رسالة فيينا : مصطفي عبدالله
وافق قرار منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك الأخير التصريحات التي أطلقها مسئولو المنظمة قبل أيام من عقد المؤتمر الوزاري الاستثنائي بالعاصمة النمساوية فيينا, مما بث الطمأنينة في الأسواق بتثبيت سقف الإنتاج, وذلك في اليوم نفسه الذي شهد فيه العراق أول انتخابات بعد سقوط النظام السابق, ولم تتأثر فيه الصادرات النفطية لعدم تعرض أنابيب النفط لأي عمليات تخريبية من قبل الجماعات المسلحة في العراق رغم أن البعض وصف هذا اليوم بأنه دام. وقد ساعد القرار في تعزيز استقرار أسعار النفط الخام مع بدء أول يوم عمل في أسواق البترول العالمية والبورصات الدولية وظل كذلك حتي كتابة هذا التقرير بمساهمة عوامل أخري مثل زيادة مخزونات النفط الأمريكي وانتهاء فترة البرودة في منطقة شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر من أكثر مناطق العالم استهلاكا لوقود التدفئة في فصل الشتاء. وأعطي القرار لرئيس المنظمة الحالي وزير النفط والطاقة الكويتي الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح صلاحية عقد اجتماع علي الهاتف مع بقية الوزراء إذا طلبت أوضاع الأسواق القيام بذلك.فالقرار وإن كان قد أبقي علي سقف الإنتاج الحالي البالغ سبعة وعشرين مليون برميل يوميا, إلا أنه من ناحية أخري أجاز إصدار قرار بخفض الإنتاج قبل عقد المؤتمر الوزاري العادي في مدينة أصفهان الإيرانية في السادس عشر من شهر مارس المقبل إذا رأي الوزراء أن الطلب سينخفض علي النفط مع بداية الربع الثاني من العام الجاري وفقا للتوقعات المعتادة مما قد يكون له تأثير سلبي علي الأسعار. فقد أكدت التقارير أن أي خفض في الإنتاج من جانب أوبك سيكون كبيرا وليس رمزيا وسيبدأ العمل به إما من أول مارس أو من أول أبريل الذي يتوقع أن تهبط فيه الأسعار بشكل كبير حيث ينتهي فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.وأضافت هذه التقارير أن أوبك ستدرس عاملين أساسيين قبل التوصل إلي قرار بشأن خفض الإنتاج قبل الاجتماع التالي هما الفترة التي تغطيها المخزونات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبيانات المخزونات المباشرة, مع الوضع في الاعتبار قلق دول أوبك في حالة زيادة الفترة التي تغطيها المخزونات علي المتوسطات السائدة منذ فترة طويلة من52 يوما إلي60 يوما.
ويري كثير من المحللين أن أسواق النفط جاوزت بالفعل حواجز الخوف الرئيسية التي دفعت الأسعار لتقترب من معدل الخمسين دولارا.. فالانتخابات العراقية أجريت دون تأثير علي الصادرات النفطية, كما أن الأحوال الجوية في شمال شرق الولايات المتحدة ليست مخيفة مثلما كانت قبل نحو أسبوع من عقد مؤتمر أوبك.وتعتبر أوبك أن قفز أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية قبل المؤتمر كان لأسباب مؤقتة تتمثل في العوامل النفسية مثل المخاوف من موجة باردة في الولايات المتحدة بعد انخفاض درجات الحرارة ثم ما أعقبها من عاصفة ثلجية والقلق وترقب الأسواق لاجتماع المنظمة المقبل, بالإضافة إلي النمو القوي في الطلب علي النفط في الصين ومخاوف من تعرض أنابيب النفط في العراق إلي هجمات من قبل الجماعات المسلحة. كما كشفت أوبك عن توقعاتها بارتفاع الطلب علي النفط الخام في النصف الأول من العام الحالي إلي28,56 مليون برميل يوميا أي بزيادة قدرها390 ألف برميل, وتوقعت ارتفاع الطلب في الربع الثاني إلي27,68 مليون برميل يوميا بزيادة قدرها540 ألف برميل في اليوم.وبالإضافة إلي ذلك فإن أهم سبب لإبقاء أوبك علي سقف إنتاجها هو أن أسعار النفط مازالت مرتفعة لأنها تتجاوز معدل الأربعين دولارا للبرميل, في حين أكد بعض مسئولي أوبك وفي مقدمتهم رئيس المنظمة أن النطاق السعري الذي يتراوح ما بين اثنين وعشرين وثمانية وعشرين دولارا للبرميل اعتبر في حكم الماضي, معتبرين أن النطاق السعري المناسب يجب أن يتراوح ما بين اثنين وثلاثين وخمسة وثلاثين دولارا, وإن كانت بعض الدول الأعضاء تحبذ أن تحافظ المنظمة علي سعر الأربعين دولارا.وفضلا عن ذلك, هناك وفرة في الإمدادات النفطية إلي الأسواق, لكنها لم تكن تستدعي تقرير خفض في الإنتاج لاسيما في ظل ارتفاع الأسعار. فبعض الدول الأعضاء طالبت بخفض الإنتاج لأن الطلب علي النفط سيتراجع بعد نهاية فصل الشتاء في نصف الكرة الأرضية الشمالي, مما يزيد من المخاوف من أن تؤدي زيادة المخزون إلي هبوط الأسعار. ورأت هذه ا لدول أن ارتفاع أسعار النفط ومستويات المخزونات النفطية يعني أن الوضع في سوق النفط حاليا تناسب المنتجين والمستهلكين معا.
