هل بقي لرئيس المجلس الاحتياطي الاتحادي معجزات يرمم بها الاقتصاد الامريكي؟
لندن: نهاد اسماعيل
يعتقد بعض الخبراء أن المخاوف الناتجة عن هبوط الدولار وارتفاع العجز غير مبررة. وينظر المتشائمون للدولار والعجز الذي وصل إلى 6% من الانتاج الاجمالي ككارثة ستعصف في الاقتصاد عاجلا أم آجلا. ويتوقعون أيضا هروب الاستثمارات من الدولار وسقوط قيمته وصعود أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية جديدة.
ولكن المتفائلين يثقون بقدرة الاقتصاد الأميركي على الخروج من الأزمة المؤقتة لأن الاقتصاد الأميركي يبقى العربة التي تقود الاقتصاد العالمي. وسيبقى الدولار العملة المعتمدة من قبل معظم البنوك المركزية ورغم بعض التصريحات من بعض البنوك للتنويع. وأكدت أوبك أن أسعار النفط ستبقى مقومة بالدولار في المستقبل المنظور. ولكن المتشائمين يشيرون إلى الإهمال والتقاعس من قبل السلطات التي لا تعطي موضوع العجز والدولار الأهمية التي تستحقها. وينتقد المتشائمون اللجوء المستمر لتنمية الاقتصاد بالاقتراض والمديونية مما يقود الدولة الى الغرق في المديونية لدول منافسة وهذا يحدث في وقت تجد أميركا نفسها غاطسة في مستنقع العراق والتكهنات بمستقبل النفط والامدادات الآمنة.
وفي هذا الخصوص، علّق مارشال أورباك، خبير الاقتصاد الاميركي، في صحيفة «سان فرانسيسكو كرونكل»: «الاقتصاد الاميركي يبدو مثل كيس الخيش المليء بالتبن ومبللا ومنقعا بالبنزين حتى يأتي أحدهم ويشعله بالكبريت». أي أن الاقتصاد الأميركي سينفجر على ذاته أي لحظة.
ومعضلة الاقتصاد الاميركي هي المديونية المتراكمة كنتيجة للاقتراض المفرط الذي يؤدي بدوره لتقليص الطلب في مرحلة لاحقة. هذا التراكم الهائل يزداد نموا وترفض السلطات المالية وأعضاء الكونغرس اتخاذ الاجراءات الصارمة لكبح جماح تضخم عبء الديون.
وتستمر الحكومة في رفض تنظيم وترويض النظام المالي الذي يعتمد على المضاربة والمبالغة في التوقعات للمداخيل والأرباح. الأمر الذي أدى إلى فضائح مثل انرون التي تمثل الفساد والانحطاط في أخلاقية الشركات والممارسات المشبوهة وتضارب المصالح.
ونتج عن تردد الحكومة في اتخاذ الاجراءات لكبح الاقتراض والمديونية، عجز فيدارالي يبلغ 7.5 تريليون دولار.
وفي هذا الصدد، يعتبر المتفائلون أن عوامل ايجابية تقوم بتغذية العجز مثل رغبة المستهلك في شراء المنتجات الأجنبية، كما يشيرون إلى أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة هو ضعف النمو الاقتصادي في اليابان والاتحاد الأوروبي.
ويعتقد خبير الاقتصاد في جامعة سيراكيوز في ولاية نيويورك البروفسور، ستيوارت براون «ان المخاوف على الاقتصاد الأميركي غير مبررة»، ويعتقد أيضا «ان الخوف الحقيقي هو من اتباع سياسة حماية وعزلة وإغلاق»، وان ما يميز الاقتصاد الأميركي القوي هي المرونة والديناميكية والانفتاح والنمو.
