واشنطن، بيروت حنان البدري، "الخليج":
لم تقف الاجراءات الأمريكية ضد سوريا عند حد، رغم الترحيب بخطوة بدء سحب أجهزة الاستخبارات من بيروت أمس، إذ بدأ الكونجرس درس سلسلة عقوبات اقتصادية وعسكرية اضافية على سوريا ذريعتها هذه المرة العمل ل "إقامة نظام ديمقراطي"، ويبدو من سياقها أنها أشبه بالصيغ التي استهدفت العراق قبل غزوه واحتلاله من دون أن يستثني استهداف "حزب الله" اللبناني، الذي دعاه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أمس الى أن "يثبت أنه ليس منظمة إرهابية"، وذلك بعدما تبنى مجلس النواب الأمريكي قراراً يطالب الاتحاد الأوروبي بإدراج الحزب على القائمة الأوروبية "للارهاب". وفيما أعلن "حزب الله" أمس استعداده للمشاركة في حكومة "اتحاد وطني" في لبنان، مع بدء مشاورات رئيس الحكومة المكلف عمر كرامي، طالب نواب لبنانيون معارضون أمس الرئيس اميل لحود بالاستقالة حتى يجنب البلاد "أزمة سياسية واقتصادية". وكان ملحوظاً أن النواب المطالبين بذلك مسيحيون، جددوا المطالبة أيضاً برحيل قادة الأجهزة الأمنية.
وقال بوش أمس ان على "حزب الله" أن يثبت أنه ليس جماعة "إرهابية" بتخليه عن الأسلحة وعدم تهديد عملية السلام في الشرق الأوسط. ورداً على سؤال حول ما إذا كان يؤيد أن يلعب "حزب الله" دوراً سياسياً في لبنان، قال بوش: "نحن نعتبر "حزب الله" منظمة ارهابية، وآمل أن يثبتوا أنهم ليسوا كذلك بالتخلي عن الأسلحة وعدم تهديد السلام".
وأحال الكونجرس الأمريكي مشروع قانون جديداً أكثر تشدداً ضد سوريا الى عدد من لجانه لمناقشته تمهيداً لتمريره، خصوصاً لجنتي العلاقات الدولية والمالية. وينص القانون الجديد الذي يحمل الرقم 1441 على عدد من الاجراءات التي تُحكم الحصار التام والعزلة على سوريا، اقتصادياً وسياسياً، بغرض تحويلها الى دولة ديمقراطية ذات حكومة منتخبة، "لإتمام تحرير" سوريا ولبنان. وتشمل العقوبات الدول والأشخاص والشركات المتعاونة مع سوريا في كل المجالات. ويدعو الى توقف هذه الجهات عن تقديم أي نوع من الدعم للحكومة السورية. كما ينص القانون على فرض حظر تسلح في مجال التسليح العادي، اضافة لحظر تزويد سوريا بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل.
وقال طوني حداد مسؤول "منظمة المجلس اللبناني الأمريكي للديمقراطية"، وهي المنظمة التي أعلنت مسؤوليتها عن الزج بهذا القانون الى أروقة الكونجرس من خلال مقدميه من أعضاء بمجلس النواب، وعلى رأسهم اليانا روس ليهتنهين، ل "الخليج"، عشية لقاء الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بالبطريرك الماروني نصر الله صفير، إنه يتوقع أن يقدم مشروع القانون المذكور الى مجلس الشيوخ الأمريكي في وقت قريب للغاية لتمريره، ليكون ملزماً. وأضاف انه "لم يصبح أمام سوريا الآن وقد بدأت بالانسحاب من لبنان سوى خيار واحد، وهو مماثل للخيار الذي واجهه الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، وهو أن تفتح أبوابها للتفتيش عن الأسلحة، وتتعهد عدم دعم الإرهاب".
وحول بعض بنود القانون الجديد المتعلقة بدعم المنظمات اللبنانية بالخارج المطالبة بالديمقراطية واحترام سوريا لحدودها مع الدول المجاورة (بما فيها "إسرائيل)، قال حداد ل "الخليج": إن سوريا لم تحترم حدودها مع لبنان، وكانت تهرّب الأسلحة، لذا ينبغي ان تحترم سوريا حدودها، وتعاود رسم تلك الحدود وتعترف بأن مزارع شبعا لبنانية، حتى يتمكن لبنان من المطالبة بها، إذ تخضع حاليا للاحتلال "الاسرائيلي". أما بالنسبة لعودة رموز المعارضة اللبنانية من الخارج فإن الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة، وذلك يندرج على المعارضة اللبنانية الموجودة في أوروبا وأمريكا، وأيضا فلول "جيش لبنان الجنوبي" في "اسرائيل"، وإذا كان ضد اي منهم اتهامات لجرائم قاموا بها فلنحاكمهم، ولنحاكم الجميع ايضا بمن فيهم عملاء سوريا في لبنان، فهم ايضا ارتكبوا جرائم قتل واستيلاء على اموال وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون".
