بقلم: هشام القروي
قراءة لمقالة سابقة لكونداليزا رايس تسلط الضوء عما هو قادم على يديها.
في هذه المقالة، يمكنك عزيزي القارئ أن تطلع على نموذج من تفكير وزيرة الخارجية الامريكية الجديدة، كوندوليزا رايس، بشأن مواضيع تهمك مباشرة، كفلسطين والعراق والحرية والديمقراطية،الخ. وقد آثرت أن أنقل اليك المقالة كما هي - أي دون تلخيص - عن "واشنطن بوست"، حيث نشرت بتاريخ 9 أغسطس/اب 2003. ولا أعتقد أن السيدة رايس غيرت تفكيرها بشأن هذه القضايا منذ ذلك الحين. وهي تستلم اليوم منصبا يدخلها في تماس مباشر مع العالم العربي، لذلك من الضروري أن نعرف كيف تفكر، وماذا تفكر.
ودون اطالة، اليكم المقالة:
كرست الولايات المتحدة نفسها بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الثانية لتغيير طويل الأمد في أوروبا. انصرف صنّاع السياسة عندنا بعد استيعاب فاتورة الخسائر البشرية والدمار، بما في ذلك مئات الآلاف من ارواح الاميركيين، الى بناء اوروبا بطريقة لا يمكن معها مجرد التفكير بوقوع حرب اخرى فيها. والتزمنا نحن وشعوب اوروبا برؤية للديموقراطية والازدهار، ونجحنا معا في تحقيقها.
يجب على اميركا وحلفائها واصدقائها ان يكرسوا انفسهم اليوم لإحداث تحول بعيد المدى في منطقة اخرى من العالم: الشرق الاوسط. ويقل اجمالي الناتج المحلي في الشرق الاوسط - وهو منطقة مؤلفة من 22 دولة يقطنها 300 مليون نسمة - عن الناتج المحلي في اسبانيا التي يبلغ عدد سكانها 40 مليونا. انها متخلفة بسبب ما يسميه مثقفون عرب بارزون "عجزا في الحرية" السياسة والاقتصادية. وفي نواح كثيرة، يوفر الشعور باليأس الارض الخصبة لايديولوجيات الكراهية التي تغوي اشخاصا بهجر التعليم الجامعي والمهن والعائلة ليتحول طموحهم الى تفجير انفسهم، والقضاء على اكبر عدد ممكن من الابرياء.
هذه المكونات تشكل وصفة لعدم استقرار اقليمي وتفرض تهديدا مستمرا لأمن اميركا.
مهمتنا هي العمل في الشرق الاوسط مع اولئك الذين يسعون الى التقدم نحو ديموقراطية اكبر والتسامح والازدهار والحرية. ووفقا لما قال الرئيس بوش في شباط "للعالم مصلحة جلية في انتشار القيم الديموقراطية، لان الامم الحرة والمستقرة لا تغذي ايديولوجيات القتل، بل تشجع على البناء السلمي لحياة افضل".
لنكن واضحين: ذهب التحالف وأميركا الى العراق لان نظام صدام حسين شكل تهديدا لامن الولايات المتحدة والعالم. كان نظاما سعى الى الحصول على اسلحة الدمار الشامل واستخدمها وامتلكها. كان على صلة بالارهاب اجتاح مرتين دولا اخرى، تحدى المجتمع الدولي و17 قرار دوليا طوال 12 عاما واعطى كل ما يلزم من مؤشرات على انه لن ينزع ابدا اسلحته ولن يخضع مطلقا للمطالب الدولية المحقة.
