بغداد زيدان الربيعي:
أدت الحالة التي شهدها العراق في كافة المجالات الى حصول فوضى عارمة في عملية الاستيراد غير المنظم للبضائع المختلفة والذي يسميه الاقتصاديون ب "الاستيراد العشوائي" مما ادى الى تعرض الاقتصاد العراقي المنهك الى خسائر فادحة نتيجة طمع البعض من التجار في الحصول على الارباح السريعة او جهل البعض الاخر في عملية الاستيراد. حيث يقوم بعضهم باستيراد مواد مستهلكة او بضائع رديئة او من مناشىء غير معروفة، والمشكلة الكبرى ان بعضهم قد استورد مواد غذائية منتهية الصلاحية ،مما عرض الكثير من المستهلكين للاصابة بالامراض. "الخليج الاقتصادي" تابع موضوع الاستيراد العشوائي مع احد الاقتصاديين العراقيين وشرائح اخرى من المجتمع العراقي وأعد التحقيق الآتي:
يقول فاروق احمد يونس (خبير اقتصادي): بعد عامين على احتلال العراق من قبل القوات الامريكية والذي ادى الى حصول فراغ امني على المنافذ الحدودية مما جعل بعض التجار العراقيين وتجار الدول المجاورة يستغلون هذا الفراغ عبر استيراد مختلف البضائع والسلع الكمالية والكهربائية وهذا بالمفهوم الاقتصادي يسمى "الاستيراد العشوائي" بحيث اصبحت هناك فوضى وعشوائية لم يشهدها العراق قبل هذه الفترة، وبالرغم من مرور العراق بظروف صعبة ابتدأت مع الحروب التي خاضها النظام السابق ومرورا بمرحلة الحصار وانتهاء بمرحلة الاحتلال الامريكي الا ان ما يحدث الان لم يشاهده الاقتصاد العراقي من قبل ، فالنشاط الاستيرادي حسب رأي المختصين يجب ان يجري وفق دراسات علمية وشاملة لمتطلبات العملية الاقتصادية كافة ولان ظروف العراق فيها من التعقيدات الشيء الكثير لذلك فان جميع هذه الانشطة الاستيرادية لم تخدم الاقتصاد العراقي بل ادت الى حرمان المواطن العراقي من الكثير من متطلبات الحياة الاساسية نتيجة اخطاء الاستيراد وكان في مقدمة تلك الاخطاء التي اضرت بالاقتصاد العراقي عملية استيراد السيارات على نحو منفلت حتى وصل عدد السيارات المستوردة الى مليون سيارة وهو رقم قياسي لاقتصاد أي بلد مستورد لهذه السلع، لقد كانت عملية الاستيراد لتلك السيارات غير مدروسة لانها اقتصرت على السيارات الخدمية من دون الانتاجية كما ان قدم هذه السيارات ادى الى مشكلة الادوات الاحتياطية وهذا يعني ان مبالغ طائلة من العملة صعبة ستتركز على هذا القطاع وبالتالي سوف يؤثر على احتياجات المواطن من السلع الضرورية التي يجب ان تكون من اولويات الاستيراد، لكن مع الاسف نرى ان دور الاجهزة المختصة في هذا الجانب ضعيف جدا فهذه الاجهزة سمحت بحصول هذه الفوضى ،الامر الذي اثر على انسيابية السير وبالتالي تعطيل العديد من الاعمال الضرورية لمن يستخدمون الطريق.
واضاف: ان الاستيراد يجب ان يكون وفق دراسة علمية تمثل احتياجات المواطن فبعد ان ذكرنا عملية الاسراف في استيراد السيارات نأتي على جانب آخر من الاستيراد العشوائي والمتمثل باستيراد البضائع الكهربائية من مناشىء ليست جيدة عكس بقية بلدان العالم التي تحرص على استيراد كل ما هو متطور وذات تقنية عالية، ان هذه المواد عرضة للاعطال مما يعني اننا نحتاج الى صيانة وادوات احتياطية وهذا يكلف الاقتصاد العراقي الذي هو اصلا منهك مبالغ اضافية من العملة الصعبة، اما استيراد بعض المواد الغذائية العشوائي فقد اضر بالصناعة الوطنية العراقية وجعلها في وضع منافسة غير معتدلة بالرغم من ان بعض هذه الصناعات العراقية افضل من المستورد الذي هو في اغلب الاحيان منتهي الصلاحية وهذا ما شخصناه لان التجار العراقيين وبمعاونة بعض التجار العرب بدءوا بادخال بضائع تضر بالمواطن العراقي صحيا ونفسيا وهذا يشمل المواد الغذائية التي ثبت انها غير صالحة للاستخدام البشري والقسم الاخر منها يحتوي على نسبة اشعاع غير مسموح به دوليا.
