سعيد سويد النصيبي
تعتبر صناعة الملابس والمنسوجات من أهم الصناعات لدى الدول النامية بشكل خاص حيث تتيح هذه الصناعة فرصاً كبيرة لهذه الدول للدخول في معركة المنافسة في الأسواق الدولية في ظل تحرير التجارة العالمية والتي تمثل إحدى الصناعات الواعدة والتي تعتمد عليها الدول المصنعة الرئيسية في دخول الأسواق الدولية والحصول على حصة معقولة من هذه الاسواق بعد أن تشتعل المنافسة بينها بعد انتهاء العمل بنظام الحصص التصديرية في بعض الأسواق الرئيسية الذي كان معمولاً به في الفترة الماضية قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية والتي حددت بداية عام 2005 كموعد لإنهاء هذا النظام وبالتالي إدماج منتجات الملابس والمنسوجات تحت قواعد وأحكام منظمة التجارة العالمية واتفاقية الجات.
بالتالي انتهى العهد الذهبي لصناعة الملابس والمنسوجات التي كانت الدول المصدرة تضمن لها حصة محددة لتصدير منتجاتها إلى بعض الأسواق المستوردة الرئيسية مثل السوقين الأمريكية والاوروبية وأصبح أمام هذه الدول تحديات كبيرة في ظل المنافسة التي سوف تواجهها من بعض الدول التي تمتلك قوة تنافسية كبيرة مثل الصين والهند وبالتالي تصبح المنافسة قائمة على مدى القدرة على منافسة هذه الدول من ناحية الجودة في المنتجات والأسعار أو الدخول إلى الأسواق من خلال توقيع اتفاقيات تجارة حرة.
فما هو مستقبل هذه الصناعة بدولة الامارات في ظل تحرير التجارة وإلغاء الحصص ووجود منافسين كبار؟
لنتعرف على ذلك من خلال استعراض أهم التحديات والفرص التي تتيحها التجارة العالمية وفتح الأسواق العالمية واحتدام المنافسة الدولية.
يعتبر اتفاق المنسوجات والملابس في منظمة التجارة العالمية اتفاقاً انتقالياً من الأنظمة الخارجة من نطاق ونصوص وضوابط الجات إلى نظام منظمة التجارة العالمية، والاتفاقيات التي كانت تحكم تجارة المنسوجات والملابس هي اتفاق الألياف المتعددة الذي نظم التجارة في المنسوجات والملابس من عام 1974 وحتى 1994 وما سبقه من اتفاقيات أخرى خارجة أيضاً عن نطاق الجات مثل اتفاق التجارة في المنسوجات القطنية قصير الأجل واتفاق المنسوجات القطنية طويل الأجل.
وتعمل الاتفاقية الجديدة في منظمة التجارة العالمية في التحول من النظام القديم إلى نظام الجات على أسلوب الدمج أي إزالة الحصص القائمة من بداية 1 يناير/ كانون الثاني 1995 ويتم على أساسها دمج تجارة الملابس والمنسوجات في نظام الجات على مراحل تدريجية وبنسب معينة : بحيث يتم بعد 3 سنوات دمج نسبة 16%، وبعد 4 سنوات نسبة 17% وفي بداية الثلاث سنوات الأخيرة من عمر الاتفاقية نسبة 18% أي ما مجموعه 51% من إجمالي تجارة المنسوجات والملابس. وفي 1 يناير 2005 تدمج نسبة ال 49% المتبقية وبهذا تصبح الحصص قد أزيلت بشكل نهائي في 1/1/2005 .
وقد تُرك للدولة الاختيار في تحديد الأصناف التي سيتم تحريرها بشرط أن تشمل الغزل - الأقمشة المصنعة والملابس، ولم تشترط الاتفاقية نسبة محددة من هذه الأصناف الأربعة طالما تم استيفاء النسب المشار إليها أعلاه.
إن دمج تجارة المنسوجات والملابس في نظام تحرير التجارة العالمي بالتأكيد له العديد من الآثار على صناعة الملابس والمنسوجات ويفرض ذلك عدداً من التحديات التي يجب أن تواجهها الدول المصدرة ومن بينها دولة الامارات التي تمتلك عدد من المصانع التي تنتج نسبة لا بأس بها من منتجات الملابس والمنسوجات وتسعى إلى الحصول على حصة في الأسواق الدولية لذلك إن الجهات المعنية ومصانع الملابس مطالبة بوضع الخطط والبرامج لمواجهة هذه الآثار والتحديات حتى تستطيع المنافسة في الأسواق والدخول مع الدول المصدرة الرئيسية في منافسة تستطيع معها الحصول على نصيب من تجارة الملابس والمنسوجات.
