<%@ Language=JavaScript %> china radio international

حول إذاعة الصين الدولية

تعريف بالقسم العربي

إتصل بنا
نشرة جوية
مواعيد الطائرات
الأخبار الصينية
الأخبار الدولية
v الاقتصاد والتجارة
v العلم والصحة
v عالم الرياضة
v من الصحافة العربية
v تبادلات صينية عربية

جوائز للمستمعين

السياحة في الصين

عالم المسلمين

المنوعات

صالون الموسيقى

التراث الصيني العالمي
GMT+08:00 || 2005-03-07 16:55:45
تقرير <<عودة>> الاقتصادي 2004: نمو خارجي عوّض عن الركود المحلي

cri

فاجعة اغتيال الحريري ستترك بصماتها على الاقتصاد.. ومن المبكر توقع الانعكاسات

رأى تقرير بنك عودة عن الفصل الرابع من العام 2004 والذي صودف وضعه وإنجازه مع مرحلة كارثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ان هذه الفاجعة المأساوية ستترك بصماتها على الاقتصاد، إلا انه من المبكر جداً توقع جميع الانعكاسات المحتملة. وأشار التقرير الى ان النمو الاقتصادي الحقيقي خلال العام 2004 بلغ 4 في المئة وان الاسمي وصل الى حدود 6 في المئة، مشيراً الى إيجابيات سجلت خلال العام الماضي.

ووجد التقرير ايضا ميزان المدفوعات سجل فائضا قدره 169 مليون دولار مقابل فائض قياسي في العام 2003 وصل الى 3386 مليون دولار.

ولحظ التقرير ايضا تراجعا في الرساميل الوافدة بنسبة 13,4 في المئة، معتبراً ان أداء العام 2004 لم يكن لصالح العملة الوطنية حيث ارتفعت نسبة الدولرة 4,5 في المئة وذلك بسبب الضغوط السياسية. كما لاحظ التقرير تحسناً وفي أسعار الاسهم المدرجة في البورصة بنسبة 30 في المئة وذلك بسبب بروز طلبات محلية وإقليمية.

أما الاستثمار فقد تراجع 11 في المئة، مع تسجيل زيادات في الآلات الصناعية المستوردة بنسبة 29,5 في المئة. وبالنسبة للدين العام فقد سجل التقرير أن نسبة الدين الى الناتج المحلي استقرت عند حدود 187 في المئة وهو أمر ما يزال دون الشروط المطلوبة. ولحظ التقرير أن الدين العام الاجمالي بلغ 54068 مليار ليرة أي ما يوازي 35,866 مليار دولار، بزيادة 7,4 في المئة.

وأشار التقرير ايضا الى ان المستثمرين الدوليين يعتبرون لبنان بلد المفارقات بسبب أوضاعه السياسية والاقتصادية المحيرة.

التقرير

ومما جاء في التقرير: لدى إنجاز هذا التقرير، أصيب لبنان بفاجعة اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهي جريمة لاقت استنكاراً واسع النطاق، محلياً وإقليمياً ودولياً، كما أثارت مخاوف الاوساط الاقتصادية، نظراً للدور الهام الذي لعبه الرئيس الشهيد في إعادة إعمار لبنان وإنمائه الاقتصادي خلال العقد الماضي. ومع انه من المقدّر أن تترك هذه الحادثة المأساوية بصماتها على اقتصاد البلاد، إلا انه لا يزال من المبكر جداً توقع جميع انعكاساتها المحتملة. وفي الوقت الذي دعا المسؤولون السياسيون الى التهدئة والتوافق، قام المصرف المركزي وجمعية المصارف بتنسيق وتكثيف الجهود الرامية الى تأمين استقرار الاسواق. فهذه الفاجعة وقعت في فترة كان الوضع المالي في أفضل حالاته. ذاك ان احتياطيات المصرف المركزي كانت قد بلغت حجمها الاكبر وسيولة المصارف وصلت الى أعلى مستوياتها، كما ان النمو الاقتصادي السنوي سجل أفضل معدل له منذ أكثر من ثماني سنوات.

في ما يلي عرض للاوضاع الاقتصادية العامة في سنة 2004:

? ? ?

كانت سنة 2004 سنة جيدة نسبياً للاقتصاد اللبناني، على الرغم من الاضطرابات السياسية المتزايدة على الساحتين المحلية والاقليمية. وحسب تقديراتنا، فإن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي، الذي كان مدعوماً بشكل أساسي من الطلب الخاص، قد لامس 4%. ويتضح ان هذا الطلب الخاص الاجمالي لم يتأثر كثيراً بالتجاذبات السياسية المحلية في سنة اتسمت بعدة استحقاقات وتطورات سياسية، وذلك كون مصدر النمو الاقتصادي خارجياً. ففي الواقع، تمتد هذه المحفزات الخارجية من الازدهار الكبير للحركة السياحية الى تزايد الصادرات اللبنانية، وتدل على حساسية محدودة تجاه المناخ السياسي الداخلي. وبما ان الطلب العام شهد تراجعاً حقيقياً في العام 2004، فإن نمو النشاط عائد كلياً الى القطاع الخاص، الذي ارتفعت حصته من الناتج المحلي الاجمالي من 66,9% في العام 2003 الى 70,1% في العام 2004.

في الواقع، يقدّر الاستهلاك الاضافي المرتبط بالسياحة بحوالى 500 مليون دولار على أساس سنوي (أي ما يعادل 2,5% من الناتج المحلي الاجمالي الاسمي)، مع الاخذ في الاعتبار الارتفاع كبير لعدد السيّاح والارتفاع البسيط لمتوسط إنفاق السائح الواحد. فعدد السياح سجل نسبة نمو قياسية منذ العام 1997، إذ بلغت هذه الاخيرة 26% في العام 2004. كذلك، زادت الصادرات بشكل ملحوظ وبنسبة 15% على إثر الجهود التي بذلها المنتجون اللبنانيون في السنوات الاخيرة لتنويع الاسواق المستهدفة، ما رفع حصة هذه الصادرات من الناتج المحلي الاجمالي الى 10% للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود. أما الاستثمار الخارجي، فبدا كمحفز خارجي للنمو الاقتصادي وكان مدعوماً بالاستثمار العربي في قطاعات اقتصادية عدة. وبوجه خاص، يعتبر لبنان أول بلد مضيف للاستثمارات العربية البينية في المنطقة.