إذاً المواطن العراقي بحاجة الى عودة الاجهزة الصحية وجهاز الفحص المركزي والرقيب الجمركي الى المنافذ الحدودية التي تدخل منها البضائع المستوردة حتى نضمن ان هذه البضائع صالحة 100%. اننا بحاجة ماسة للسيطرة على السوق الاستيرادي وهذا لا يكون الا بتعاون عدة وزارات لتحقيقه ونأمل ذلك ان يكون من اولويات عمل الحكومة المقبلة.
ويقول عماد ناظم بائع للمواد الكهربائية في سوق بغداد الجديدة: بعد سقوط النظام السابق لم يعد هناك شخصان في العراق يختلفان في الرأي على ان النشاط الاستيرادي يعيش فوضى، فالسلع الموجودة في السوق لا تمثل جميع احتياجات المواطن العراقي. فالملاحظ ان بعض التجار يستوردون مادة ما ثم يقوم الاخرون باستيراد تلك المادة لكن من منشأ آخر وهكذا تتكرر العملية عدة مرات من قبل التجار وهذ ادى الى حصول حيرة وتفكير وتردد مستمر من قبل المواطن عندما يريد ان يشتري تلك المادة حتى اصبح لا يثق بالتاجر المستورد، لكن هنا يأتي دورنا في شرح مزايا كل نوع من هذه المادة. ان اسواقنا زاخرة بالبضائع والسلع المستوردة التي ادخلها التجار الى العراق من دون أي رسوم او جمارك مستغلين التسيب والاهمال العلني للمنافذ الحدودية من قبل مؤسسات الدولة المختصة، لكن يجب ان تضع وزارة التجارة حدا لهذا الانفلات الاستيرادي عبروضع ضوابط واسس لهذا التسيب، ان القطاع الاقتصادي في العراق بحاجة ماسة الى تلبية احتياجات القطاعات الزراعية والصناعية واستيراد كل ما يفيد لاعادة عجلة الصناعة العراقية من جديد وهذا ايضا يشمل القطاع الزراعي الذي لاقى اهمالا واضحا في هذا الجانب وعليه يجب ان تتوزع العمليات الاستيرادية لتغطي هذه الجوانب المهمة والتي يرتكز عليها اقتصادنا المتعب. ان الاستيراد الحالي قد اوضح ان التاجر العراقي بحاجة الى عدة ندوات لشرح مضامين عملية الاستيراد الناجح والتي تعزز الاقتصاد من خلال قيامه باستيراد سلع انتاجية تعيد الصناعة العراقية الى سابق عهدها وليس استيراد سيارات قديمة او ادوات كهربائية غير ذات قيمة او ما يفعله بعض التجار من خلال استيراد مواد صناعية مشابهه لصناعتنا الوطنية فهذا يؤثر على عملية بيع انتاجنا الوطني فالتاجر همه الاول هذه الايام هو الربح السريع والخيالي حتى لو كان على حساب الاقتصاد العراقي.
واكد جاسم الساعدي ان الاسواق العراقية بحاجة الى مواد وسلع يفتقد اليها مجتمعنا وخاصة نحن مقبلون على حملة اعمار وبناء ودخول شركات عالمية تحتاج الى سلع خدمية من النوع الجيد واذا لم تجدها فتستوردها هي من مناشئها وهذا يضر بالاقتصاد العراقي . ان ارتفاع اسعار البضائع والسلع هذه الفترة نابع من خلال تصرفات غير اخلاقية يقوم بها بعض التجار فهم يستغلون الاوضاع السياسية وتدهور الوضع لصالحهم فعند سماع نبأ عن غلق الحدود العراقية مع دول الجوار ولأي سبب كان فهم يسارعون لرفع الاسعار وبذلك هم لا يرتبطون بالقاعدة الصحيحة للاقتصاد المعروفة والمتبعة في جميع بلدان العالم. فهم خرجوا من نطاق تضارب العملة الصعبة بسبب الاجراءات الصحيحة للبنك المركزي العراقي الذي وضع سعراً ثابتاً للعملات الاجنبية من خلال خطة للسيطرة على ارتفاع وانخفاض هذه العملات وبالأخص الدولار الامريكي. ان الاقتصاد العراقي بحاجة ماسة لعملية تخطيط صحيحة وبناء اسس وركائز تساعد اقتصادنا على النهوض من جديد.