ويقول أندريه غند فرانك، الخبير الاقتصادي الأميركي: «سيبلغ مجموع الديون الأميركية بما فيها ديون الشركات وقروض العقارات وبطاقات الائتمان في أيدي المستهلكين 10 تريليونات دولار، أضف إلى ذلك: المشتقات المالية، ديون الحكومة المحلية، وغيرها.. فيصل المجموع إلى 37 تريليون دولار، وهذا أربع أضعاف إجمال الانتاج الوطني».
وفي نظر المتشائمين ستشكل المديوينة الهائلة عبئا ثقيلا ينتج عنه تقلص في الطلب والانفاق، مما سيؤدي الى انكماش اقتصادي وبطالة وما يرافق ذلك من بؤس. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدائنين هم من الاجانب الذين يدعمون الاقتصاد الاميركي بشرائهم سندات الخزينة والاصول الدولارية، فهذا يضع الولايات المتحدة في موقع حرج واعتماد على دول أخرى ويؤدي أيضا إلى استفحال عجز الميزان التجاري. وإذا قرر هؤلاء التوقف عن الاستثمار في الولايات المتحدة سينهار الاقتصاد. ويرد المتفائلون أن هذه الدول، مثل اليابان والصين، لا تريد المجازفة لأنها تريد الحفاظ على السوق الاميركي لمنتجاتها وصادراتها، ولذا ستستمر في دعم اقتصاد الولايات المتحدة.
ويشير المتشائمون لمخاطر أخرى، ويذكرون الافتراض التالي: إذا حدثت أزمة بنكية في الصين، ستجد الحكومة الصينية نفسها مرغمة على بيع الاستثمارات والاصول الدولارية وتتوقف عن الاستثمار في الاقتصاد الاميركي، فماذا سيحدث؟ هذا سيخلق أزمة حادة في الولايات المتحدة وسترتفع أسعار الفائدة لمستويات لا مثيل لها، وستضطر الولايات المتحدة لأخذ اجراءات لتعديل نمط الاستهلاك والتقشف وكبح جماح الاقتراض.
ويوجد نوع من عدم الاكتراث في صفوف الادارة الحاكمة في واشنطن، فعلى سبيل المثال يقول ديك تشيني: «العجز لا يهم، ولن يؤثر كثيرا على الاقتصاد».
التدهور المتواصل في قيمة الدولار بدد هيبة الولايات المتحدة في العالم. وقال غاري ثومبسون، خبير في مؤشر جي أي «عندما يهبط الدولار ويرافقه ارتفاع في أسعار النفط، تحصل على السيناريو الكلاسيكي الذي يخلق أزمة اقتصادية».
ارتفاع أسعار النفط سيزيد الوضع تعقيدا وقد تجاوز سعر البرميل الخمسين دولارا. التوتر والغموض الدولي وأزمات الشرق الاوسط وارتفاع أسعار الطاقة ستزيد الأمر تعقيدا وستضغط على الدولار مجددا. ورغم كل ذلك يتوقع الخبراء أن يستمر الاقتصاد في النمو رغم العثرات الناتجة عن العجز والدولار الضعيف. ومن المتوقع أن ينمو إجمالي الانتاج المحلي 3.6% في 2005، وهذا يمثل انخفاضا متواضعا من معدلات عام 2004 عندما بلغ النمو 4.4%.
وتتوقع لجنة تضم 37 خبيرا اقتصاديا أميركيا أن يصل العجز في الميزانية الفيدارالية إلى 386 مليار دولار لعام 2005، مقارنة بعام 2004، عندما وصل عجز الميزانية الاتحادي إلى 412 مليار دولار. واعتبرت اللجنة أن المجهولية الجيوسياسية وتردد الشركات يمثلان عقبة في طريق عربة الاقتصاد الاميركي.
ويتوقع بعض الخبراء أن يرفع الاتحادي الاحتياطي (البنك المركزي) أسعار الفائدة الأساس إلى 3.5 أو 4 في المائة قبل نهاية العام من السعر الحالي 2.5%، وهذا بدوره سيكبح جماح سوق العقار.
الشرق الاوسط
25-2-2005