إن <<نظرية النقد الكمية>> تثبت واقع هذا النمو الايجابي في العام 2004. فالكتلة النقدية زادت بنسبة 10,2%، معوّضة بدرجة زائدة عن تراجع سرعة تداول النقد بنسبة 2,3%. في موازاة ذلك، فإن النمو الحقيقي للاقتصاد بنسبة 4%، في ظل تضخم بمعدل 2,2%، أدى الى ارتفاع اسمي للناتج المحلي الاجمالي بما يقارب 6%. وتجدد الاشارة الى ان متوسط ارتفاع المستوى العام للاسعار عائد، من جهة، الى تحسّن الحركة الاقتصادية، ومن جهة اخرى، الى ارتفاع اسعار الاستيراد المرتبطة بالعملات. وإذا أخذنا في الاعتبار تغيرات أسعار الصرف على مستوى الواردات، يقدر معدل التضخم المستورد بحوالى 1,6% في العام 2004.

من ناحية المالية العامة، يلاحظ أن تحسن النشاط الاقتصادي ترك أثراً إيجابياً على صعيد التصحيح المالي، بفضل مفعوله المزدوج على مستويي صورة الكسر ومقامه (المديونية والناتج المحلي). فإذا تفحصنا نسبة الدين/ الناتج المحلي الاجمالي، والتي هي أهم مؤشر على المكانة المالية، يظهر أن النمو أتاح خفض العجز العام (التأثير على صورة الكسر)، ومكّن تاليا من تقليص ازدياد الدين العام. لقد نتج ذلك عن ارتفاع مهم للايرادات العامة بلغت نسبته 12,9% على أساس سنوي، وهي إيرادات مرتبطة خصوصاً بتحسن النشاط الاقتصادي كما بمزيد من ضبط الانفاق الحكومي، ترجمة لمفاعيل باريس 2. أما التأثير على الناتج المحلي الاجمالي (مقام الكسر) فهو عائد الى قاعدة اقتصادية أوسع، ما أدى الى تخفيف بسيط لنسب المالية العامة مع ان النمو أتاح بلا ريب تثبيت نسب المديونية على ما يقارب 185% من الناتج، إلا انه لا يزال دون الشروط المطلوبة واللازمة لضمان سيناريو التوازن الآمن لوضع المالية العامة.

على صعيد القطاع الخارجي، سجلت قيمة الصادرات والواردات زيادة عامة، لكنها أسفرت عن ارتفاع العجز التجاري بنسبة 35,5% وعن انخفاض نسبة تغطية الواردات بالصادرات من 21,3% في العام 2003 الى 18,6% في العام 2004. ففي الواقع، شهدت الواردات زيادة كبيرة بلغت نسبتها 31% على أساس سنوي، نظراً للانتعاش النسبي الذي عرفه الطلب بمكوناته الاستهلاكية والاستمثارية. في موازاة ذلك، سجل ميزان المدفوعات فائضاً قدره 169 مليون دولار، مقابل فائض قياسي بقيمة 3386 مليون دولار في العام 2003. وبالاستناد الى أرقام ميزان المدفوعات هذه، يقدر ان الرساميل الوافدة تراجعت بنسبة 13,4%. وإذا استثنينا اموال باريس 2 التي تركت أثراً كبيراً على التحويلات الى لبنان في العام 2003، يمكن القول ان الرساميل الوافدة في العام 2004 ظلت شبه مستقرة.

على الصعيد النقدي، لم يكن أداء العام 2004 لصالح العملة الوطنية، اذ جاءت التحويلات السنوية الصافية لمصلحة الموجودات بالعملات الاجنبية وارتفعت الدولرة بنسبة 4,5%. ذاك ان الضغوط النقدية، التي بدأت في أواخر الصيف إثر توترات سياسية محلية وإقليمية، بلغت حدها الاقصى في منتصف تشرين الاول واستتبعت موجة تحويلات من العملة الوطنية الى الدولار في سوق القطع. غير ان المصرف المركزي، الذي كان تحسب لمثل هذه الحالة السياسية الحرجة وعزز مناعة الاسواق، نجح في الحفاظ على استقرار سعر الصرف وفي إبقاء موجوداته الخارجية بحجم يقارب 11,5 مليار دولار في نهاية السنة، أي ما يعادل 68% من الكتلة النقدية بالليرة. في هذا السياق، ظلت السيولة بالليرة متوافرة معظم أيام السنة المنصرمة، وحافظت فائدة من يوم ليوم على أدنى مستوياتها القياسية (3,5%)، خصوصا ان المصارف التجارية كانت قد تحسبت هي ايضا لهذه الاوضاع المتشنجة وحافظت على مستوى عال من السيولة لديها.

من ناحية القطاع المصرفي، عكس تطور النشاط صورة التحسن الملاحظ على الصعيد الاقتصادي العام. فالنشاط المصرفي، المقاس بالميزانية المجمعة للمصارف العاملة في لبنان، ازداد في العام 2004 بنسبة 12,8%. وهذه الزيادة تفوق بقليل النمو الاقتصادي الاسمي والمعدل الوسطي لنمو الموجودات في السنوات الخمس الماضية، والذي يقدّر ب10,5%. وبما ان الموارد الاضافية كانت موظفة في استعمالات سائلة، فإن القطاع المصرفي رفع نسبة السيولة الاجمالية لديه الى 82%، مؤمنا سيولة جاهزة بالعملات الاجنبية بنسبة 51% من ودائع الزبائن بهذه العملات، ولكن مع تأثير سلبي على الارباح الصافية، لقد اتسمت شروط الاستثمار المصرفي بمفعول حجم إيجابي نتيجة النمو الكبير للنشاط، انما وازنه مفعول سعر سلبي انعكس في التقلص المطرد لمعدلات المردود والهوامش.

أما أسواق الرساميل اللبنانية، فشهدت في العام 2004 أداء متقلباً نسبياً لكنها زقفلت السنة على وضع إيجابي بصورة عامة. ففي حين كانت السندات بالليرة الاكثر تأثراً بالصراعات السياسية المحلية، أظهرت أسواق الاسهم وسندات الدين بالعملات الاجنبية نتائج سنوية أفضل. لقد كانت سوق سندات الخزينة بالليرة الاكثر عرضة للتجاذبات السياسية المحلية، غير ان المصرف المركزي أنعش من جديد نشاط هذه السوق بطرح عروض المقايضة (السواب) المغرية خلال الشهرين الاخيرين من العام 2004، ما أدى الى طلب قوي على هذه السندات. في موازاة ذلك، كانت الصورة أكثر إيجابية في أسواق السندات المصدرة بالعملات الاجنبية، والتي استفادت من ارتفاع سيولة المصارف بالعملات الاجنبية. كذلك شهدت سوق الاسهم تطوراً إيجابياً، مع ارتفاع أسعار الاسهم المدرجة في البورصة المحلية بنسبة 30%. وقد جاء هذا التحسن في سوق الاسهم (التي كانت راكدة في الاشهر الخمسة الاولى) نتيجة طلب محلي وإقليمي. وبوجه خاص، تعتبر هذه الاسهم اللبنانية مسعرة بأقل من قيمتها الحقيقية بالنظر الى أساسيات الشركات المدرجة في البورصة، خصوصا ان السوق تتصف بضعف بنيتها وسيولتها.