وأشار حداد الى أن لقاء بوش مع البطريرك صفير يأتي في إطار اهتمام بوش بدعم لبنان، ،وانه من الضروري الآن ان يتم تجميع كل وسائل الدعم الاقتصادي والمعنوي لإعادة تعمير لبنان المثقل بديون تفوق حجم اقتصاده.
وحصلت "الخليج" على النسخة النهائية من مشروع قانون الكونجرس الجديد الذي اشتمل على مطالبات ملزمة لإدارة بوش للعمل على معاقبة الحكومة السورية لتصرفاتها المتعلقة بتأييدها ما يسمى "الإرهاب" وتطويرها صواريخ بعيدة المدى، وقدراتها وبرامجها التسلحية، بما فيها اسلحة الدمار الشامل والاسلحة العادية"، ولخروقاتها "الكبيرة والمستمرة لحقوق الانسان لكل من الشعبين السوري واللبناني"، وأيضا لتهديدها لمصالح الأمن القومي الامريكي والسلام الدولي.
ويلزم مشروع القرار الجديدة ادارة بوش القيام بما يأتي:
- منع سوريا وفرض حظر عليها في ما يتعلق بتمويل او توفير ملاذ آمن للإرهاب او تأييد المنظمات الإرهابية.
- منع سوريا من تطوير اي اسلحة كيماوية او نووية او صواريخ بالستية طويلة المدى.
- منع سوريا من الاستمرار في التدخل في شؤون حكومة لبنان، او الاستمرار في احتلال اراض لبنانية لما فيها من مخالفة للقرارات الدولية الرقم 425 للعام ،1978 و426 للعام ،1978 و520 للعام 1982 (الذي ينص على ان ينتشر الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني على حدود لبنان الجنوبية مع "اسرائيل")، والقرار 1559 للعام 2004.
- منع سوريا من الاستمرار في كبت الشعب السوري.
- ان يصدر الرئيس الامريكي تعليمات لمندوبه لدى الأمم المتحدة لاستخراج قانون حظر دولي ضد حكومة سوريا طبقا للبند 41 من ميثاق الأمم المتحدة.
- وقف اي محاولات او مجهودات اي دولة تساعدها الولايات المتحدة يثبت قيامها بمساعدة سوريا او تسهيل حصول دمشق على اي قدرات تسليحية.
واشتمل مشروع القانون الجديد ايضا على عقوبات ستفرض على الشركات والاشخاص والدول المتعاونة مع سوريا، او حتى التي تقوم بتقديم مساعدات من اي نوع حتى الانسانية الى سوريا.
وتشمل العقوبات "إلغاء رخص تصدير او توريد كل انواع السلع من هؤلاء الاشخاص والشركات والدول التي يثبت تعاملها مع سوريا".
وجاء في بنود اخرى تعليق الولايات المتحدة للاتفاقيات العسكرية والثنائية مع تلك الدول المتعاونة مع سوريا، في الوقت نفسه الذي ستعمل فيه واشنطن على استصدار حظر من كل المؤسسات المالية الدولية خصوصاً البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والهيئات المالية الأوروبية لمنع تقديم المساعدات الاقتصادية للحكومة السورية.
والمدهش ان مشروع القانون يلزم ادارة بوش بتفعيل هذا الاتجاه المتشدد لدى المجموعات الاقليمية والدولية التي تشارك فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، اضافة الى تسجيل موقف رسمي من الولايات المتحدة لدى منظمات مثل وكالة الطاقة النووية ومفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لمعارضة اي مساعدات تقدم لسوريا، والقيام بإجراءات تلزم سوريا بالكشف عن كل ما لديها من أسلحة من دون قيد أو شرط، ومنع سوريا من الترشح لعضوية هذه المنظمات، إضافة الى قيام بوش عبر مندوبه لدى المفوضية الدولية لحقوق الإنسان بجنيف بطلب استصدار قرار دولي لمساءلة سوريا في شأن خروقاتها لحقوق الإنسان السوري واللبناني وتعيين مقرر دولي خاص للتحقيق في الملف السوري.