نوفل راضي يعمل في سوق الشورجة الكبير يقول: لقد ادى الاستيراد العشوائي للبضائع والسلع في العراق الى توقف عجلة تطور الاقتصاد العراقي وذلك لان كل ما موجود في السوق ليس سلع وبضائع من مناشىء عالمية وهي بالتالي لا تحقق طموحات العراقيين بل تستنزف دخلهم الشهري من خلال شراء مادة كهربائية غير جيدة وتتعرض للعطل وبعدها يضطر المستهلك الى شراء نفس المادة. ان الازدهار الاقتصادي الذي نسعى اليه لا يتحقق الا من خلال سياسة تنتهجها الحكومة تكون بمستوى الطموح حتى تحقق رفاهية اقتصادية وهذا لا يكون الا بعد استتباب الامن في العراق وقد لاحظنا ما فعلته السيارات المستوردة في شوارعنا فهي اضافة الى الاختناقات التي تسببها فأنها ساهمت بتلوث البيئة. وفي السوق ايضا هناك بضائع ليست مهمة لكن رغم ذلك استوردها التاجر فمن هنا نؤكد بان الاستيراد العشوائي قد اضر بالمجتمع العراقي وبالاقتصاد الوطني.
محسن وعد يعمل في سوق البياع يقول: لقد اهمل التاجر العراقي اثناء استيراده الكثير من السلع والبضائع الانتاجية التي يمكن الاستفادة منها للنهوض بقطاعاتنا الاقتصادية وهذا يدل على ان التاجر العراقي قد استغل الوضع الامني وغياب الرقابة وبدأ يعمل وفق ما يحقق له من ارباح. فنحن لم نسمع بان التاجر قد استورد معمل انتاجي او سيارات انتاجية زراعية او جلب مكائن جديدة يمكن ان تعيد الصناعة الى سابق عهدها بل تعمد هذا التاجر على استيراد البضائع التي لا تخدم المواطن . لقد القت الاوضاع الامنية المتدهورة بظلالها على جميع مفاصل الجسد العراقي ولعل هناك قطاعات مهمة عانت بسبب استمرار هذا الوضع وما عكسه على المواطن والتاجر على حد سواء في خنق فرص العمل المختلفة لقد كان لذلك اثر سلبي على التجار وبائعي قطع غيار المكائن الثقيلة. ان سوق المعدات والمكائن الثقيلة لم تلق الاهتمام الكامل رغم ان هناك بوادر جديدة لتحسن الوضع الامني ومن الممكن دخول الشركات العملاقة لذلك كان لزاما على المستورد تهيئة هذه الادوات الاحتياطية التي يعتمد عليها وقد لاحظنا في موجة الاستيراد العشوائي اهمالاً واضحاً لهذا الجانب وهذا قد يستغل من قبل التاجر غير العراقي وقد تضطر الشركات الاجنبية لجلب ادواتها الاحتياطية مع معداتها الثقيلة وبذلك يحرم الاقتصاد العراقي من الحصول العملة الصعبة التي يمكن ان تحسن وتطور أداءه. واضاف: ان الاقتصاد العراقي بحاجة ماسة لعملية اصلاح لكافة مؤسساته سواء القطاع العام الذي تملكه الدولة او القطاع الخاص وهو بحاجة ماسة لدعم الدولة بشكل صحيح، وعلى العموم فالفرصة ما زالت قائمة لتحسين الوضع الاقتصادي وذلك من خلال توجيه المستورد الى استيراد السلع التي من شأنها ان تساعد على النهوض بكافة القطاعات الاقتصادية. اننا بحاجة الى عملية اعادة تنظيم المؤسسات الاقتصادية العراقية ورسم سياسة من شأنها تطوير هذه المؤسسات.
الخليج-الامارات
10-3-2005