1 السمات الظرفية القطاع الاقتصادي الحقيقي

اتسم نشاط القطاع الاقتصادي الحقيقي بتحسن مهم للطلب الخاص بالقيم الحقيقية، في ظل تراجع الطلب العام. فالطلب الخاص استفاد من ازدياد عنصره الاستهلاكي أكثر مما استفاد من نمو عنصره الاستثماري في مختلف قطاعات الاقتصاد. وهكذا، اتضح ان التطور الايجابي للطلب الخاص المحلي، المقترن بالطلب الخارجي، أتاح ازدياد الطلب الاجمالي بنسبة 11% بالقيم الحقيقية، حسب تقديراتنا. أما من ناحية العرض، وفي موازاة معدل النمو هذا، ارتفع الانتاج الاجمالي الحقيقي بنسبة 4% فيما ارتفعت الواردات بنسبة 29%.

ويظهر توزع الطلب الاجمالي على مكونات الانفاق نمو الاستهلاك الاجمالي (الخاص والعام) بنسبة 8,0% وتراجع الاستثمار بنسبة 11,5%. ويمكن تأكيد هذه التطورات من خلال بنية الواردات التي تشكل حوالى 32% من الطلب الاجمالي في لبنان والتي تعطي إشارات دالة حول النشاط الاقتصادي بمختلف مكوناته. ففي العام 2004، زادت الواردات من السلع الاستهلاكية بما يقارب 31,1% بالقيم الحقيقية، مقابل 22,2% للسلع الاستثمارية.

في مثل هذا السياق، نجد أن مختلف مؤشرات القطاع الاقتصادي الحقيقي تعبر في معظم الاحيان عن تحسن كهذا. فالصادرات الزراعية والصناعية زادت بنسبة 24,4% و14,0% على التوالي، ومساحات رخص البناء زادت بنسبة 4,3% وكميات الاسمنت المسلمة بنسبة 3,0% والآلات الصناعية المستوردة بنسبة 29,5% وعدد المسافرين عبر المطار بنسبة 17,7% وعدد السياح بنسبة 25,9% وحجم البضائع في المرفأ بنسبة 5,7%. وفي ما يلي تحليل مفصّل لأهم مؤشرات القطاع الاقتصادي الحقيقي:

الزراعة والصناعة

سجل القطاعان الاول والثاني تحسناً في العام 2004 لكنهما ما زالا يعملان دون طاقتهما الانتاجية. وحسب إحصاءات المجلس الاعلى للجمارك، فقد شهدت الصادرات الزراعية والصناعية زيادة مهمة بنسبة 14,6% منذ نهاية 2003 حتى نهاية 2004 لتصل قيمتها الى 1,75 مليار دولار. ويعزى النمو الكبير للصادرات الى ازدياد التبادلات الناجمة عن فتح السوق العراقية أمام المنتجين المحليين والى الجهود الحثيثة التي بذلها المصدرون اللبنانيون لتنويع أسواقهم المستهدفة.

في العام 2004، زادت الصادرات الزراعية بنسبة 24,4%، إذ ارتفعت قيمتها من 86 مليون دولار في نهاية العام 2003 الى 107 ملايين دولار في نهاية العام 2004. علما ان الارتفاع المهم لحجم الصادرات الزراعية يعود جزئيا الى برنامج <<اكسبورت بلاس>> الذي أطلقته المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (ايدال) عام 2001 بهدف تنشيط حركة القطاع الزراعي.

شكلت الصادرات الصناعية معظم الصادرات اللبنانية، أي 94,0% من المجموع. غير ان التحسن الملاحظ على مستوى القطاع الصناعي ولد استثمارات إضافية كما تظهر الواردات من الآلات الصناعية. فإحصاءات وزارة الصناعة تظهر أن الاستثمار الصناعي استلزم في العام 2004 استيراد آلات صناعية بقيمة 142 مليون دولار، أي بزيادة نسبتها 29,5% مقارنة مع العام 2003. ويبيّن توزع هذه الواردات حسب بلدان المنشأ ان ايطاليا صدّرت الى لبنان آلات صناعية بقيمة 38,7 مليون دولار، تلتها ألمانيا (37 مليونا). بتعبير آخر، ان هذين البلدين صدرا الى لبنان ما يزيد عن 53% من الآلات الصناعية. ثم ان التحسن النسبي للاستثمارات الصناعية أسهم إيجابيا في زيادة القيمة المضافة، في ظل الحاجة المستمرة الى تعزيز القطاع الانتاجي الثاني.

مع ذلك، لا يزال هذا القطاع يواجه عوائق عدة، مرتبطة بتردد المستثمرين عن التوظيف الطويل الاجل في مثل هذه القطاعات، كما بقلة التمويل عن طريق المصارف والاسواق المالية وبحدة المنافسة الاقليمية، فضعف المبادرات الخاصة عائد الى أجواء الغموض السياسي والاقتصادي السائدة في البلاد، والتي يضاف إليها جمود بيروقراطية الادارة العامة وارتفاع تكاليف الانتاج وغياب السياسات الحكومية التحفيزية.

البناء

لقد سجل قطاع البناء والعقارات، الذي هو من أهم محفزات النمو، أداء إيجابيا في العام 2004. غير أن تنامي حركة البناء، الذي برز بقوة في الاشهر التسعة الاولى من السنة، تباطأ نسبياً في الفصل الرابع منها. فرخص البناء، التي هي مؤشر مهم على نشاط هذا القطاع، زادت في الفصل الرابع من العام 2004، وتظهر إحصاءات نقابة المهندسين ان المساحات المرخص ببنائها بلغت 2,42 مليون متر مربع في الفصل الرابع، أي أقل بنسبة 1,5% عنها في الفصل الثالث، ولكن اكثر بنسبة 4,2% منها في الفصل الرابع من العام 2003. يضاف الى ذلك ان كميات الاسمنت المسلمة انخفضت بنسبة 16,2% مقارنة مع الفصل الثالث (696764 طنا مقابل 831485 طنا على التوالي)، وتراجعت بنسبة 11,1% مقارنة مع الفصل الرابع من السنة السابقة.