انتهى اليوم هذا التهديد. ومع تحرير العراق، تبرز فرصة استثنائية لتقدم جدول اعمال ايجابي للشرق الاوسط يعزز الامن في المنطقة وبالتالي في العالم. ونرى بالفعل براهين على السير قدما في السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
في قمة البحر الاحمر في حزيران، وقف الاسرائيليون والفلسطينيون والدول العربية المجاورة متحدين خلف رؤية الرئيس التي حددها سابقا. وهي رؤية تقوم على مفهوم دولتين : اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا الى جنب بسلام وأمن. ويتزايد تفهم القادة الاسرائيليين ان من مصلحة اسرائيل ان يحكم الفلسطينيون انفسهم في دولة قادرة على الحياة تكون مسالمة وديموقراطية وملتزمة بمحاربة الارهاب، فيما يترسخ لدى القادة الفلسطينيين مفهوم ان الارهاب ليس وسيلة لاقامة دولة فلسطينية بل على العكس فهو يشكل العقبة الكبرى امام الدولة.
وعززت كذلك نهاية نظام صدام حسين التقدم الجاري في المنطقة. لقد دعا المثقفون العرب حكوماتهم الى معالجة "العجز في الحرية". وتحدث القادة الاقليميون عن ميثاق عربي جديد يركز على الاصلاح الداخلي وتوسيع المشاركة السياسية والانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة. وتتخذ الحكومات، من المغرب الى الخليج، خطوات حقيقية نحو الانفتاح الاقتصادي والسياسي. وتدعم الولايات المتحدة هذه الخطوات، وسنعمل مع اصدقائنا وحلفائنا في المنطقة من اجل المزيد.
وستزداد الفرص ما ان يستبدل نظام صدام حسين بحكومة عراقية عادلة وإنسانية ومبنية على المبادئ الديموقراطية. وعلى غرار ما اصبحت المانيا الديموقراطية قطب الرحى في اوروبا جديدة التي تنعم اليوم على امتدادها بالحرية والسلام، يمكن ان يصبح التغيير في العراق عنصرا رئيسيا في شرق اوسط مختلف للغاية لا تزدهر فيه ايديولوجيات الكراهية. وبعد حوالى مئة يوم من انتهاء المعارك الكبرى في العراق، استعاد الشعب العراقي بلده وباشر السير نحو مستقبل يسوده الامل. وستعمل اميركا، طالما ان هذا التحول متواصل، مع الدول الاخرى على مساعدة العراقيين لتحقيق المزيد من الامن والمزيد من الفرص.
لن يكون تغيير الشرق الاوسط سهلا، وسيستغرق وقتا. وسيتطلب تدخلا اوسع من اميركا واوروبا وكل الامم الحرة، لتعمل بشراكة كاملة مع سكان المنطقة ممن يشاركوننا ايماننا القوي بالحرية الانسانية. هذا ليس التزاما عسكريا في الدرجة الاولى لكنه يتطلب منا اشراك جميع اوجه قوتنا الوطنية الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. على سبيل المثال، اطلق الرئيس بوش مبادرة الشراكة في الشرق الاوسط بهدف ربطنا معا في بناء مستقبل افضل من خلال مشاريع محددة. واقترح اضافة الى ذلك انشاء منطقة للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والشرق الاوسط في غضون عقد، لتوسيع دائرة الفرص امام شعوب المنطقة.
وعلى الرغم من جميع مشكلاته، يشكل الشرق الاوسط منطقة تزخر بقدرات كامنة هائلة. انه مكان ولادة ومقر وحي لثلاثة من اعظم اديان العالم، ومركز تاريخي للعلم والتسامح والتقدم. وهو يحفل بالأناس الموهوبين والاذكياء الذين يستطيعون المشاركة بتقدم عصرنا الراهن عندما ينعمون بحريات اقتصادية وسياسية اوسع وبتعليم اكثر حداثة.
اميركا مصممة على مساعدة شعوب الشرق الاوسط على التمتع بكل قدراتهم. وسنعمل على ذلك لاننا نريد قدرا اكبر من الحرية والفرص لشعوب هذه المنطقة كما نريد امنا اكثر لشعوب اميركا وباقي العالم.
ميدل ايست اون لاين
17-1-2005