و بطبيعة الحال تتباين الآثار على تجارة الملابس والمنسوجات حسب الدول بحيث ستستفيد بعض الدول من إزالة نظام الحصص وسيكون لذلك آثار إيجابية على صناعتها، من جانب آخر سيكون بالنسبة لبعض الدول مواجهة آثار سلبية وتحديات كبيرة على صناعاتها ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
هناك من سيستفيد من الدول وهي ذات القدرات التنافسية الكبيرة، وبالأخص الهند والصين، التي ستستفيد حتما من إزالة نظام الحصص لاكتساح السوق العالمي - وبشكل خاص السوقين الأمريكية والأوروبية - عبر استئثارها بحصة تفوق 50% من مجموع الصادرات العالمية لأنها تمتلك قدرات تنافسية هائلة وقدرات وميزات إنتاجية تتفوق بها على بقية الدول المنتجة للملابس والمنسوجات بشكل كبير مثل رخص الأيدي العاملة واستخدام التكنولوجيا مما يؤثر في الجودة والأسعار ويمنحها ميزة تنافسية مقارنة ببعض الدول الأخرى.
و هناك الدول الأخرى التي سيكون لإلغاء نظام الحصص وتحرير تجارة الملابس والمنسوجات آثار سلبية أكبر وقليل من الايجابيات، فمن المعروف أن اغلب هذه الدول استقبلت الاستثمارات الأجنبية من أجل الاستفادة الكاملة من الحصص التي كانت متوفرة لديها والتي يتوقع بأن هذه الاستثمارات لن تستمر في التواجد بهذه الدول بفعل زوال نظام الحصص ولفقدان الميزة التي كانت تمتلكها مثل دولة الإمارات والبحرين وعمان التي قامت فيها بعض المصانع بسبب وجود قيود على صادرات بعض الدول الآسيوية وخاصة الهند وباكستان، فانتقلت إلى دول أخرى للاستفادة من حصتها وبرأسمال هندي أو باكستاني أو غيره ومعها أيضا العمالة الرخيصة من الهند وباكستان.
و لن تستمر إلا المصانع الوطنية التي تمتلك القدرة على المنافسة والتي عليها مواجهة تحديات كبيرة تتمثل في استخدام التكنولوجيا الجديدة في الانتاج لتحسين المنتجات وجودتها واستخدام العمالة الماهرة والمدربة كذلك أهمية وضع خطط للأسعار والترويج حتى تتمكن من الدخول إلى الأسواق والمنافسة فيها ومن هذه الدول دولة الامارات حيث تمثل صناعة الملابس والمنسوجات من الصناعات الهامة نظراً لنسبة الاستثمار فيها والتي تمتلك القدرة على المنافسة وتشير الإحصائيات إلى أن حجم الاستثمارات الصناعية في قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة تصل إلى حوالي650 مليون درهم في عام 2004 ويبلع عدد المنشآت الصناعية العاملة في هذا القطاع 150 مصنعاً تمثل نسبة 9% من مجموع النشاطات الصناعية بالدولة وبعمالة تبلغ 33500 عامل.
مما سبق يتضح بأن الرغبة في الاستفادة من نظام الحصص الذي تستفيد منه دولة الإمارات في بعض الأسواق شكل أهم الدوافع التي حفزت قدوم بعض الاستثمارات الأجنبية ونمو الصناعات المتصلة بها في الدولة. فهي لم تنظر إلى وجود الحصص على أنها قيود وإنما نظرت إليها على أنها فرصة إضافية للحصول على نصيب في بعض الأسواق الدولية وبشكل خاص الأوروبية والأمريكية.
وعليه فمن المحتمل أن يؤدي الإلغاء الكامل لنظام الحصص على المنسوجات والملابس إلى عدم تحقق أحد عناصر جذب الاستثمار الأجنبي في هذه الصناعة بدولة الإمارات. لذلك، فقد تقرر بعض المصانع العودة إلى مواطنها الأصلية على اعتبار أن إلغاء نظام الحصص سيرفع إلى حد كبير من وتيرة المنافسة في الأسواق الدولية وخاصة من جانب الصين والهند كما أشرت إلى ذلك.