مع ذلك، شهدت حركة البناء في العام 2004 اتجاها عاما نحو الازدياد، ولو بوتيرة أضعف منها في السنتين السابقتين. وتفيد إحصاءات نقابة المهندسين ان رخص البناء زادت بنسبة 4,3% من سنة الى سنة، اذ ارتفعت مساحاتها من 8,78 مليون متر مربع في العام 2003 الى 9,16 مليون متر مربع في العام 2004. في ما يخص كلفة البناء، التي هي مؤشر ثانوي على طلب عوامل الانتاج في هذا القطاع، فقد ارتفعت بفعل ازدياد الطلب المحلي وارتفاع اهم الاسعار الدولية، وخصوصا سعر الصلب. وتظهر <<نشرة المؤشرات>> ان مؤشر الكلفة ارتفع على نحو ملحوظ وبنسبة 5,9% بين كانون الاول 2003 وكانون الاول 2004. والواقع ان هذا التطور يعود بوجه خاص الى أهم تكاليف المواد التي تشكل خمس مكوّنات المؤشر. أما كميات الاسمنت المسلمة فشهدت زيادة متواضعة خلال السنة المنصرمة، اذ بلغت 2,78 مليون طن في العام 2004 مقابل 2,7 مليون طن في العام 2003، أي بزيادة نسبتها 3%.

التجارة والخدمات

لعب الاستهلاك الخاص بوضوح دوراً محركا على صعيد التحسن الملاحظ في قطاع التجارة والخدمات في العام 2004. وقد سجل الاستهلاك المحلي والاستهلاك الخارجي ارتفاعا جليا، كما يدل على ذلك عدد السيّاح الذي ازداد بنسبة 26% وحركة المرفأ التي ازدادت بنسبة 15,5% وحجم البضائع الذي ارتفع بنسبة 3,9% وقيمة الشيكات المتقاصة التي ارتفعت بنسبة 10,7%.

كذلك، سجل عدد المستوعبات المفرغة في المرفأ والذي هو مؤشر يعكس النمو في القطاع زيادة ملحوظة بنسبة 19,5% مقارنة مع العام 2003 ليبلغ 137492 مستوعبا في العام 2004. ولكن، ثمة مؤشرات اخرى حول حركة المرفأ تعبّر عن تحسن أقل شأنا. فعدد البواخر الراسية وحجم البضائع زادا بنسبة 1,4% و3,9% فقط على التوالي، اذ رست في مرفأة بيروت 2366 باخرة أفرغت 5062980 طنا من البضائع مقابل 2333 باخرة و4871808 أطنان في العام 2003.

أما تطور حجم الشيكات المتقاصة بالليرة اللبنانية وبالعملات الاجنبية، والذي يعتبر من المؤشرات الهامة على الاستهلاك الاجمالي، فيظهر ازديادا بنسبة 10,5% في العام 2004 حيث بلغ ما يوازي 32712 مليون دولار.

على صعيد النقل الجوي، تفيد أرقام مديرية الطيران المدني ان عدد الرحلات في مطار بيروت الدولي بلغ 39023 رحلة في العام 2004، اي بزيادة نسبتها 13,2% مقارنة مع السنة السابقة. كذلك ازداد عدد المسافرين، الذي هو مؤشر آخر على الحركة الجوية، بنسبة 17,7% مقارنة مع ما بلغه في العام 2003. ان هذا التحسن في حركة النقل الجوي مرتبط خصوصا بازدهار القطاع السياحي في العام 2004.

فالواقع ان القطاع الثالث كان مدعوما بحركة سياحية ناشطة في العام 2004، لا سيما في موسم الاصطياف. ذاك ان عدد السيّاح بلغ 1278469 سائحا في العام 2004، اي بزيادة نسبتها 25,9% مقارنة مع العام 2003.

القطاع الخارجي

في العام 2004، شهدت التجارة الخارجية نشاطا قويا بحيث ازداد حجم هذه التجارة بحوالى 28,2% قياسا على العام 2003. وقد نتج التحسن المحقق عن نمو متزامن للواردات والصادرات، بفضل طلب محلي متزايد وجهود المصدرين الناجحة لاختراق الاسواق كما بفضل ارتفاع اسعار النفط وتقلبات اسعار الصرف. بيد ان ارتفاع حجم التجارة الخارجية ترافق مع اشتداد الضغط الخارجي بحيث ازداد العجز التجاري بما يقارب 35,5% في السنة المنصرمة ليبلغ 7560 مليون دولار.

وهكذا تراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات من 21,3% في العام 2003 الى 18,6% في العام 2003، نتيجة نمو الواردات بقدر أعلى نسبيا من نمو الصادرات. ففي الواقع، زادت قيمة الواردات بنسبة 31,1% جراء ارتفاع الاستهلاك المحلي وارتفاع سعر النفط وارتفاع سعر اليورو، أي جراء مفعول الحجم ومفعول الكلفة. أما الصادرات، التي زادت قيمتها بنسبة 14,6%، فقد استفادت من تحسن التبادلات مع العراق، ومن جهود المنتجين المحليين لتنويع الاسواق المستهدفة ومن ازدياد القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية نتيجة ارتفاع سعر اليورو بالنسبة الى العملة المحلية. وقد بلغت قيمة الواردات الاجمالية 9397 مليون دولار مقابل 7168 مليون دولار في العام 2003، بينما بلغت قيمة الصادرات الاجمالية 1747 مليون دولار مقابل 1524 مليونا في السنة السابقة.

من جهة اخرى، تراجعت الرساميل الوافدة في العام 2004 بما يقارب 13,4%، اذ بلغت 7819 مليون دولار مقابل 9030 مليونا في السنة السابقة. وقد عكس هذا التراجع بوجه خاص اثر تحويلات باريس 2 خلال النصف الاول من العام 2003، وهي تحويلات حكومية بقيمة تناهز 2040 مليون دولار، جاءت من الامارات العربية المتحدة والكويت وفرنسا والسعودية وقطر. ولكن، اذا طرحنا تحويلات باريس 2، تكون الرساميل الخاصة الوافدة قد زادت بنسبة 11,9% على أساس سنوي.

لقد أتاحت الرساميل الوافدة في العام 2004 امتصاص العجز التجاري، ما أسفر عن فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 169 مليون دولار، مقابل فائض بقيمة 3386 مليون دولار في العام 2003. ولو استقرت حركة الرساميل عى مستواها المحقق في العام 2003، لكان ميزان المدفوعات قد سجل فائضا بقيمة 1380 مليون دولار. ولو استقر الميزان التجاري على حاله، لكان ميزان المدفوعات قد سجل فائضا بقيمة 2175 مليون دولار.

القطاع العام

يبدو ان العوامل المتصلة بالنمو الاقتصادي وإجراءات إعادة هيكلة الدين العام قد تركت بصماتها على أوضاع المالية العامة في سنة 2004، اذ خفت حاجات الحكومة الافتراضية بفضل انتعاش النشاط الاقتصادي (على صعيدي الاستهلاك والاستثمار) وتقلّص خدمة الدين. ومن جراء ذلك، تحسن وضع المالية العامة نسبيا في العام 2004، مع انخفاض النسب المتعلقة بالمديونية.

فانتعاش الحركة الاقتصادية ترك أثراً إيجابياً على الايرادات العامة التي زادت بنسبة 12,9% لتبلغ 7514 مليار ليرة في العام 2004. وبوجه خاص، فإن ايرادات الموازنة التي زادت بنسبة 13,8% لتصل الى 7075 مليار ليرة، استفادت من نمو الايرادات الضريببة وغير الضريبية بنسبة 14,8% و11,1% على التوالي.

