تقرير استخبارات أوروبي: تحالف بين القاعدة وأنصار صدام بمباركة دولة مجاورة تسعى لتصفية الحساب مع واشنطن
باريس: عبدالكريم أبوالنصر
حذرت أجهزة الاستخبارات في دول أوروبية بارزة معنية بمسار الأوضاع في العراق من أن تنظيم القاعدة تمكن من زرع عناصر موالية له في معظم المجموعات المسلحة المعادية لأمريكا في الساحة العراقية وأن للقاعدة حالياً "أنصاراً وحلفاء" في العراق أكثر مما لديه في أي بلد عربي آخر أو حتى في أفغانستان مما يجعل منه قوة مؤثرة على تطورات الأوضاع في هذا البلد.
وأوضحت أجهزة الاستخبارات هذه في تقرير سري شارك في إعداده خبراء من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى وتم رفعه إلى حكومات هذه الدول، أن تنظيم أسامة بن لادن نجح في تحقيق "هذا الاختراق المهم" في العراق نتيجة تحالف وثيق غير معلن أقامه مع عدد من أركان وكبار مسؤولي نظام صدام حسين وعلى رأسهم عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس السابق، وهو تحالف يلقى دعماً ومساندة من جهات إقليمية لديها مصلحة في "تصفية الحسابات" مع إدارة الرئيس بوش في الساحة العراقية ومنعها من إقامة نظام شرعي جديد مستقر موال لها في بغداد.
هذا ما كشفته لـ"الوطن" مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع ذكرت أن هذا التحالف "غير الطبيعي" بين تنظيم القاعدة وأنصار صدام حسين تم التوصل إليه بعد اجتماعات عدة عقدت بين ممثلين عن الطرفين في العراق وفي دولتين مجاورتين لديهما علاقات متوترة مع واشنطن. وقد لعبت شخصيات دينية عراقية سنية معروفة دوراً خفياً في تأمين قيام هذا التحالف الذي لولاه لن يستطيع أعضاء القاعدة وأنصارهم التحرك والعمل في العراق، إذ إن هذا التحالف هو الذي يؤمن "حماية شعبية" للمقاتلين المنتمين إليه بما يجعلهم قادرين على التحرك بسهولة نسبيا في مناطق عدة من بغداد و"المثلث السني".
وأكد تقرير أجهزة الاستخبارات الأوروبية أن هناك حالياً 35 مجموعة مسلحة ناشطة في المناطق السنية والمعادية للأمريكيين وأن الأغلبية الكبيرة من هذه المجموعات تضم أعضاء ناشطين من القاعدة أو من منفذي تعليمات تنظيم بن لادن. وأوضح التقرير بشكل محدد أن "الجيش الإسلامي في العراق" وهو من أبرز المجموعات المسلحة العراقية يضم في صفوفه الكثير من عناصر القاعدة الذين تدربوا في أفغانستان وحتى على مستوى القيادة، كما يضم عناصر تنتمي إلى نظام صدام حسين. كما أن تنظيم "جيش محمد" الذي يضم خصوصاً مسؤولين سابقين خدموا في أجهزة الأمن والاستخبارات في عهد صدام حسين يستعين بعناصر من القاعدة وينشط بالتنسيق مع تنظيم بن لادن. وأوضح التقرير الاستخباراتي الأوروبي أن "الجيش الإسلامي في العراق" يعمل وينشط بالتنسيق الوثيق مع مجموعة أبومصعب الزرقاوي بحيث يقوم بإمداد هذه المجموعة بالمقاتلين وبالأسلحة والمتفجرات عند الحاجة أو بالتفاهم مسبقا على تنفيذ عدد من العمليات والهجمات ضد القوات الأجنبية وأنصار النظام العراقي الحالي. وأشار التقرير إلى أن الحلف الجديد الذي نشأ بين أسامة بن لادن وأبومصعب الزرقاوي هو جزء من عملية الاستقطاب للقوى المعادية للأمريكيين الذي ينفذها تنظيم القاعدة بالتعاون مع أركان النظام السابق.
وكشف هذا التقرير الأوروبي أن هذا التحالف بين القاعدة وأنصار صدام حسين والقوى الأخرى لديه أهداف أساسية مشتركة يعمل على تحقيقها وأبرزها الأهداف الآتية:
أولاً: هذا التحالف ليس راغبا في انسحاب سريع للقوات الأمريكية والأجنبية من العراق ولو شكل مثل هذا الانسحاب انتصاراً له في حال حدوثه، بل إنه يريد إبقاء القوات الأمريكية أطول فترة ممكنة في هذا البلد لكي يتمكن المقاتلون المنتمون إليه من إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الأمريكيين وحلفائهم بحيث تتعرض أمريكا لهزيمة عسكرية - استراتيجية - سياسية - إعلامية كبيرة فتمتنع عن تكرار عملية غزو العراق في دول عربية أو إسلامية أخرى.
