يكاد لا يخلو بيت في العالم من الخزف الصيني، وهو مشهور بقوته ودقة صنعه وجمالته ويرتبط اسمه ارتباطا وثيقا بالصين التى تعرف منذ القدم بانها "بلد الخزف"، وفي اللغة الايجليزية، تكتب كلمة"الخزف" مثل كلمة"الصين" تماما (China)، وهذا بمثابة افضل ايضاح للتاريخ العريق لصنع الخزفيات وفنها الرائع، فلم يقدم هذا الفن الخزفيات الجميلة والرائعة للناس فحسب، بل ظهرت بسببه مدن مشهورة بصنع الخزفيات واشهرها مدينة جينغ ده تشن، وفي حلقتنا اليوم، نصحبكم في زيارة الى هذه المدينة.
تقع مدينة جينغ ده تشن في شمال شرقي مقاطعة جيانغشي بشرق الصين، وكان المبشر الفرنسي بيري دينتريكوليس قد وصف مدينة جينغ ده تشن عندما وصلها لاول مرة بالعبارات التالية: تقع جينغ ده تشن في سهل تحيط به الجبال، ويلتقى فيها نهران ينبعان من الجبال ويشكلان ميناء نهريا جيدا يمتد لاكثر من كيلومتر.
تعتمد مدينة جينغ ده تشن على هذه الصناعة اليدوية الوحيدة، وبنيت القمائن او الافران على ضفاف الانهار، وتظهر هناك وهناك في المدينة وتشتعل نيرانها منذ الف سنة، وتعتبر الخزفيات روح هذه المدينة وحياتها، ويمكن القول انه لا وجود المدينة جينغ ده تشن بدون الخزفيات.
اصبحت مدينة جنيغ ده تشن جميلة وغنية بفضل الخزفيات، وفي هذه المدينة التى يقيم فيها مليون واربعمائة الف نسمة شوارع عريضة ومبان شامخة، لكن المعالم الحديثة لم تخف الاثار التاريخية الخاصة بالخزفيات التى تجذب الزوار المحليين والاجانب.
نشأت صناعة الخزفيات في مدينة جينغ ده تشن قبل اكثر من الفي سنة، وفي الوقت الحالي، ما زالت بعض آثار القمائن القديمة محفوظة بشكل كامل في المدينة وضواحيها، يقال ان مدينة جينغ ده تشن نشأت من قمائن وافران الخزفيات العتيقة تدريجيا، واوضح السيد تشنغ بنغ المحلي قائلا:
"في الاحياء القديمة بمدينة جينغ ده تشن، يصعب علينا ان نجد زقاقا او شارعا مستقيما تماما، ونقف الآن في منطقة بنغ جيا نونغ، ويوجد خلفي قمين عتيق منهار، ويمكننا ان نرى من هنا ان بنايات هذه المنطقة تتوزع حول هذا القمين، وفي الاحياء القديمة بهذه المدينة، تتوزع المباني بهذا الاسلوب في كل مكان مما يظهر منظرا مزدهرا في مدينة جينغ ده تشن التى انتشرت فيها افران الخزفيات حينذاك."
ويبدو ان ورش الافران والقمائن الخزفية الكبيرة في جينغ ده تشن بارزة جدا بالمقارنة مع المنازل العادية، وتنتج هذه الورش والقمائن التى تحتل المئات وحتى الالف الامتار المربعة قطعا خزفية جميلة جدا وهى نقية كاليشم ورقيقة كالورق وصافية كالمرآة ورنانة كالآلة الموسيقية، ويمكن للزوار ان يشاهدوا كيف تصبح قطعة من الطين العادي اناء جميلا.
عادة تنقسم عملية انتاج الاناء الخزفي الى مرحلتين، هما اعداد اللبن واحراقه، ففي حالة صنع الجرار على سبيل المثال، يتعين على صانعيها تحديد كمية الطين، وكمية الوقود في مختلف مراحل العملية. ولن يصبح الشخص ماهرا في كل عملية من صنع الخزفيات الا بعد اكثر من عشر سنوات من التدريب والممارسة، وقال المعلم وانغ يان الذى يتجاوز عمره السبعين:
"بدأت اتعلم هذه الحرفة من ابي منذ ال11 من عمرى، وعملت في هذا المجال 61 عاما، وعملت اسرتنا في هذا المجال على مدى خمسة اجيال متعاقبة."
ان هذه الحرفة الرائعة المتوارثة جيلا بعد جيل هى التى تطور الخزفيات في جينغ ده تشن من الصفر، وتجعلها مشهورة، وبين انواع كثيرة من الخزفيات المشهورة في هذه المدينة تتمتع خزفيات حمراء مستخدمة كأواني القربان بسمعة بارزة جدا.
تنتمى خزفيات القربان الحمراء الى الخزفيات المزججة الملونة المعروفة باحدى الخزفيات الاربع المشهورة في مدينة جينغ ده تشن، وكانت الاسر الامبراطورية تستخدم هذا النوع من الخزفيات الحمراء لتقديم القرابين، لذلك تسمى خزفيات القربان الحمراء، يرجع تاريخ صنع خزفيات القربان الحمراء الى اسرة مينغ الملكية قبل اكثر من خمسمائة سنة، وتشتهر بلونها الغامق، حيث يظهر البنفسجي من الاحمر، وتباع باسعار عالية جدا بسبب دقة صنعها وانخفاض معدل انتاجها، وفي عام 2002، تم بيع اناء خزفي احمر تم انتاجه قبل اكثر من مائتي سنة ب21 مليون يوان هونغ كونغي(حوالي مليونين وسبعمائة الف دولار امريكي ) في معرض سوثبي للمزاد في هونغ كونغ.
يقال ان خزفيات القربان الحمراء نادرة جدا وتنتج قطعة او قطعتان فقط من هذه الخزفيات في الف فرن، واليوم، يمكن للزوار التمتع بهذه الخزفيات النادرة جدا في متحف الخزفيات بمدينة جينغ ده تشن، قال العامل بهذا المتحف السيد روي فو شنغ:
"يعتبر متحف الخزفيات في مدينتنا جينغ ده تشن اكبر متحف مختص في البلاد من حيث حجم وعدد الخزفيات المعروضة وتجمع فيه خزفيات رائعة من مختلف العهود بمدينة جينغ ده تشن، ولدينا حوالي عشر قطع من خزفيات القربان الحمراء في عهود اسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين."
وفضلا عن خزفيات القربان الحمراء، يمكنكم رؤية خزفيات ثمينة مرسوم عليها زهور زرقاء على خلفيات بيضاء وخزفيات ملونة اخرى.
لا تعنى الخزفيات للمحليين في جينغ ده تشن الثروة والثقافة فحسب، بل ترتبط بحياة ابناء هذه المدينة بشكل وثيق جدا، لان طابوق القمائن يبدل سنويا، ويستخدم الطوب القديم في بناء الورش والمنازل، و حتى اليوم هناك العديد من المنازل المبنية بهذا الطوب في الاحياء القديمة بمدينة جينغ ده تشن، وقال السيد تشنغ بنغ:
"ان طابوق القمائن صلب جدا، فيعتبرها ابناء جينغ ده تشن مواد بناء جيدة، وكانوا يبنون منازلهم بها مما شكل منظرا متميزا في هذه المدينة، وهو منظر فريد على مستوى العالم ايضا."
وقبل مغادرة هذه المدينة الساحرة، يمكنكم شراء قطع من الخزفيات الصينية، وانا واثقة من انكم ستعجبون بها جدا.