أما النفقات العامة فقد ظلت في العام 2004 شبه مستقرة، اذ تراجعت بقيمة 52 مليار ليرة (0,5%) لتبلغ 10540 مليار ليرة في نهاية السنة. والواقع انه تم ضبط الانفاق بفضل خفض نفقات الموازنة بنسبة 5,7% مقابل ارتفاع نفقات الخزينة الكبير بنسبة 25,3%، وبوجه خاص، استفادت نفقات الموازنة، للمرة الاولى في سنوات ما بعد الحرب، من تقلص خدمة الدين بحوالى 17,5%. فهذه الخدمة تقدر بقيمة 4021 مليار ليرة في العام 2004. وقد شكلت خدمة الدين 38,1% من مجموع النفقات و48,8% من نفقات الموازنة بينما امتصت 51,8% من مجموع الايرادات و53,5% من ايرادات الموازنة. أما النفقات غير المتعلقة بالفوائد فقد زادت بنسبة 8,9% على أساس سنوي.

أما تمويل العجز العام، فقد تم على وجه الخصوص باستدانة خارجية. ذاك ان الدين العام المحرر بالعملات الاجنبية ارتفع بنسبة 18,0% منذ نهاية كانون الاول 2003، اي بما قداره 2800 مليون دولار ليصل في نهاية كانون الاول 2004 الى 18375 مليون دولار. ويشكل الدين الخارجي حاليا 51,2% من الدين العام مقابل 46,7% في نهاية العام 2003. من ناحية الدين العام المحرر بالعملة الوطنية، فقد انخفض بنسبة 1,8% (اي بما مقداره 475 مليار ليرة) منذ بداية السنة، متراجعا من 26843 مليار ليرة في نهاية العام 2003 الى 26368 مليار ليرة في نهاية العام 2004. وهكذا، بلغ الدين العام الاجمالي 54068 مليار ليرة في العام 2004، اي ما يعادل 35866 مليون دولار، متزايدا بنسبة 7,4% وبمقدار 3746 مليار ليرة مقارنة مع العام 2003.

القطاع المالي: الوضع النقدي

صمدت الاوضاع النقدية في وجه تحديات عدة خلال سنة متسمة بأحداث سياسية حرجة. فالسياسة الاحترازية التي اتبعها المصرف المركزي وتحسب المصارف التجارية لمثل هذه الاحداث سمحا بالحفاظ على استقرار السوق، وأقفلت سنة 2004 على سعر صرف رسمي للدولار الاميركي قدره 1507,5 ل.ل. شأنه منذ ست سنوات، علما ان قوى السوق مالت لصالح الليرة في الشهر الاخير من السنة. وفي ظروف كهذه، كانت السيولة بالليرة متوافرة بسهولة في أغلب الاحيان، حتى في شهري تشرين الاول وتشرين الثاني لدى اشتداد الضغوط على سوق القطع.

غير ان المصرف المركزي استطاع زيادة احتياطياته، خصوصا خلال النصف الاول من السنة مقابل انخفاض مخزون القطع الاجنبي لديه في النصف الثاني منها. وقد استفادت الاحتياطيات من تسديد المصارف التجارية بالنقد الاجنبي في مطلع السنة قيمة شهادات الايداع التي كانت اكتتبت بها في السنة السابقة، ومن ودائع اضافية للمصارف التجارية بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان (خصوصا بفضل موسم اصطياف مزدهر وعطلة رأس السنة حيث ارتفعت الرساميل الوافدة بشكل لافت)، كما من اصدار سندات سيادية جديدة (2,7 مليار دولار) خلال السنة. وقد قابل ذلك تسديد الحكومة فوائد وديون مستحقة بالعملات الاجنبية قاربت قيمتها 2,9 مليار دولار، اضافة الى تحويلات صافية لصالح الدولار الاميركي لا سيما بين شهري ايلول وتشرين الثاني تحت ضغط تجاذبات سياسية محلية مثيرة للمخاوف في الاسواق.

فقد بدأ المصرف المركزي بالتدخل في اواخر الصيف لمواجهة تحويلات الى العملات الاجنبية بلغت مستواها الاعلى في منتصف تشرين الاول جراء قلق سياسي متزايد. وأسفرت هذه التحويلات من موجودات بالليرة الى اخرى بالعملات الاجنبية عن ارتفاع معدل دولرة الودائع من 66% في العام 2003 الى 70% في العام 2004. في المقابل، انعكس هذا المنحى السلبي في الشهر الاخير من السنة الفائتة حيث انقلبت السوق لصالح الليرة. وبما أن السنة انتهت بحالة جيدة نسبيا، فقد راح المصرف المركزي يتدخل شاريا الدولار من سوق القطع ليعيد جزئيا تكوين احتياطياته من القطع الاجنبي. وهكذا، بلغت الموجودات الخارجية للمصرف المركزي 11,5 مليار دولار، اي ما يعادل 68% من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية (او اكثر من 91% في حال احتساب احتياطيات المصرف المركزي من الذهب)، مقابل 12,2 مليار دولار في العام 2003 (71% من الكتلة النقدية).

في مثل هذا الوضع الضاغط، حافظت معدلات الفائدة على سندات الخزينة في السوق الاولية على أدنى مستوى لها منذ عشرين عاما، عقب انخفاض هذه المعدلات، على مختلف الفئات، بما بين 6 و7% في المتوسط منذ مؤتمر باريس 2. ولكن نظرا للتوترات السياسية المتزايدة، عرضت السلطات النقدية عمليات مقايضة سندات خزينة بالليرة من جميع الفئات ما عدا فئة الثلاثة اشهر. وكانت الغاية من عمليات المقايضة (السواب) اعادة جدولة وبالتالي ارجاء تسديد السندات المستحقة في الشهرين الاخيرين من السنة (حوالي 4000 مليارات ليرة).

في سياق هذه التطورات، تراجعت محفظة سندات الخزينة لدى المصارف من 11366 مليار ليرة في العام 2003 الى 10853 مليارا في العام 2004. اما السندات المملوكة من الجمهور فقد انخفضت من 5603 مليارات ليرة في العام 2003 الى 3500 مليار ليرة في العام 2004. ومن اجل تقليص الفارق بين الاكتتابات والاستحقاقات، تدخل المصرف المركزي في السوق الاولية بحيث ارتفعت محفظته من السندات بقيمة 1407 مليارات ليرة.

