تعتبر صناعة الدواء من أضخم الصناعات العالمية، إذ يبلغ استهلاك العالم ما يزيد عن 300 مليار دولار سنوياً، وتستهلك الدول الصناعية التي يقطنها حوالي 14% من سكان العالم نحو 240 مليار دولار من الدواء، بينما تستهلك الدول العربية والتي تشكل 45% من سكان العالم، حوالي 5,4 مليار دولار فقط• وتتصدر الإمارات قائمة دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى من حيث استهلاك الفرد من الدواء سنوياً• فبينما يبلغ متوسط استهلاك الفرد من الدواء حوالي 52 دولاراً في دول الخليج العربي و20,3 دولار في دول عربية أخرى، يصل في دولة الإمارات إلى حوالي 80 دولاراً•
ونشرت غرفة تجارة وصناعة دبي تقريراً موسعاً في نشرتها الاقتصادية الشهرية بعدد يناير الجاري حول سوق الدواء في دبي، تناولت فيه تجارة دبي الخارجية في المنتجات الدوائية حيث بلغ إجمالي قيمة واردات دبي من الدواء في عام 2003 نحو 911,4 مليون درهم، بمعدل زيادة قدره 21,6% عن عام ،2002 ولم تتعد قيمة الصادرات 37,1 مليون درهم، وإن سجلت زيادة قدرها 52,5 %، بينما ازدادت إعادة الصادرات بمعدل 37,1% لتبلغ 84,1 مليون درهم•
وشكلت الأدوية للاستعمالات العلاجية أو الوقائية، التي توضع في عبوات أو أشكال مخصصة للبيع بالمفرق السواد الأعظم من تجارة دبي الخارجية في المنتجات الدوائية ففي عام ،2003 شكلت هذه الأدوية 81,8% من إجمالي الواردات و99,9% من إجمالي الصادرات و71% من إجمالي إعادة الصادرات•
وتعد أسعار الدواء مرتفعة نسبياً في الإمارات مقارنة مع الدول الأخرى، ويعزى ذلك إلى أسباب عدة منها، عدم وجود قاعدة صناعية ضخمة في مجال الدواء تنتج الكميات الكافية لتغطية حاجة السوق المحلي ما يجعل الشركات الأجنبية المنتجة تتحكم في الأسعار بشكل أساسي• كما أن سوق الإمارات صغيرة نسبياً ما يؤثر في التكلفة الإجمالية ويبقيها مرتفعة• أضف إلى ذلك أن طبيعة تجارة الدواء تتطلب أطباء وصيادلة وكوادر فنية مؤهلة علمياً ومتخصصة وتعتبر من ذوي الأجور المرتفعة نسبياً• كما أن تكلفة حفظ الأدوية وتخزينها تحت ظروف ملائمة تتطلب اتخاذ احتياطات أكثر دقة كاستخدام ثلاجات ومبردات خاصة وأجهزة تكييف تعمل على مدار العام، ما يسهم بشكل أو بآخر في رفع أسعار الأدوية•
وتعد وزارة الصحة الجهة الوحيدة المسؤولة عن تحديد أسعار الدواء في الإمارات، ويحدد سعر أي دواء من الوكيل المعتمد إلى الصيدليات الخاصة•
ورغم ذلك، فإن أسعار الدواء تشهد تذبذباً بين الحين والآخر بين الارتفاع والانخفاض النسبي ولكنها دائماً تعتبر مرتفعة• ويشمل التذبذب الأدوية المستوردة والمحلية على السواء الأمر الذي تفسره أوساط صناعة الدواء المحلية على أنه بسبب ارتفاع أسعار وتكلفة المواد الخام وارتفاع تكاليف العمالة المتخصصة•
ونتيجة لذلك، تتجه وزارة الصحة إلى تقسيم أصناف الأدوية المتداولة في السوق إلى ثلاث مجموعات تبعاً لأسعار بيعها للجمهور، بحيث يتراوح هامش الربح فيها ما بين 25% و 50% بدلاً من 55% المطبقة حالياً على جميع الأصناف•
