تفعيل التقويم الحقيقي يزيد من قدرة الاقتصاد على التعامل مع صعود وهبوط العملة
القاهرة: «الشرق الأوسط»
اختلفت آراء الخبراء والمصرفيين بشأن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الجنيه المصري، الصاعد، في علاقته بالدولار، وحول إذا ما كان ارتفاع سعر الجنيه، يعكس مصادر قوة كامنة، برزت أخيرا في الاقتصاد المصري أم لا؟
لكن ما اتفق عليه الجميع هو أن عهد المضاربة والتداول عبر البوابين وفي الشقق ومن خلال السماسرة وتجار العملة المحترفين وأشباه المحترفين، قد انتهى، ليس لأن الحكومة، أوجدت سبلا تضمن تدفقات كبيرة من العملة الأميركية في الآجال البعيدة، أو حتى القريبة والمتوسطة، بقدرما انها حققت انتصارا نهائيا بشأن إمكانية استخدام أدوات السياسة النقدية، التي لا آخر لها، لجعل الأسواق تسير في المسار الطبيعي، وجعلت السؤال حول هل سيزيد الجنيه أم ينقص في الفترة المقبلة، ليس السؤال الرئيسي، لأن الأهم هو أن التقويم كآلية قد اشتغل «بجد» ما دام الدولار قد هبط لأول مرة في التاريخ الحديث للبلاد، وهو الذي اعتاد الصعود الدائم أمام الجنيه، ومع التعويم الحقيقي سيتقبل الاقتصاد بمرونة، عمليات الصعود والهبوط شأن أي اقتصاد معاصر، وقد اتفق الخبراء على أن تفعيل آلية الإنتربنك الدولاري وتحسين أسعار الفائدة على الجنيه والإصرار على جذب استثمارات أجنبية كبيرة والتحسن في الصادرات وفي مداخيل وتلبية حاجات المستثمرين والمستوردين وتراجع معدل الزيادة في الورادات، كلها كانت وراء المشهد المثير الذي جعل الدولار يهوي من منطقة 6.24 جنيه إلى و5.92 جنيه، واصل النزول، وإن ببطء نسبيا، عن أيام الاندفاع الأولى وتناقص مفعول قانون كرة الثلج، بل والمثير أن يحدث ذلك في أيام الحج وتغطية مراكز البنوك في نهاية العام وبدء تفعيل اتفاقيات التجارة العربية والدولية بما يجعل احتمال زيادة الواردات محتملا.
وقال علي نجم، محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك الدلتا الدولي، إن سعر الدولار الحالي عودة الى الوضع الطبيعي، مؤكدا أن الارتفاعات الجنونية غير المبررة عقب تحرير سعر الصرف في يناير )كانون الثاني) 2003، كانت غير طبيعية لانتشار السوق السوداء والمضاربات بعيدا عن القنوات الشرعية. وأشار إلى أن استمرار انخفاضه يسهم في جذب العملاء لشراء المعدات والآلات والمستلزمات المعلقة من قبل والتي كان يصعب شراؤها في ظل ارتفاع سعر الدولار مما يسهم في جذب الاستثمارات. كذلك يرى علي نجم أن ذلك يحقق ربحا للخزانة العامة للدولة، ويخفض أسعار السلع التي تدعمها الدولة والتي يتم شراؤها من الخارج.
وأرجع موجة الانخفاض في سعر الدولار الى الركود الاقتصادي وعدم وجود طلب كبير على العملات وزيادة المعروض بالسوق، مستبعدا ان يكون الاقتصاد المصري قد تحسن مجددا، وكذا تفعيل الانتربنك الدولاري كأحد أدوات السياسة النقدية الاختيارية المرنة. وأكد صعوبة تقدير خسائر البنوك جراء نقص الارصدة الدولارية لديها، لكن ذلك سيتضح، حسب قوله، عند استقرار السوق. واستبعد نجم اقتصار دور البنوك علي تحويل العملات خلال الفترة المقبلة، لأن ذلك من شأن شركات الصرافة.
وتوقع فتحي السباعي رئيس البنك العقاري المصري العربي، ان يفيد هبوط الدولار الاستثمار والمستثمرين، وان يفيد التصدير والمصدرين، وأن يصل الدولار الى سعره الحقيقي نحو 565 قرشا إذا استمر وجود الفائض. كما توقع حدوث موجات من السحب للودائع الدولارية وتحويل الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة والابتعاد عن الاكتناز. واتفقت سحر السلاب العضو المنتدب للبنك التجاري الدولي (CIB) ـ مصر مع توقعات استمرار موجة الانخفاض للدولار ليصل الى 580 قرشا ليتوقف عندها خلال مدى زمني قصير، مستبعدة معاودة ارتفاعه بدعم من توافره بالبنوك من خلال الانتربنك الدولاري، ورأت انه من الممكن زيادة الطلب وتقييم الاستثمارات القائمة لاعادة النظر في جدوى عوائدها. وأرجعت عدم تحول العملاء الى عملات أجنبية اخرى الى ان باقي العملات سادها الانخفاض، بالإضافة الى ان الدولار الأميركي رغم كل شيء ما زال سيد الموقف في التعاملات المالية سواء المحلية والعالمية في التجارة الخارجية.
ويري هشام حسن العضو المنتدب لبنك قناة السويس، ان سعر الدولار سيستقر بين 585 و605 قروش، مؤكدا ان استمرار انخفاضه مؤشر جيد للحفاظ على سعر الجنيه المصري عند هذا الحد مما يسهم في تشجيع الاستيراد والتصدير وزيادة عوائد السياحة. وارجع انخفاض الدولار الى السياسات الاقتصادية النقدية السليمة، والقضاء على الارتفاعات غير المبررة نتيجة المضاربات والسوق السوداء عقب قرار تحرير سعر الصرف، حيث وصل آنذاك الى 725 قرشا بينما سجل قبل التحرير 525 قرشا في السوق الحرة.
واستبعد أي تأثيرات سلبية على الاستثمارات المشتركة جراء الانخفاض لأنه، حسب قوله، غير قوي وليس بنسبة كبيرة.
وأكد علاء سماحة رئيس المناطق والفروع بالبنك التجاري الدولي، ان انخفاض الدولار كشف المبالغة في سعره من قبل كما كشف اشكال اكتنازه وحجزه والمضاربة عليه، وتوقع ان تشهد الفترة المقبلة الوصول الي معدلات سعرية متوازنة بالسوق، موضحا ان اختفاء الشفافية في سوق موحدة للعملات ساهم في خفض قيمة الدولار بالسوق المحلي.
وتوقع الوصول الى سعر عادل غير مفتعل طبقا لتوازن آلية العرض والطلب. واشار الى امكانية تأثير ودائع الافراد سلبا
الشرق الاوسط
10-1-2005