في هذا السياق، تعززت المفاعيل التراكمية للسياسة النقدية في العام 2004. فعلى صعيد تعقيم الرساميل الوافدة، يتبين ان حصة حسابات الدولة الدائنة لدى مصرف لبنان، والتي تشكل فوائض الاكتتابات بسندات الخزينة، ارتفعت من 22,2% من مجموع الرساميل الوافدة في العام 2003 الى 37% في العام 2004. وعلى صعيد المفاعيل الاستبعادية، شهدت حصة الدولة من التسليفات المصرفية ارتفاعا طفيفا من 48% الى 50%، وعلى صعيد تقلص هامش الوساطة المصرفية، سجلت حصة اكتتابات الجمهور المباشرة بسندات الخزينة من الكتلة النقدية بالليرة تراجعا مهما، من 21,4% في العام 2003 الى 13,5% في العام 2004 وذلك بسبب الانخفاض البسيط للكتلة النقدية بالليرة والانخفاض الكبير لحجم سندات الخزينة المملوكة من الجمهور ( 37,5%).

يضاف الى ذلك ان تحليل الوضع النقدي يُظهر نمو الكتلة النقدية بقيمة 6616 مليار ليرة مقابل خلق نقد بقيمة 5034 مليار ليرة. وقد نتج هذا الاخير عن ازدياد مديونية الدولة تجاه القطاع المصرفي بقيمة 3388 مليار ليرة، وازدياد الديون على القطاع الخاص بقيمة 1112 مليار ليرة، في ظل ارتفاع ضئيل للموجودات الخارجية الصافية بقيمة 535 مليار ليرة. اما الفرق بين نمو الكتلة النقدية وخلق النقد، فهو يعود الى تنقيد ملحوظ لذمم مالية جراء استحقاقات كبيرة لسندات خزينة مملوكة من الجمهور لم تتم اعادة توظيفها في اكتتابات جديدة بل على شكل ودائع في القطاع المصرفي.

وفي العام 2004، سجلت الموجودات الخارجية الصافية للجهاز المصرفي (المصارف التجارية ومصرف لبنان) زيادة بقيمة 355 مليون دولار. وإذا اخذنا في الحسبان تغيرات اسعار الذهب وتقلبات اسعار العملات الدولية، تكون الموجودات الخارجية الصافية للجهاز المصرفي قد ارتفعت بقيمة 168,5 مليون دولار، نتيجة انخفاض موجودات المصرف المركزي بقيمة 781 مليون دولار وازدياد موجودات المصارف التجارية بقيمة 950 مليون دولار في العام. ان النمو المتواضع للموجودات الخارجية الصافية يدل على ضآلة مساهمة التدفقات الخارجية في نمو الكتلة النقدية.

النشاط المصرفي

في مثل هذا المناخ الاقتصادي المتحسن، حافظ النشاط المصرفي على عافيته. فهذا النشاط، المقاس بالميزانية المجمعة للمصارف العاملة في لبنان، ازداد بنسبة 12,8% في العام 2004. وهذه الزيادة تفوق بقليل النمو الاقتصادي الاسمي والمعدل الوسطي لنمو الموجودات في السنوات الخمس الاخيرة، والمقدر ب 10,5%.

على صعيد ودائع الزبائن، التي هي محرك نمو النشاط المصرفي، فقد زادت بقيمة 9236 مليار ليرة، اي بنسبة 12,6%، وهذه الزيادة هي أعلى من متوسط نمو الودائع في السنوات الخمس الاخيرة، والمقدر ب 9,8%. ففي الواقع، عرف القطاع المصرفي في السنتين الماضيتين اكبر نمو له، بإضافة 12,1 مليار دولار الى قاعدة ودائعه. وحتى خلال الفترة التي شهدت ضغوطا كبيرة على الاسواق (تشرين الاول وتشرين الثاني 2004)، سجلت الودائع المصرفية نموا صافيا، بحيث فاقت الايداعات حجم السحوبات.

وتجدر الاشارة الى ان النمو الاقتصادي دعم زيادة الودائع هذه، وكذلك عدم تجديد قسم كبير من سندات الخزينة المملوكة من الجمهور، اذ استحقت منها في العام 2004 سندات بقيمة 2103 مليارات ليرة، اودعت في المصارف اللبنانية، يضاف الى ذلك ان اهتمام غير المقيمين (وبينهم مستثمرون عرب) بالقطاع المصرفي اللبناني ظل قائما بحيث اصابت ودائع هؤلاء 30% من زيادة الودائع الاجمالية.

ويظهر تحليل اهم الاستعمالات والموارد حسب نوع العملة في العام 2004 ازدياد الودائع بالليرة بقيمة 77 مليار ليرة والودائع بالعملات الاجنبية بقيمة 6178 مليون دولار، وازدياد التسليفات بالليرة بقيمة 413 مليار ليرة والتسليفات بالعملات الاجنبية بقيمة 792 مليون دولار.

في العام 2004، زادت الديون المصرفية على الدولة بالعملات الاجنبية بنسبة 15% بعدما كانت انخفضت في العام 2003 بنسبة 21,0%.

من ناحية العملة المحلية، وعلى الرغم من استئناف اصدارات سندات الخزينة في السوق الاولية (منذ تشرين الثاني 2003)، فقد انخفضت محفظة المصارف من سندات الخزينة بالليرة بقيمة 512 مليار ليرة لتبلغ 9825 مليار ليرة في نهاية العام 2004 (62,5% من الودائع بالليرة مقابل 64,5% في العام 2003). وتدل مثل هذه الظاهرة على ضعف الاكتتاب بالادوات المحررة بالليرة مقابل ازدياد السندات المحررة بالعملات الاجنبية في ظل ارتفاع نسب دولرة الودائع. فالديون المصرفية على الدولة بالعملات الاجنبية زادت في العام 2004، نتيجة اصدار سندات يوروبوندز بالعملات الاجنبية، وذلك بعد 18 شهرا من عدم تجديد سندات مستحقة. وهكذا ارتفعت قيمة محفظة السندات السيادية المملوكة من القطاع المصرفي من 6364 مليون دولار في نهاية العام 2003 الى 8792 مليون دولار في نهاية العام 2004، اي بما مقداره 2427 مليون دولار، مشكلة ما نسبته 39% من نمو الودائع بالعملات الاجنبية. كذلك ارتفعت نسبة الديون المصرفية على الدولة بالعملات الاجنبية الى الودائع بهذه العملات من 19,8% في كانون الاول 2003 الى 22,9% في كانون الاول 2004 بحيث اقتربت من حدها الاقصى المسجل في نهاية العام 2002 (23%).

في ما يتعلق بالربحية، ظل اداء القطاع المصرفي عام 2004 شبه ثابت بالقيم المطلقة. وقد اتسمت شروط الاستثمار بمفعول حجم ايجابي نتيجة النمو الكبير للنشاط، انما وازنه مفعول كلفة سلبي مطرد انعكس في التقلص المستمر للعوائد والهوامش.