إلا أن اعتماد استراتيجية متكاملة ووضع الخطط في هذا القطاع بهدف تقوية المركز التنافسي للدولة على الصعيد الخارجي قد يضمن لها الاستفادة من إلغاء نظام الحصص ويبقيها محط اهتمام الاستثمارات الأجنبية إلى جانب الاستثمارات الوطنية وهذه الاستراتيجية يجب أن تقوم على اتخاذ إجراءات عملية تتخذها الدولة لمساعدة صناعاتها المحلية من خلال تحديث التكنولوجيا وترشيد أساليب الإنتاج والرفع من إنتاجية القطاع وإجراء دراسات وبحوث على السوق والتعرف الى المنتجات التي تستطيع أن تنافس فيها بكفاءة في الأسواق الدولية على أساس السعر والجودة وتطوير قاعدة وطنية في مهارات التشغيل والتصميم والتسويق وتحقيق أعلى معدلات القيمة المضافة.
كما أن توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع بعض الدول تمثل أحد عناصر الاستراتيجية التي تساهم في دخول المنتجات الوطنية إلى أسواق الدول لإزالة الرسوم الجمركية وغير الجمركية وضمان وصول صادرات الملابس والمنسوجات إلى أسواقها، وفي هذا الجانب لابد من المطالبة بالحصول على حصص تفضيلية بدون رسوم جمركية - Quota-free access لصادرات الدولة في قطاع المنسوجات والملابس في قائمة المطالب الأساسية للدولة في مفاوضاتها الحالية أو المستقبلية مع بعض الدول الشريكة لعقد اتفاقيات تجارة حرة وهذا سوف يقلل من الآثار السلبية المتوقعة من إلغاء نظام الحصص في إطار منظمة التجارة العالمية.
و في الختام يمكن استعراض بعض التوقعات والفرص المتاحة لبعض الدول في تجارة الملابس والمنسوجات في الأسواق الرئيسية التي توضح التغيرات في هذه التجارة بعد إلغاء نظام الحصص:
سوق التتحاد الأوروبي: في قطاع المنسوجات : ستتمكن كل من الهند والصين، بعد إزالة نظام الحصص، من الرفع من حصتها في السوق الأوروبية ( من 10% إلى 12% بالنسبة للصين ومن 9% إلى 11% بالنسبة للهند) وبالنسبة لأندونيسيا، فستنمو صادراتها بشكل بطيء جدا، أي من 4% إلى 5%. وبالنسبة لباقي المصدرين الأساسيين الآخرين فستنخفض حصصهم فتركيا مثلا من 13% إلى 12%؛ وكوريا من 5% إلى 4%. وأما في قطاع الملابس، فستتمكن أيضا الهند والصين من مضاعفة حصتهما في السوق الأوروبية ( من 6% إلى 9% بالنسبة للهند و18% الى 29% بالنسبة للصين) في حين ستقفد دول أخرى كتركيا وأفريقيا وبعض الدول الآسيوية نسبة من حصتها في هذا السوق الاستراتيجي.
سوق الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعد سوقا أقل انفتاحا مقارنة مع السوق الأوروبية، فستتمكن الصين وحدها من الزيادة من صادراتها في قطاع المنسوجات ب50% (أي أن حصتها في السوق الأمريكية سترتفع من 11% إلى 18%) في حين أن جميع الدول المصدرة الرئيسية الأخرى ستتراجع حصتها بدون استثناء بما فيها دول الاتحاد الأوروبي (من 16% إلى 14%). ولكن التغيير الكبير سيكون في قطاع الملابس حيث سترتفع الحصة المشتركة لكل من الصين والهند إلى 65% (50% بالنسبة للصين و15% بالنسبة للهند) في الوقت الذي لا تتعدى فيه حاليا حصة الصين 16% وحصة الهند 4%. وهذا يفيد بأن حصص الدول المصدرة الأخرى ستنخفض بشكل كبير جداً بل وأن بعضها سيختفي كليا.
فهل مستقبل صناعتنا يبشر بالخير ؟
كما ذكرت هناك فرص لصناعتنا يمكن الحصول عليها، ولكن ليست فرصاً كبيرة فمع وجود منافسين كبار مثل الصين والهند تصبح هذه الفرص محدودة ولكن يمكن من خلال الخطط والبرامج التي أشرت اليها اعلاه إيجاد موضع قدم في الأسواق لمنتجاتنا والقدرة على المنافسة وعدم الخروج نهائياً من هذه المنافسة والأهم من ذلك هو كيف نشجع صناعتنا الوطنية على خوض غمار المنافسة بأقل خسارة وتقديم الحوافز الممكنة والدعم اللازم لقطاع الصناعة بشكل عام ومراعاة مصالحنا في سياسة فتح وتحرير الأسواق.
خبير في التجارة الدولية
الخليج-الامارات
7-3-2005