نصائح عربية - أوروبية لإدارة بوش بالتعاطي الواقعي مع أبو مازن كي لا تحرجه
باريس: عبدالكريم أبو النصر
حذرت دول عربية وأوروبية بارزة إدارة الرئيس بوش من أن محمود عباس (أبو مازن) الرئيس الجديد المنتخب للسلطة الفلسطينية سيواجه معارضة شديدة بل نقمة عارمة من الفلسطينيين وسيضطر إلى الاستقالة من منصبه خلال أشهر قليلة إذا لم تساعده الإدارة الأمريكية فعلياً وبسرعة على تحسين أوضاع شعبه وإذا مارست عليه ضغوطاً لتقبل مطالب إسرائيل ولقمع حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات المسلحة المعارضة الأخرى بالقوة, وإذا لم تضع الإدارة الأمريكية استراتيجية جديدة للتعاطي مع الفلسطينيين تشمل اتخاذ مجموعة إجراءات ومواقف رئيسية لدعم القيادة الفلسطينية الجديدة في مواجهة حكومة أرييل شارون.
ونبهت هذه الدول إدارة بوش إلى أن استقالة أبو مازن ستؤدي, في حال حدوثها, إلى فوضى شاملة وإلى نوع من الحرب الأهلية في المناطق الفلسطينية.
هذا ما كشفته لـ"الوطن" مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع وأكدت أن هذه الدول العربية والأوروبية اقترحت على إدارة بوش في اتصالات غير معلن عنها أجرتها معها أخيراً اتخاذ الإجراءات والمواقف الآتية لدعم أبو مازن والقيادة الفلسطينية الجديدة:
أولاً: اقترحت هذه الدول تسليم ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى وزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة كوندوليسا رايس التي تتمتع بثقة بوش الكاملة وتكليفها القيام بسرعة بعد تسلمها مهامها رسمياً بجولة في الشرق الأوسط تشمل زيارة المناطق الفلسطينية وإسرائيل, وكذلك زيارة دول رئيسية كالسعودية ومصر والأردن, وذلك من أجل إبلاغ القيادة الفلسطينية وزعماء المنطقة أن الإدارة الأمريكية ستعطي فعلياً "أولوية قصوى" لمعالجة هذا النزاع وإيجاد حل سلمي عادل له, يشمل إقامة الدولة الفلسطينية وعدم الاكتفاء فقط بممارسة الضغوط على المسؤولين الفلسطينيين, وتقديم نصائح وطلبات إلى الأطراف المعنية بالأمر.
ثانياً: أكدت هذه الدول خلال اتصالاتها مع إدارة بوش أنها تدعم اقتراحاً جرى التداول بشأنه أخيراً في واشنطن ويقضي بأن يعين بوش مبعوثاً خاصاً رفيع المستوى مكلفاً بملف النزاع العربي - الإسرائيلي بجوانبه المختلفة ويعمل بالتنسيق التام مع رايس ومع البيت الأبيض ويطلب منه الإقامة لفترات طويلة في إحدى دول الشرق الأوسط والقيام انطلاقاً منها بجولات مكوكية بين مختلف الدول المعنية بهذا النزاع بما فيها سوريا, ولبنان, وذلك من أجل العمل في وقت واحد على إطلاق عملية تفاوض جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وعلى فتح آفاق حل النزاعات القائمة بين السوريين والإسرائيليين واللبنانيين والإسرائيليين. وعلمت "الوطن " أن شخصيات بارزة تنتمي إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي اقترحت فعلاً على بوش تعيين مبعوث خاص رفيع المستوى للقيام بهذا الدور ورشحت لتولي هذه المهمة جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي السابق أو جون دانفورث صديق بوش والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة. وهذا الاقتراح هو حالياً موضع نقاش بين بوش ورايس.
ثالثاً: طلبت هذه الدول من إدارة بوش الامتناع عن ممارسة ضغوط على أبو مازن أو توجيه إنذارات إليه لكي يعلن الحرب على حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات الفلسطينية المسلحة المعارضة لعملية السلام من أجل تجريدها من أسلحتها وإنهاء دورها القتالي ووضع حد, وبالقوة, لعملياتها وهجماتها ضد الإسرائيليين, لأن ذلك سيفجر صراعات دامية حادة في المناطق الفلسطينية وسيؤدي إلى تصعيد المواجهة المسلحة مع الإسرائيليين.