وحسب تقرير <<بنك داتا للخدمات المالية>> المتعلق بالمصارف الكبرى المدرجة في فئة <<ألفا>>، والصادر في نهاية ايلول 2004، فان الارباح الصافية للمصارف الكبرى (التي تفوق ودائع كل منها المليار دولار) سجلت ارتفاعا ضئيلا بنسبة 2,8% على اساس سنوي. وقد تراجعت الهوامش الاجمالية لمصارف الفئة <<ألفا>> من 2,4% في ايلول 2003 الى 1,88% في ايلول 2004، اي بانخفاض صاف قدره 52 نقطة اساسية. غير ان مفعول ازدياد الحجم المهم قد استوعب تقلص هوامش الفوائد، بالرغم من تحسن المداخيل من العمولات، مخففا من المناعة تجاه تطورات معاكسة قد تطرأ على معدلات الفوائد. وما ساعد على ارتفاع المداخيل غير المرتبطة بالفوائد بما يزيد عن 32% من الدخل المالي الصافي (مقابل اقل من 20% في منتصف التسعينيات من القرن الماضي) هو تنويع المنتجات من قبل المصارف في السنوات القليلة الماضية. وعقب نجاح مثل هذا التنويع، تسعى المصارف الكبرى حاليا الى تنويع جغرافي لمجال عملها عبر البحث عن اسواق اقليمية جديدة مجدية. فالحجم الزائد للقطاع المصرفي بالنسبة الى الاقتصاد المحلي يشكل ركيزة متينة للتوسع خارج الحدود اللبنانية، وهو مسار انطلق بقوة منذ بداية العام 2004.

البورصة وسوق السندات

كان أداء اسواق الرساميل متفاوتا في سنة اتسمت باستحقاقات سياسية عدة، لكن السنة اقفلت على منحى ايجابي. وفي حين كانت الادوات المحررة بالليرة الاكثر تأثرا بالتجاذبات السياسية المحلية، اظهرت اسواق الاسهم وسندات الدين اداء سنويا افضل. في المقابل، لا تزال الادوات المحررة بالعملات الاجنبية اقل تأثرا بالتطورات السياسية الداخلية، ويبدو ان اسواق سندات اليوروبوندز والاسهم استفادت من ارتفاع دولرة الموجودات المالية (?4%). ذاك ان سوق الاسهم استقطبت الطلب المحلي والاقليمي على الاسهم اللبنانية. كذلك دعم طلب سندات اليوروبوندز ارتفاع الاسعار في العام 2004، خصوصا بعد سلسلة تطورات جديدة متمحورة حول عمليات <<سواب>> واصدارات جديدة متممة بنجاح. لقد بلغ حجم التداول في بورصة بيروت 197,8 مليون دولار في العام 2004 مقابل 117,5 مليون دولار في العام 2003. وقد ادت هذه الحركة، التي بلغت ذروتها منذ العام 1998، الى ارتفاع مؤشر التداول من 63,5 في العام 2003 الى 107,9 في العام 2004، وهو اعلى مستوى له منذ 1999. كذلك ارتفع مؤشر الاسعار في مثل هذه الظروف المؤاتية بنسبة 30,4%. اما اسعار ايصالات الايداع العمومية، فارتفع مؤشرها بنسبة 26% مقارنة مع العام 2003، ليصل الى أعلى مستوى له منذ نيسان 2003 (113,3).

لقد أثارت الاسهم اللبنانية اهتمام المستثمرين بشكل متزايد، اذ ادرك هؤلاء ان الاسهم اللبنانية مسعرة بأقل من قيمتها الحقيقية بالنظر الى اساسيات الشركات المدرجة في البورصة، في سوق متسمة بضعف السيولة والفعالية.

وكانت شركة سوليدير بوجه خاص المحفز الاساسي لهذه الحركة. فمن جهة، كان من المتوقع ازدياد ربحية هذه الشركة. ومن جهة اخرى، نشأ اهتمام بأسهم سوليدير بفضل مبيعات الاملاك لصالح المستثمرين العرب، بعد اطلاق برنامج سوليدير الجديد الذي يتيح للمساهمين استخدام جزء من اسهمهم كأداة دفع لشراء الاملاك في وسط بيروت، وعلى العموم، ارتفع سعر كل من سهمي سوليدير أ و ب بنسبة 82,3% و64,6% على التوالي، ليبلغا أعلى مستوياتهما منذ العام 2000 (8,25 دولار و8,1 دولار على التوالي). كذلك استفادت أسهم المصارف من المردوديةالصافية المتزايدة في ظل تحسن الفعالية عموما في سوق الاسهم.

وعلى الرغم من هذا التحسن، لا تزال الاسهم اللبنانية موضع تبخيس نسبي، فمؤشر اسعار الاسهم اقفل السنة على مستوى ادنى بنسبة 36% من متوسط الاسعار عند الاصدار وأقل بنسبة 56% من اعلى مستوياتها المحققة. وتعبر النسب المتعلقة بالسوق اللبنانية عن تبخيس للاسعار بالمقارنة مع الاسواق الاقليمية والناشئة. ذاك ان نسبة السعر/ متوسط الربح بلغت 8,2 في نهاية العام 2004 مقابل 18,0 في العالم العربي. كذلك، بلغت نسبة السعر/ متوسط الاموال الخاصة 1,12 مقابل 2,7 في العالم العربي. ويعكس ذلك ضعف الاسعار في سوق متسمة بقلة السيولة والفعالية.

هذا وبالمقارنة مع الاسواق الناشئة، جاء اداء الاسهم اللبنانية افضل خلال السنة. ذاك ان مؤشر مورغان ستانلي، والذي يضم 26 مؤشرا لاسعار اسهم الاسواق الناشئة، ارتفع بنسبة 22% غير ان المؤشر المركب لصندوق النقد العربي يعبر عن اداء افضل في العالم العربي، اذ ارتفع بنسبة 64%.