وعكس قرار المنظمة إدراك الوزراء أن القيام بخفض الإنتاج حاليا سيؤدي إلي ارتفاع أسعار النفط الخام كثيرا في منتصف فصل الشتاء البارد ويزيد من غضب الدول المستهلكة, كما عكس في الوقت نفسه قلق المنظمة من انخفاض الطلب علي النفط الخام قريبا مع اقتراب حلول فصل الربيع الدافئ في نصف الكرة الأرضية الشمالي, خاصة في الدول المستهلكة المهمة في أوروبا والولايات المتحدة. وإذا كانت الأسعار مرتفعة وفقا لمايراه الكثيرون, فإن البعض يري أن وصول أسعار النفط إلي معدل خمسين دولارا لبرميل الخام الأمريكي مثلا ليس له تأثير سلبي علي النمو الاقتصادي العالمي. كما أن رئيس المنظمة نفسه أكد لـالأهرام ـ في رده علي سؤال حول علاقة أوبك بقواعد منظمة التجارة العالمية ـ أن البترول وأسعاره لم يعد له تأثير كبير علي الاقتصاد العالمي, كما كان في السابق, مشيرا إلي أن تجربة العام المنصرم كانت فريدة, حيث لم يؤثر ارتفاع أسعار النفط علي نمو الاقتصاد العالمي الذي حقق في هذا العام نموا بنسبة5%.
وأوضح أن القضية تتعلق بالتعاون بين المستهلك والمنتج سواء من داخل أوبك أو من خارجها, وكيفية زيادة الاستثمارات المشتركة في الصناعات النفطية, كما تتعلق بكيفية ضمان أوبك والدول المنتجة من خارجها تزويد الأسواق بالنفط وأمن واستقرار الأسواق, لكنه أكد في الوقت نفسه أن الدول المنتجة من داخل وخارج أوبك تحتاج أيضا إلي ضمانة أخري بأن الطلب العالمي سيستمر حيث تستطيع أن تستثمر لبناء مزيد من الإنتاج في المراحل المقبلة.
فأوبك ـ كما يؤكد رئيسها ـ تهتم بسعر عادل يتماشي مع حالة المستهلك, ويعمل علي تطوير النمو الاقتصادي كما حدث في سنوات ماضية, واعتبر القرار الأخير مثيرا يتماشي مع مصلحة السوق بالنسبة لكل من المنتجين والمستهلكين معا.
أمين عام المنظمة بالإنابة مدير الأبحاث الدكتور عدنان شهاب الدين اعتبر أن القرار سيؤدي إلي مزيد من استقرار الأسعار واتجاهها لأن تكون في نطاق مقبول سواء للمصدر أو المستثمر وبعيدا عن التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق في الفترة الماضية, وذلك نتيجة لأن قرار أوبك سيؤمن للأسواق النفطية امدادات أكثر من كافية في فصل الشتاء. كانت هناك إشكالية تتعلق بتزامن انعقاد المؤتمر مع الانتخابات في العراق, لذلك تقدم العراق بطلب لتأجيل المؤتمر لموعد آخر, وحظي طلب العراق باهتمام رئيس المنظمة, حيث قام بدراسته بعناية ودقة وتشاور مع بقية الوزراء وأخذ بعين الاعتبار أن العراق لديه انتخابات, كما أخذ بعين الاعتبار أيضا قرارات مؤتمر القاهرة الذي شارك فيه العراق, لاسيما ما يتعلق منها بموعد انعقاد مؤتمر فيينا.
وقررت المنظمة عقد المؤتمر في موعده المحدد وعدم تأجيله مراعاة لمواعيد بعض الوزراء والتزاماتهم خلال هذه الفترة وحتي نهاية فبراير, بالإضافة إلي أنه في حالة التأجيل لعدة أيام كان القرار سيؤدي تقريبا إلي نفس الغرض من الاجتماع.
لذلك كان لابد من عقد الاجتماع قبل الأسبوع الأول من فبراير خاصة إذا كان قرار المنظمة يتعلق بخفض أو رفع سقف الإنتاج.وبالإضافة إلي ذلك فإن قرار تثبيت سقف الإنتاج لم يكن يتأثر بحضور وزير النفط العراقي ثامر الغضبان أو غيابه, فعلي أي حال مازال العراق خارج نطاق الحصص الرسمية للمنظمة.
ومما لاشك فيه أن قرار تثبيت سقف الإنتاج راعي فترة الشهر ونصف الشهر التي تسبق مؤتمر أصفهان وضمن لها عدم نقص الإمدادات النفطية من دول أوبك, كما هي سبعة وعشرين مليون برميل يوميا علي الأقل.
أما مؤتمر أصفهان العادي فيراه مسئولو المنظمة مهما للغاية, لأنه سيعقد قبل بدء الربع الثاني من العام, حيث ينخفض الطلب والأسعار, كما سيبحث تعديل سلة خامات المنظمة من خلال لجنة المتابعة ولجنة المحافظين لتكون سلة خامات أوبك إحدي عشرة سلة ترتبط بكل الدول الأعضاء بدلا من خمس خامات فقط وربما يبحث الوزراء أيضا مسألة النطاق السعري خاصة أنهم لم يبحثوها في مؤتمر فيينا.
لكن بعض خبراء النفط يعتبرون أن اجتماع أصفهان سيأتي متأخرا فيما يتعلق بالحاجة لتعديل الإمدادات, حيث تستغرق صادرات الشرق الأوسط من النفط نحو ستة أسابيع للوصول إلي الأسواق الغربية.
الاهرام-مصر
8-2-2005