واقترحت هذه الدول بدلاً من ذلك أن تعمل إدارة بوش وتتحرك من أجل التوصل إلى وقف كامل ومتبادل ورسمي للعمليات والهجمات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبضمانة أمريكية - دولية, وهذا ما يفترض بالمسؤولين الأمريكيين أن يتعاونوا مع المسؤولين المصريين ومع جهات عربية أخرى من أجل التوصل إلى هدنة أمنية فلسطينية كاملة وأن يتعاون الأمريكيون في الوقت نفسه مع الأوروبيين لإقناع حكومة أرييل شارون بوقف كل عملياتها العسكرية والأمنية في المناطق الفلسطينية. وشددت هذه الدول على أن أبو مازن ليس لديه سلطات مطلقة لكي يفعل ما يشاء في المناطق الفلسطينية بل يجب تفهم ظروفه وتجنب إحراجه وإضعافه, ومساعدته على توحيد الفلسطينيين وليس على تفجير نزاعات دامية في صفوفهم كما تريد إسرائيل.
رابعاً: أكدت هذه الدول أن من المهم أن يتم تنفيذ خطة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بالتنسيق والتعاون مع القيادة الفلسطينية وتحت إشراف الدول الكبرى, لكن ذلك ليس كافياً وحده لتشجيع الفلسطينيين على المضي في طريق السلام وعلى اتخاذ القرارات الصعبة الملائمة لتحقيق تقدم سلمي, بل يجب أن تعمل إدارة بوش على "إقناع" حكومة شارون بضرورة اتخاذ ثلاثة إجراءات أساسية خلال الأسابيع المقبلة وهي:
1- التعامل مع القيادة الفلسطينية الجديدة على أنها شريك فعلي وحقيقي في عملية السلام والامتناع عن القيام بأعمال تحرجها أو تضعفها.
2- رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على المدن الفلسطينية وإزالة مختلف الحواجز الإسرائيلية التي تجعل حياة الفلسطينيين صعبة للغاية, وتقديم وعود بسحب القوات الإسرائيلية من مختلف المناطق الفلسطينية إلى خطوط ما قبل اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000, وذلك بعد التطبيق الفعلي للهدنة الأمنية.
3- الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ومن ضمنهم مروان البرغوثي "بطل" الانتفاضة الثانية ورمزها لأن ذلك سيقدم دعماً كبيراً لأبو مازن وسيظهر للفلسطينيين أن رئيسهم الجديد حقق لهم ما لم يتمكن ياسر عرفات من تحقيقه.
خامساً: شددت هذه الدول على ضرورة أن تبدأ إدارة بوش العمل الفعلي بالتعاون مع دول أخرى من أجل تنفيذ خطة "خريطة الطريق" وعدم الاكتفاء فقط بدعم خطة الانسحاب من غزة, وهذا التوجه يتطلب من إدارة بوش أن تؤمن انطلاق عملية تفاوض جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمناقشة القضايا الكبرى العالقة وأبرزها قضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات وكيفية إقامة الدولة الفلسطينية.
سادساً: طلبت هذه الدول من إدارة بوش أن تزيد مساعداتها المالية والاقتصادية إلى الفلسطينيين في المرحلة المقبلة وأن تشجيع الدول الأخرى المعنية وكذلك المؤسسات الدولية المختلفة على زيادة مساعداتها إلى الفلسطينيين لإعادة إعمار مناطقهم وهو ما يساعد على إنعاش آمال الشعب الفلسطيني بحل سلمي للنزاع.
سابعاً: أكدت هذه الدول أهمية إجراء إصلاحات عميقة وجذرية في مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها بما يشمل توحيد الأجهزة الأمنية ووضعها تحت سلطة رئيس الحكومة والقضاء على الرشوة والفساد وتعزيز الديمقراطية والشفافية, لكنها شددت في الوقت نفسه على أن هذه الإصلاحات لن تتحقق فعلاً إذا لم يحدث تقدم واضح وملموس على صعيد الحل السلمي للنزاع وإذا لم يشعر الفلسطينيون بأن الدول الكبرى قررت جدياً لجم ووقف خطط حكومة شارون "العدوانية التوسعية" ضدهم وقررت أيضاً تحسين ظروفهم المعيشية وأوضاعهم الإنسانية.
وأكدت المصادر ذاتها أن هذه الدول العربية والأوروبية حذرت إدارة بوش من أنه في حال رفضت وضع استراتيجية جديدة للتعاطي مع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي واكتفت بممارسة الضغوط على القيادة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية كل ما يجري, فإن أبو مازن سيضطر إلى الاستقالة من منصبه مما سيؤدي إلى انهيار القيادة الفلسطينية الجديدة وإلى حدوث فوضى شاملة وخطرة في المناطق الفلسطينية قد تقود إلى نوع من الحرب الأهلية.
الوطن-السعودية
12-1-2005