بنيت الدور القديمة الكبرى فى مقاطعة شانشى خلال عهود اسرة مينغ واسرة تشينغ الملكيتين، وتتميز برحابة بنائها ودقة اساليبها المعمارية. ورغم مرور مئات السنين، لكن ملامحها لم تتغير كثيرا، وما زالت مهيبة وفخمة.ومن اشهر هذه الدور دور اسرة تشياو الكبرى.

تحيط بدور اسرة تشياو القديمة جدران عالية وسميكة من الطوب الرمادى. وبعد دخول بوابة الدار الكبيرة، تجد ممرا مستقيما مرصوفا بالحصى يقسم الدار الكبيرة الى نصف جنوبى وآخر شمالى، ويحتوى كل نصف على ثلاثة دور منظمة متتالية. وعند نهاية الممر معبد يمجد اسلاف هذه الاسرة.

تغطى الدار الكبرى مساحة نحو 9000 متر مربع من الارض، وتضم ستة دور داخلية مرتبة بشكل جميل ومنسق. قال السيد يانغ قوانغ السائح من مقاطعة قويتشو جنوب غربى الصين قال بتأثر خلال زيارته لهذه الدور: هذه هى المرة الاولى التى ازور فيها المساكن الشعبية فى شمال الصين، ويعجبنى كثيرا لون هذه الدور، ان اللون الرمادى الاساسى بالتنسيق مع اللون الاحمر واللون الاسود يجعلها جميلة جدا ويتفق مع مقاييس الجمال للمعاصرين ايضا.

ها قد وصلنا الى اقدم دار من هذه الدور، بعد المرور بردهة تعرض فيها منقوشات خشبية رائعة، يصادفنا جدار حاجز من الطوب يبلغ ارتفاعه اكثر من مترين. وقيل انه جدار يستخدم لصد الاشرار، نقشت عليه صور لثلاث آلهة هى اله السعادة واله المناصب العالية واله العمر المديد، وتتخللهم صور للكراكى و اشجار الصنوبر والايائل التى تعتبر رموزا للعمر الطويل والبركات. وعلى جانبى الدور غرف جانبية كان يسكن فيها خدم اسرة تشياو، اما الغرف التى كان يقطنها اصحاب هذه الدور فتقع فى نهاية الدار الكبرى، واعلى بكثير عن الغرف الجانبية، والمواد المستخدمة لبنائها افضل مما استخدم فى بناء الغرف الجانبية.

يرى السيد وو ليانغ يونغ المهتم بالبحوث المعمارية ان دور اسرة تشياو هى نموذج للمبانى الشعبية فى شمالى الصين. اذ قال: ان مواد البناء الرئيسية التى استخدمت فى تشييد هذه الدور هى الخشب والطوب. وتتميز هذه الدور بكثرة المنقوشات الدقيقة التى تزخرف الجدران والابواب والنوافذ.

بدأ بناء الدور الكبرى لاسرة تشياو فى اواسط القرن الثامن عشر، وخلال اكثر من 200 عام بعد ذلك، تم توسيعها عدة مرات، وانفقت لهذا الغرض الكثير من الاموال الفضية، ثم اصبحت فى حجمها الحالى. تضم الدور حاليا اكثر من 300 غرفة. وتعرض داخلها بعض المفروشات الجميلة والرائعة التى كان يستخدمها اصحاب هذه الدور.

توجد فى مقاطعة شانشى العديد من الدور المماثلة لدور اسرة تشياو، ومنها دور اسرة تشوى ودور اسرة تسانغ ودور اسرة وانغ. وكل دار تمثل دليلا صامتا على الثروة والجاه اللتين يتمتع بهما اصحاب هذه الدور، اذن، كيف بنى تجار مقاطعة شانشى هذه الدور الفاخرة؟

شهدت التجارة الصينية تطورا سريعا خلال الفترة بين اسرة مينغ واسرة تشينغ الملكيتين. وحينذاك، نزح كثير من اهالى شانشى من موطنهم سعيا لايجاد فرص تجارية فى مقاطعات اخرى، ذلك لان مقاطعة شانشى تقع داخل البلاد، وتعانى من شح الاراضى الزراعية والموارد الاخرى. ان الاغنية الفولكلورية التى استمعتم اليها قبل قليل هى اغنية تعبر عن حزن الزوجة التى ودعت زوجها. نجح بعض اهالى شانشى فى التجارة بالاعتماد على جهدهم وذكاءهم، وانتشرت محلاتهم التجارية تدريجيا فى كافة انحاء البلاد حتى وصلت دول جنوب شرقى آسيا.

وبعد عودة هولاء التجار الاغنياء الى موطنهم، انفقوا اموالا ضخمة فى بناء مساكنهم، فظهرت تدريجيا هذه الدور الفخمة. ان المدينة الاكثر جمعا لهذه الدور هى مدينة بينغ ياو وسط مقاطعة شانشى والتى ادرجتها منظمة اليونسكو للامم المتحدة ضمن قائمة التراث الثقافى العالمى عام 1997. واذا تجولت فى مدينة بينغ ياو القديمة البالغة مساحتها كيلومترين مربعين، يمكن ان تجد هذه الدور الفاخرة هنا وهناك.

جدير بالذكر ان اول دكان صرافة صينى --- كان بمثابة بنك تأسس فى مدينة بينغ ياو. وكانت العملة الرئيسية المتداولة فى اسرة تشينغ هى الفضة التى كان يصعب حملها اثناء الاعمال التجارية، الامر الذى دفع تجار مقاطعة شانشى الاذكياء الى انشاء اول محل صرافة فى مدينة بينغ ياو، ثم طوروه وفتحوا امثاله فى كافة انحاء البلاد. ويمكن تحويل الاوراق المالية الموثوقة فى محل الصرافة الى عملة فضية فى محلات صرافة اخرى.

وما زال اول دكان صرافة " رى شنغ تشانغ " محفوظا فى مدينة بينغ ياو حتى اليوم، وكان له اكثر من 40 فرعا تنتشر فى كل انحاء البلاد. وكانت كمية الفضة المتداولة فيها تصل الى نحو مائة مليون غرام كل سنة.

قال السيد فان شاو شين البالغ من العمر 82 عاما والذى عمل جده كشخص موثوق به فى دكان صرافة "رى شنغ تشانغ " ان الدكان بدأ اعماله فى بداية القرن التاسع عشر، ثم طور اعماله الى سنغافوره وماليزيا والفليبين وغيرها من الدول.

كانت دكاكين الصرافة التى فتحها تجار مقاطعة شانشى تتحكم فى شريان حياة اقتصاد اسرة تشينغ اخر اسرة امبراطورية صينية لاكثر من مائة سنة، وبعد تعاقب السلطات والحروب الاهلية بين امراء الحرب، خبأ بريق تجار مقاطعة شانشى، ولم يعد بريقها الا فى المنقوشات الطوبية والخشبية الرائعة والبوابات الشاهقة فى الدور القديمة الكبرى.