كانت مدينة فينيس أو البندقية التي أصبحت الآن من أهمّ المراكز الثقافية في أوربا كانت مدينة تجارية جميلة في شمال إيطاليا، وقبل 600 سنة وصلت هذه المدينة ذروتها على الصعيد السياسي والاقتصادي، وبعد ذلك تفاقم الوضع الاقتصادي في المدينة ووجد سكانها طريقة جديدة للحياة وهى قضاء الصيف في الريف.
كانت القلاع الريفية في بداية نشأتها بسيطة ومشابهة للمباني السكنية في مدينة البندقية. فبنيت قلعة لوليدان في أوائل القرن السادس عشر، وتعود لأسرة ثرّيّة نبيلة في المدينة. شكلها مجسم وبسيط، والجزء الوحيد الذي يلفت الأنظار هو المدخنتان المنتصبتان وراءها. وفي الطابق الثاني صالة عمقها نفس عمق المبنى حيث كان صاحب القلعة يقيم فيها نشاطات الاحتفال ومراسم الاستقبال. على جدران الصالة رسوم جدارية جميلة ودقيقة للغاية، وتجسد معظم مضامينها الأساطير الإغريقية، وهدف ذلك التباهي بعلوّ المستوى الأدبي والمعرفي لصاحب القلعة.
وكانت قلعة جوستي قصرا ريفيا أيضا في القرن السادس عشر، ويمكننا أن نرى خصائص القصور في منطقة فينيتو (VENETO) وهى ارتباط المباني الوثيق بالزراعة. فبجانب المبنى الرئيسي بنايات مختلفة خاصة للمزرعة منها مخازن للزيت والأرز. ولم تكن الحياة في تلك القصور للتسلية والحفلات فقط، بل كان أصحابها يديرون أعمال فلاحيهم لزيادة أرباح قصورهم وبساتينهم. وهدف ذلك تنمية الثقافة والزراعة في آن واحد.
ومنذ القدم عرف الإغريقيون فعالية المناظر الجميلة المفيدة لصحة الناس. وفي عصر النهضة الثقافية في القرن السادس عشر عاد الناس الى الاهتمام بهذه الفكرة. لذلك غالبا ما كانوا يختارون مواقع القصور دائما على تلال عالية، حتى يخفّف النسيم المنعش حرارة الصيف. كما هو الحال مع فيلاّ ويسكوفي التي بينت على تلّ اصطناعي، وشكلها شكل قصر فخم.
بنيت هذه القلعة عام 1535 وكانت مصيفا لمطران بادوفا (Padova ). ذهب المطران مع مهندسيه المعماريين الى روما لدراسة المباني القديمة هناك. وقلّد تصميم هذا المبنى أسلوب مباني روما القديمة، الذي يجمع بين الفخامة الكلاسيكية والجمال الزاهي. وتختلف هذه القلعة عن الأخرات بأنها غير صالحة للزراعة، ويتجسد حب صاحبها للحياة الريفية في رسومات جدرانها فقط.
ولد أندليا باراديو عام 1508 في بادوفا شمال إيطاليا، وأصبح بسرعة مهندسا معماريا مشهورا هناك. وصمم وبنى عشرين فيلا في حياته، وأثرت هذه الأعمال المعمارية في الأجيال القادمة من المصممين المعماريين. وفي عام 1553، صمم وبنى أندليا فيلا كورنالو. تذكّر واجهة الفيلا الزوار بالمعابد القديمة في اليونان وروما، أما واجهتها الخلفية فكانت فخمة مثل الواجهة، وتحيطها حديقة كبيرة. يتجاوز ارتفاع صالة الاستقبال ارتفاع طابقين من مبنى عادي، وتسند سقفها أعمدة ضخمة، الأمر الذي يضفي عليها هالة من الوقار والهيبة. وحسب تصميم أندليا باراديو تكون كل الزخارف في الصالة المركزية بيضاء، وفي الغرف الأخرى رسوم جدارية ملونة.
كان الأدباء والفنانون يجتمعون دائما في هذه القلعة ليعرضوا المسرحيات ويقيموا حفلات موسيقية، ولم يتجاهلوا الزراعة. واعتقدوا أن الانسجام بين الصحة العقلية والصحة البدنية هام جدا في الحياة الرفيعة المستوى.
وبقيت حتى اليوم قرابة 3000 فيلاّ في ضواحي مدينة البنقدية الإيطالية، ولكن معظمها تعرض للإهمال ويواجه الانهيار. وفي الحدائق الجميلة المحيطة بهذه الفيلات تماثيل دقيقة النحت، تساعد الناظر في تخيل الحياة الريفية الهادئة والشاعرية في فينيتو.