الجدير بالذكر ان مشروع القانون الجديد يتهم سوريا بالمسؤولية عن اعمال الإرهاب كافة بالعراق! كما يلزم إدارة بوش بتقديم تقرير دوري للكونجرس، يشمل قوائم بأسماء الشركات والأشخاص والدول التي تعاونت أو تتعاون أو ستتعاون مع سوريا على كل الصعد، بما فيها الدول التي لها ديون على سوريا! أو الجهات التي تقوم بأعمال مقايضة مع سوريا، ويشمل التقرير أيضاً وصفاً دقيقاً لكل أنواع المواد الأولية أو نصف المصنعة أو المصنوعة بأكملها داخل سوريا للتأكد من عدم دخولها الى السوق الأمريكي عبر وسطاء، سواء أكانوا دولاً أو شركات أو أشخاصاً.
وينص القانون ايضاً على ضرورة قيام الولايات المتحدة بالتأكد وتشجيع ظهور حكومة ديمقراطية جديدة في سوريا تستنكر الارهاب وتتعهد بمحاربته، وتفكك كل برامج الأسلحة لديها، وتحترم حدود وسيادة جيرانها، وتعيش بسلام وأمن مع كل الدول بالمنطقة، وتحمي حقوق الإنسان والحريات المدنية لمواطنيها. وفي ما يخص لبنان ان تلتزم الولايات المتحدة استعادة السيادة اللبنانية، بما فيها الانسحاب الفوري وغير المشروط لكل الافراد السوريين من لبنان، ومساعدة محبي الديمقراطية من اللبنانيين لاستعادة حكومة منتخبة وحرة ومعترف بها دولياً.
ويمنح مشروع القانون الرئيس الأمريكي سلطة تقديم مساعدات مالية للأفراد والمنظمات غير الحكومية اللبنانية العاملة في مجال الديمقراطية، وأيضاً لضحايا التسلط السياسي وعائلاتهم والمعتقلين السياسيين اللبنانيين وعائلاتهم. مع انشاء وسائل إعلام مرئية ومسموعة موجهة لسوريا ولبنان لدعم جهود بناء الديمقراطية والمجتمع المدني.
وفي بيروت (ا.ف.ب) طالب عدد من النواب اللبنانيين، أغلبيتهم من المعارضة أمس (الثلاثاء) رئيس الجمهورية اميل لحود، الموالي لسوريا، بالاستقالة حتى يجنب البلاد "أزمة سياسية واقتصادية". وقال النائب المسيحي فريد الخازن في مؤتمر صحافي: "ندعو رئيس الجمهورية الى التحلي بالشجاعة الأخلاقية بإعلان استقالته، لأنها السبيل الوحيد لنزع فتيل الانفجار والتحضير للبنان الجديد الذي يتوق اليه جميع اللبنانيين، ولتجنيب لبنان كارثة وطنية واقتصادية ونظامية سيلعن التاريخ كل من شارك فيها".
وأضاف الخازن، الذي استقال من منصبه كوزير للسياحة،: "لأنه لا يجوز حفاظاً على كرامة الرئاسة الأولى ان يطالب رئيس الجمهورية بالاستقالة عبر تواقيع نيابية أو في الشارع، فإننا نطالبه بالتقدم باستقالته الفورية الى الشعب اللبناني، ليدخل التاريخ من باب الحرص على لبنان والحفاظ على وحدته الوطنية وسلمه الأهلي".
وناشد النائب المسيحي جان عبيد، الموالي لسوريا، في تصريحات تلفزيونية الرئيس لحود "ان يأخذ مثالاً احد رموز استقلال لبنان (1943) الرئيس بشارة الخوري ويظهر قدرته على التضحية". وأكد النائب المسيحي فؤاد السعد في تصريح لوكالة الأنباء المركزية اللبنانية الخاصة "ان الأزمة لن تنتهي الا برحيل الرئيس لحود مع كل اجهزته (الأمنية) والمجيء بعهد جديد وبرئيس جديد".
ودعا النائب المسيحي نسيب لحود الرئيس اللبناني الى "أخذ العبر" من التظاهرة الحاشدة التي دعت اليها المعارضة (الاثنين) وشارك فيها نحو مليون لبناني من مختلف الطوائف والمناطق.
الخليج-الامارات
16-3-2005