في سوق سندات الدين بالعملات الاجنبية، كان الجو اكثر ايجابية. فقد كانت الحكومة المصدر الوحيد طوال السنة بينما لم يقم القطاع الخاص بأي اصدار. وارتفع حجم السندات المتداولة من 9,7 مليارات دولار في العام 2003 الى 11,95 مليار دولار في العام 2004، وبلغت حصة الحكومة 93% من المجموع. في خلال العام 2004، اصدرت الحكومة سندات بما يقارب 2,7 مليار دولار، لآجال مختلفة وبفوائد راوحت بين 7% و7,8%. كما قايضت سندات بقيمة 1,186 مليار دولار مقابل سندات جديدة قابلة للتبادل بقيمة 2,3 مليار دولار (تستحق في العام 2005). كذلك، سددت الحكومة سندات بقيمة 1,6 مليار دولار وقايضت (بعمليات سواب) سندات خزينة بالليرة مملوكة من المصرف المركزي بسندات يوروبوندز بقيمة مليار دولار ثم أعيد بيع هذه الاخيرة بكاملها في الاسواق المالية. رحبت السوق بهذه التطورات، خصوصا وان هذه الاصدارات تمت بنجاح. فالطلب كان قائما على الدوام متجاوزا بذلك اوضاع البلاد السياسية. والواقع ان سوق سندات اليوروبوندز استفادت من عمليات التحويل من الليرة الى الدولار في سوق القطع، خصوصا وان فوائض السيولة بالعملات الاجنبية التي كانت في حوزة المتعاملين دعمت الطلب على السندات بالعملات الاجنبية ذات المردود العالي. وهكذا، ارتفعت موجودات المصارف التجارية من السندات السيادية من 6364 مليون دولار في العام 2003 الى 8792 مليون دولار في العام 2004، نتيجة استئناف اصدارات سندات اليوروبوندز بالعملات الاجنبية بعد سنتين من عدم تجديد اصدارات مستحقة. وقد شكلت هذه الزيادة 41% من زيادة الودائع المصرفية في العام 2004، بحيث باتت الديون المصرفية على الدولة بالعملات الاجنبية تعادل 22,9% من ودائع المصارف التجارية مقابل 19,7% في العام 2003 و23,1% في العام 2002 يبقى القول ان اسعار السندات اللبنانية لا تزال اكثر قابلية للثبات من اسعار سندات الاسواق الناشئة المماثلة، سيما وان المستثمرين المؤسساتيين المحليين يستأثرون بما يزيد عن 80% من مجموع سندات اليوروبوندز ويسعون الى الحفاظ على مراكزهم حتى تواريخ الاستحقاق.

الخلاصة: مفارقة الاقتصاد اللبناني

على الرغم من تحسن الاداء الاقتصادي خلال السنة الماضية، لا يزال المستثمرون الدوليون يعتبرون لبنان بلد المفارقات نظرا لاوضاعه الاقتصادية والسياسية المحيرة. فثمة وجهات نظر عدة ترى ان نشاط البلد هو دون النمو المطلوب لضمان التوازن الآمن لاختلالاته المالية المستمرة، وان مثل هذا النمو يتأثر بالاوضاع السياسية المضطربة، والتي تفاقمت مؤخرا جراء اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كما يتأثر بغياب مسيرة الاصلاحات التصحيحية الحازمة. على ان احدا لا يستطيع ان ينكر منجزات العقد الاخير في لبنان، من خلال اعادة الاعمار الضخمة والسريعة للبلاد، وبفضل ارادة اللبنانيين الصلبة وتشبثهم بالبقاء والنهوض.

ان مثل هذه الاحوال التي غالبا ما تشبه <<باختلالات قائمة وسط توازن عام>> تدفع الى تصور واسع الافق لمفارقة الاستثمار.

فهذه المفارقة مرتبطة خصوصا بأداء هزيل للقطاع العام، مع وجود قطاع خاص قوي متمتع بطاقة متزايدة على النمو. ذاك ان القطاع العام لا يزال يعاني من نسب عالية من المديونية والعجز العام بالمقارنة مع المعدلات السائدة في البلدان الاقليمية والناشئة المماثلة. اما القطاع الخاص فهو ذو وضع مالي متين وقدرات عالية على النمو، خصوصا وانه يعمل بأقل من 60% من الاستخدام الكامل لطاقته الانتاجية. والقطاع الخاص يسهم حاليا بنحو 80% من الناتج المحلي الاجمالي، علما انه موجود في جميع القطاعات الاقتصادية ويشكل ركيزة رئيسية للنمو وللنهوض الاقتصادي.

ولدى القيام بتحليل نقاط القوة والضعف ومكامن الفرص والمخاطر في الاقتصاد اللبناني، يمكننا استنتاج ما يلي:

ان نقاط القوة تتعلق ببنية استثمار متنوعة ومنفتحة. فالنسب المتدنية لاستخدام الطاقات، في ظل طلب استهلاكي واستثماري متزايد، كفيلة بان تولد مع الوقت نسبا عالية من النمو الاقتصادي. وكانت علامات مثل هذا التطور قد بدأت بالظهور عام 2004.

ان نقاط الضعف تتعلق بالاختلالات الماكرو اقتصادية المستديمة. وترتبط هذه الاخيرة خصوصا بالاختلالات الكبيرة على مستوى المالية العامة. غير ان المخرج من مثل هذا المأزق ما زال متيسرا، اذا ما توافر له توافق سياسي نهائي وعزم أكيد من قبل السلطات المختصة.

ان الفرص كامنة لدى قطاع خاص قوي، ذي مكانة مالية هامة، وموارد مالية كبيرة، فهذا القطاع يعمل في مناخ من الحرية التامة، وقد بدأ يستفيد من تغيرات الجغرافيا السياسية الدولية، خصوصا بعد عودة المستثمرين العرب الى الاهتمام بالمنطقة.

اما المخاطر فتتعلق خصوصا بالتداعيات الاقتصادية المستجدة على اثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، نظرا لانعكاساتها السلبية المحتملة على النشاط بوجه عام. لا شك في ان اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري اثار مخاوف القطاعات الاقتصادية واوساط الاعمال، بسبب الدور الهام الذي لعبه في اعادة اعمار البلد خلال العقد المنصرم. ومع انه من المقدر ان تترك هذه الحادثة المأساوية بصماتها على اقتصاد البلاد، اقله في المدى المتوسط، الا انه لا يزال من المبكر جدا التكهن بانعكاساتها المحتملة. لقد قام المصرف المركزي وجمعية المصارف بتنسيق وتكثيف الجهود الرامية الى تأمين استقرار الاسواق. فهذه الفاجعة وقعت في فترة حيث الوضع المالي في افضل حالاته.

فعشية الجريمة، كانت الكتلة النقدية مغطاة بنسبة 66% بموجودات بالعملات الاجنبية لدى المصرف المركزية وكانت السيولة الجاهزة بالعملات الاجنبية لدى المصارف تساوي 52% من الودائع بهذه العملات. ويشكل هذان المتغيران عنصرين من اهم عناصر المناعة المالية.

لا شك ان اغتيال الرئيس رفيق الحريري اصاب الاسواق المالية كما سائر البلاد بالذهول، لكن الاسواق استطاعت مواجهة الضغوط التي نجمت عن الحادثة. غير انه يتعين على كافة الافرقاء السياسية التحرك سريعا باتجاه ارساء مجمل الآليات والاجراءات واتخاذ القرارات والتسويات التي من شأنها تعزيز مناخ الثقة في البلاد في سبيل ترسيخ الاستقرار الاقتصادي والمالي في المدعى المنظور وتمكين البلاد الى انتقال الى حال من النمو المستديم طال انتظاره.

السفير-لبنان

7-3-2005