بالنسبة الى المحليين في مقاطعة شانشي، في اي مكان كانوا، هناك شيء لا ينسوه ابدا، الا وهو الاطعمة المعدة من دقيق القمح او الطحين مثل الشعرية المسلوقة والخبز المقلي حيث تشكل الاطعمة المتنوعة المعدة من الطحين عاملا اساسيا في الوجبات الثلاث لابناء مقاطعة شانشي، اذا لم يأكلوا الاطعمة المعدة من دقيق القمح يوما، يشعرون بان شيئا ما ينقصهم.

تحدث السيد وانغ يي مينغ احد ابناء مقاطعة شانشي والمقيم في بكين منذ فترة طويلة تحدث معنا حول هذا الموضوع بحيوية ونشاط قائلا:

"عندما أتذكر الايام التى أكلت فيها الاطعمة المعدة من الدقيق في مسقط رأسي شانشي، اشعر بسعادة بالغة، وبعد وصولى الى بكين، واظبت على زيارة مطعم خاص يقدم هذه الاطعمة، وعادة ما اذهب اليه بالتاكسي مساء بثلاثين او اربعين يوانا صينيا، واتناول بعض الاطعمة المعدة من الدقيق بعدة يوانات صينية فقط، لكن اعتقد ان الامر يستحق العناء."

يشعر معظم ابناء مقاطعة شانشي الذين يعيشون في المقاطعات الاخرى بالسعادة البالغة عندما يأكلون الاطعمة الاصيلة لمنطقتهم مثل السيد وانغ، اذن، لماذا يحب ابناء هذه المقاطعة الاطعمة المعدة من دقيق القمح الى هذه الدرجة؟

تقع مقاطعة شانشي في شمال غربي الصين وعلى ضفة النهر الاصفر ثاني اكبر الانهار بالصين، وتتمتع بمناخ معتدل، لذلك، تكثر فيها زراعة القمح والذرة والحنطة السوداء والذرة الرفيعة الحمراء، كما يقول المثل "لكل ارض ابناؤها"، فمن الطبيعي ان يفضل ابناء شانشي اكل الاطعمة المعدة من الدقيق بفضل تنوع الحبوب الغذائية في مقاطعتهم.

يبذل ابناء مقاطعة شانشي جهدا واضحا لاعداد الاطعمة المتنوعة اللذيذة من الدقيق، ويستطيعون اعداد الخبز المبخر وجدائل الخبز بالعجين المخمر، كما يستطيعون اعداد بعض الحلوى والمعجنات المقلية الاخرى بمختلف الاشكال، ويعدون ايضا الشعرية الطويلة او القصيرة، الغليظة او الرفيعة.

وقال الطاهي الخاص باعداد الاطعمة بالدقيق السيد ليو دانغ تشنغ للمراسل:

"ان الاطعمة المعدة من الدقيق في مقاطعة شانشي متنوعة جدا، وتوجد الاطعمة المبخرة والمشوية والمقلية والمسلوقة، وهناك قول في مقاطعة شانشي مفاده "لكل قطعة من العجين مائة اسلوب للاعداد، ومائة اسلوب للاكل"، وتستطيع ربة بيت عادية اعداد ثلاث وجبات من الطحين خلال شهر واحد لك ولكنك لن تجد وجبتين متماثلتين."

واوضح السيد ليو ان الشعرية المشروحة هى من اشهر اربعة اطباق واكلات معدة من الطحين في مقاطعة شانشي، ويحضر هذا النوع من الشعرية بالطريقة التالية: يحمل المعد قطعة من العجين بيد، ويمسك السكين باليد الاخرى، ولا تفترق السكين عن العجين، ويقطع العجين الى شرائح يضعها مباشرة في مياه مغلية في قدر يبعد عنه متر تقريبا، ويبلغ طول الشريحة حوالي 8 سنتيمترات، وشكلها مثل ورقة الصفصاف. اما اعداد الشعرية الممطوطة، وفيعتمد على مهارة اليد وبهذا الاسلوب: اولا، برم العجين ولفه في الهواء، ومطه بقوة ليصبح طويلا ثم ثنيه ثم مطه مرة اخرى بقوة وكرر ذلك مرات، واصبح العجين اخيرا شعرية رفيعة مثل الاسلاك الفضية، وتوضع هذه الشعريات الممطوطة الرفيعة في القدر لسلقها، وبعد ذلك اخراجها من الماء المغلي وخلطها بالمرق فاصبحت طعاما لذيذا منعشا.

يعتبر اكل الاطعمة المعدة من الدقيق في مقاطعة شانشي متعة، ومشاهدة عملية اعداد هذه الاطعمة هى تمتع اخر بفن جميل، وعندما تعد ربة البيت الشعرية المشروحة، تضع العجين على احدى كتفيها، وتجعل الشرائح المقطوعة تطير الى القدر مثلما تتساقط اوراق الصفصاف بفعل الرياح.

اندمجت مشاعر ابناء شانشي العميقة ازاء الاطعمة المعدة من دقيق القمح في مختلف جوانب حياتهم، ويأكلونها في يوم عيد الميلاد وعيد الربيع التقليدي الصيني، واليوم الاول لالتحاق اولادهم بالمدرسة. وبالنسبة لابناء شانشي، لم تعد الاطعمة المعدة من الدقيق مجرد الوجبات اليومية لمعالجة الجوع فحسب، بل اصبحت غذاء روحيا مليئا بالمشاعر.

وقد يعتقد البعض ان هذا النوع من الاطعمة اذا استمر لمدة طويلة قد يؤدى الى سوء التغذية بين ابناء المقاطعة، لكن اذا زاروا هذه المقاطعة فسيزول هذا القلق، وستجدون ان المحليين نشطاء واقوياء جدا، وان المسنين المعمرين كثيرون، وخاصة في بعض المناطق الجبلية تتمتع الفتيات بصحة جيدة وتتورد وجنتاهن كتفاحتين ناضجتين، واوضح السيد ليو دانغ تشنغ الذى يعرف الاطعمة المعدة من الدقيق جيدا في هذه المقاطعة قائلا:

"في الحقيقة، لا يأكل ابناء مقاطعة شانشي اناء شعرية فقط، واذا ذهبتم الى الارياف فستجدون ان ما يقدم لكم ليس اناء من الشعرية فقط، بل تمتلئ المائدة بالخضروات المتنوعة مثل الخيار والفجل وبراعم الفول الاخضر، بالاضافة الى البهارات مثل معجون الصويا المحمر والبصل المفروم المخلل وزيت الفلفل والثوم المبروم، وتتناولون الاغذية مع اكل الشعرية."

يقال ان الرحال الايطالي المشهور ماركو بولو كان قد زار مقاطعة شانشي مرتين في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم عاد ببعض الاطعمة الصينية المعدة من الدقيق الى بلاده، وبعد ذلك، اخذ الايطاليون يحبون الشعرية الصينية ايضا وعلى اساس هذه الاطعمة الصينية انتجوا المكرونة الايطالية المشهورة في العالم، وفي الوقت الحالي، لا تتمتع الاطعمة المعدة من دقيق القمح في مقاطعة شانشي الصينية بشهرة واسعة مثل المكرونة الايطالية، ولكنها تشبه فتاة جميلة خجولة تختفي في خدرها بانتظار اكتشافها والاستمتاع بها من الناس، واذا اتيحت لكم فرصة لزيارة مقاطعة شانشي، فلا تنسوا التمتع بالاطعمة الشهية المعدة من الدقيق هناك.