ثانيا: يخوض هذا التحالف حربا متعددة الجوانب وبوسائل وأساليب مختلفة ضد أربعة أنواع من الأعداء في الساحة العراقية هم: أولاً الأعداء الرئيسيون هم بالطبع الأمريكيون وحلفاؤهم، ثانياً جميع العراقيين والعرب والأجانب المتعاونين بأي شكل من الأشكال مع القوات الأجنبية، ثالثاً القوات العسكرية والأمنية والدفاعية العراقية التي يجري تدريبها وتجهيزها وتأهيلها بمساعدة أمريكا ودول أخرى، وذلك لمنع أي نظام جديد من امتلاك قدرات تمكنه من بسط سلطته على هذا البلد، رابعا النظام العراقي الحالي بكل مؤسساته وأجهزته ورجالاته ورموزه "لمعاقبته" على التعاون مع الأمريكيين ولمنعه من حكم هذا البلد.
ثالثاً: يريد هذا التحالف العمل بالتعاون مع مختلف القوى والأطراف المعادية لأمريكا على إقامة نظام إسلامي جديد يحكمه "تحالف وطني واسع" يضم الإسلاميين المنتمين إلى القاعدة أو إلى تنظيمات أخرى مشابهة وكذلك القوى المنشقة عن نظام صدام حسين ومختلف الأطراف الرافضة للأمر الواقع الجديد الذي فرضه الأمريكيون على هذا البلد وستكون المهمة الأولى لهذا النظام في حال قيامه، إلغاء كل القوانين والإجراءات التي اتخذها النظام الحالي بما في ذلك الدستور المؤقت واستبدالها بقوانين جديدة وبدستور مختلف عن الحالي بما ينسجم مع مبادئ وقناعات هذا التحالف.
رابعاً العمل انطلاقا من العراق على زعزعة الاستقرار في عدد من الدول العربية والعمل كذلك على مواصلة تطبيق خطة القاعدة التي كشفت مضمونها بوضوح عملية 11 سبتمبر 2001 ضد نيويورك وواشنطن والهادفة خصوصا إلى إشعال نزاع طويل بين العالم العربي - الإسلامي وبين العالم الغربي المتمثل بأمريكا وبالدول الأوروبية.
وعلمت "الوطن" من المصادر ذاتها أن أركان هذا التحالف يحاولون إنشاء وتشكيل خلايا لكل دولة من الدول العربية المستهدفة منهم بحيث تضم هذه الخلايا في وقت واحد مواطنين من هذه الدول وكذلك تضم مقاتلين عرب للتحرك في الوقت الملائم لتنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية مختلفة في هذه الساحة أو تلك.
وأوضحت المصادر الأوروبية المطلعة أن هذا التحالف ينفذ فعليا حرب استنزاف حقيقية ضد القوات الأمريكية والأجنبية وأنه يملك القدرات البشرية والمالية والتسلحية، خصوصاً في ضوء ما يتلقاه من بعض الدول المجاورة، لإبقاء العراق في حال من الفوضى الواسعة لبضع سنوات أخرى، مما يشكل تحديا كبيراً لتصميم الولايات المتحدة على عدم الانسحاب من هذا البلد أو التخلي عنه قبل إقامة نظام شرعي منتخب وقبل تحقيق استقرار نسبي فيه.
وفي الإطار نفسه ذكر تقرير جديد أصدره "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن وبإشراف أنطوني كوردسمان الخبير الأمريكي البارز في شؤون المنطقة العربية، أن المقاومين العراقيين والعرب يسيطرون فعليا على منطقة تتراوح مساحتها بين 6% و9% من مساحة العراق وهي منطقة تشمل أجزاء من بغداد ومن "المثلث السني"، وقد تمكنوا من تحويلها إلى ساحة انطلاق لعملياتهم ونشاطاتهم المختلفة وقد نجحوا، حتى الآن، في منع إدارة الرئيس بوش من إقامة نظام شرعي جديد منتخب في أجواء من المصالحة الوطنية، ومن تحقيق استقرار نسبي، ومن بدء إعادة إعمار العراق وإعادة الحياة الطبيعية إلى أبنائه.
الوطن-السعودية
14-1-2005