وتضم المجموعة الأولى أصناف الأدوية التي يزيد سعرها عن 500 درهم، حيث يكون هامش الربح على هذه المجموعة ما بين 25% و 35%، والمجموعة الثانية تشمل أصناف الأدوية التي يتراوح سعرها ما بين 200 و 300 درهم، ويكون هامش ربحها 35% و45%، أما المجموعة الثالثة فهي أصناف الأدوية التي يقل سعرها عن 200 درهم، ويكون هامش ربحها 50%• ويهدف هذا التقسيم إلى ضبط سوق الدواء وإيجاد نوع من التوازن بين القدرة الشرائية وسعر الدواء، بحيث يقترب قليلاً من السعر الموجود في بقية دول مجلس التعاون الخليجي•
ومع تطبيق اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية ''تريبس'' والتي وقعتها حتى الآن 143 دولة من بينها الإمارات، بدأت المخاوف تتزايد حول مستقبل الصناعة الوطنية بسبب المنافسة القوية مع شركات صناعة الأدوية العالمية• وأظهرت نتائج استبيان أعدته غرفة تجارة وصناعة دبي في الربع الأخير من عام 2004 حول تقييم أثر اتفاقية ''تريبس'' على الأسعار والنوعية وحجم الإنتاج أن المرحلة التي ستلي تطبيق الاتفاقية وما سيترتب عليها من نتائج هي أكثر المراحل ضبابية، إذ تفاوتت الآراء في تقييم اثر الاتفاقية على الأسعار والنوعية وحجم الإنتاج•
فبينما أجمع 58% ممن استطلعت آراؤهم أن الأسعار سترتفع، رأى نحو 49% أن تطبيق الاتفاقية سيكون لصالح النوعية• أما بالنسبة للإنتاج فيرى 41% ممن استطلعت آراؤهم بأنه سيرتفع •
وأظهر الاستبيان أن سوق الأدوية يواجه عدداً من العراقيل والمعوقات أهمها معوقات تتعلق بالنظم والقوانين، تليها مشاكل التمويل فالعمالة المتخصصة تتبعها معوقات الاستيراد، بينما جاءت التكنولوجيا المؤهلة والتصدير في ذيل المعوقات والعراقيل• وسوف يؤثر تطبيق الاتفاقية على شركات الأدوية التي تقوم بإنتاج الأدوية الحديثة والتي تتمتع بالحماية وفقا لقانون براءات الاختراع الاتحادي• لذلك، على شركات الأدوية الوطنية أن تبدأ باستغلال براءات الاختراع التي سقطت في الملك العام بوصفها سبيلاً لنقل تكنولوجيا صناعة الدواء المتقدمة تدريجيا إلى دولة الإمارات• وفي هذا السياق، يجب السعي إلى الدخول في شراكات مع شركات دواء عالمية وخاصةً في مجال الأبحاث والدراسات•
ومن الممكن أيضاً إجراء عمليات اندماج في صناعة الدواء على المستويين الخليجي والعربي لتعزيز القدرات البحثية والإنتاجية والتسويقية لمصانع الدواء ورفع قدرتها التنافسية، إذ أن ذلك سيوفر الأموال التي تتطلبها عمليات البحث والابتكار العلمية لهذه الصناعات المتقدمة• وبشكل عام، ولكي ترتقي الصناعة الدوائية الوطنية إلى مستويات أعلى، فإنه من الضروري إزالة كافة العوائق المتعلقة بالنظم والقوانين من خلال تسهيل الإجراءات وتقليص تكاليفها، إضافة إلى توفير التمويل اللازم لتحديث التكنولوجيا، وتخفيض الأسعار وجعلها مـــــوازية لأســـــعار الــــدواء في المنطقة عموماً، ومنع الصيدليات من التلاعب بالأسعار عبر ثغرات قد تجدها في القوانين رغم سياسة توحيد الأسعار•
الاتحاد-الامارات
31-1-2005