومة الوحدة الوطنية, مع شريكه شيمون بيريز زعيم حزب العمل وحزب يهود التوراة المتحد الديني المتشدد.
ويجيء تشكيل هذه الحكومة بعد مخاض طويل وصعب دام أكثر من ستة أشهر, تغيرت فيها خريطة الحكومة عدة مرات من ائتلاف علماني يضم الليكود والعمل وشينوي, الي ائتلاف بين الليكود وشينوي والأحزاب الجديدة والدينية المتشددة, انتهاء الي ائتلاف الليكود والعمل ويهود التوراة.
وطوال هذه الرحلة الصعبة, ظل الثابت الوحيد هو اصرار شارون علي المرور من ثقب الإبرة وتنفيذ خطة فك الارتباط والانسحاب من قطاع غزة, ولكن علي الرغم من أن شارون يعتلي منصة التتويج في انتصار جديد يفتتح به عام2005, الذي وصفه بعام الفرص التاريخية, وبعد ان انكسرت كل الأمواج علي صخرته خلال2004, إلا أن الحكومة الجديدة لن يكون طريقها مفروشا بالورود, بل مليء بالأشواك, فهل ينجح شارون بعد أن تجاوز الصعب أن يعبر الأصعب؟.. وان يصل بحكومته الي نهاية النفق؟.
* حكومات الشلل السياسي
ستكون الحكومة الجديدة خامس حكومة وحدة وطنية في اسرائيل, وتمثل الحكومات الائتلافية الأربع السابقة خبرة سلبية, فهي كانت في الاغلب حكومات شلل سياسي وانتهت في الأغلب بالفشل, فأول هذه الحكومات التي تشكلت عشية حرب1967 وانتهت بخروج مناحم بيجين بسبب وقف اطلاق النار مع مصر وخطة روجرز, وبعد14 عاما التقي العمل والليكود مجددا في1984 وتناوب وقتها بيريز وشامير قيادة الحكومة, ولم تنجح في انجاز أي من مهامها, وانتهت باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي, وكانت الحكومة الثالثة في1988 وانهارت بعد عامين فقط, وكانت آخر حكومات الوحدة الوطنية في فبراير2001 بزعامة شارون وانهارت بسبب خلاف مع العمل حول مخصصات المستعمرات في ميزانية2003.
ويلاحظ بوضوح علي التجارب الأربع السابقة, ان حكومات الوحدة الوطنية لم تنجح في انجاز مهامها علي الصعيد الداخلي والخارجي, إلا في حالة حكومة حرب1967 بقيادة أشكول, وهنا يري البعض أن تحدي المواجهة الداخلية مع المستعمرين قد يقود الحكومة الخامسة الي التوحد والنجاح علي غرار تجربة1967.
والملاحظة الثانية, هي أن شارون وبيريز كانا شريكين ورفيقين في الحكومات الائتلافية الثلاث لأخيرة, وكانا هما قاطرة تشكيلها في الأغلب, وكانت تجربتهما نتيجتها الفشل دائما, وهنا يطرح سؤال: هل ينجح الخصمان الددودان هذه المرة؟
* تسديد الفاتورة
تدلل جميع مؤشرات الرأي العام الإسرائيلي بوضوح, علي عبور التجمع اليهودي الي غير رجعة الي فكرة حتمية للخروج من المناطق الفلسطينية والعربية المحتلة في حرب1967, ولكن يبدو أن الثمن بعد ما يقرب من40 عاما من الاحتلال لن يكون قليلا.
فالمستعمرون في قطاع غزة والضفة الغربية, تحولوا من قط وديع أولي بالرعاية, يتولي شارون تاريخيا تربيته وحمايته, الي قط سمين له مخالب, فقادة المستعمرين يهددون باستخدام القوة ضد أي محاولة لاخراجهم من منازلهم بالأرض الفلسطينية المغتصبة, بل ويدعون الجنود الي عصيان الأوامر, ووصل الأمر لتهديد شارون بمصير رابين.
وهو الوضع الذي جعل شارون يلوح بعصا غليظة لتأديب المتمردين, ويعتمد في موقفه علي تأييد أغلبية الإسرائيليين لخطة فك الارتباط, ولكن يظل السؤال هل ستتمكن الحكومة الجديدة من تنفيذ عمليات اخلاء المستعمرين, أم ان مشهد الدماء اليهودية المحرمة سيقلب الطاولة علي رأس شارون وبيريز معا؟ فوفقا لمحللين اسرائيليين, فإن الحكومة الجديدة التي أخذت علي عاتقها تسديد فاتورة المستعمرات بعد أن استنفدت دورها السياسي والأمني بقطاع غزة, قد تجد يدها ملطخة بدماء يهودية في مشهد غير مسبوق في تاريخ إسرائيل.
* جيل المؤسسين والمهمة الأخيرة
إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة, تعكس من ناحية أخري إعادة الكرة الي ملعب جيل المؤسسين, فبعد أن فشل جيل الوسط متمثلا في نيتانياهو(96 ـ1999) وباراك(99 ـ1001) في تحقيق أي تقدم علي صعيد انهاء المشكلة الفلسطينية, سواء عبر القوة أو المفاوضة, فإن القادة التاريخيين من الفصيلين الرئيسيين للحركة الصهيونية بشقيها العمالي والتصحيحي, متمثلين في شارون وبيريز, أصبحا هما أداة المواطن الاسرائيلي للمحاولة الأخيرة لإنهاء المشكلة الفلسطينية.
فشارون صاحب اليد الطولي وبيريز صاحب اللسان الدبلوماسي, يمكن أن يشكلا معا فريقا متناغما ـ وفقا للرؤية الإسرائيلية ـ وقادرا علي انجاز المهمة المعطلة منذ اغتيال اسحق رابين في1995.
وهنا تشير التحولات داخل كل من حزب الليكود والعمل الي أن جيل الوسط لم يعد محل ثقة, وانه مع غياب آخر قيادة جيل مؤسسي الدولة العبرية خلال السنوات المقبلة بفعل الزمن, فإن جيلا جديدا سيصعد لتولي مقاليد الأمور, وهو ما ابرزته اختيارات اللجنة المركزية لحزب العمل لوزراء الحكومة الائتلافية, وفي الوقت نفسه ينظر شارون وبيريز لمهمة فك الارتباط وتحقيق تسوية مع سوريا, علي أنها المهمة الأخيرة لجيل المؤسسين الذي شارك معهما في حرب العصابات التي مهدت لاعلان الدولة العبرية منذ57 عاما.
الاهرام-مصر
7-1-2005