مع النمو الاقتصادي السريع في الصين، ظهر في أنحاء البلاد عدد متزايد من القصور الفخمة. وفي الوقت الحالي، تطور بناء القصور في الصين من أسلوب تقليد المباني خارج البلاد إلى أسلوب الإبداع الفريد. وبدأ المستثمرون في العقارات وكبار المهندسين المعماريين يفهمون أكثر مكانة الأساليب المعمارية التقليدية في قلوب المعاصرين. فبرزت مجددا الأساليب المعمارية الكلاسيكية الصينية. وفي الصين تعتبر حدائق سوتشو جنوب الصين والدور الرباعية ببكين شمال الصين نموذجين معماريين قديمين في الصين.
حدائق سوتشو- نموذج للحدائق العائلية الصينية
إن حدائق سوتشو مواقع سياحية لا بد أن يزورها كل سائح يأتي إلى مدينة سوتشو. وفي الحقيقة أن هذه الحدائق كانت حدائق عائلية يسكن فيها أصحابها مع أفراد أسرهم حينما بنيت في البداية. يعود تاريخ بناء حدائق سوتشو إلى أسرة جين الشرقية (317—420 الميلادي)، وشهد أسلوب بنائها تطورا مستمرا خاصة في أسر سونغ ويوان ومينغ وتشينغ الملكية. وفي كل عهد، تتحلى حدائق سوتشو بميزات طبيعية وتاريخية وثقافية وفنية خاصة. أما الحدائق الأكثر شهرة فهي حدائق سوتشو الأربع: مقصورة تسانغ لانغ
وحديقة غابة الأسود وحديقة تشوه تشنغ وحديقة ليو يوان، فتجسد الأساليب المعمارية في أسر سونغ ويوان ومينغ وتشينغ الملكية كل على حدة. ويعتبر عهد أسرتي مينغ وتشينغ الملكيتين ذروة للثقافة والاقتصاد الاقطاعيين في الصين، ودخل بناء حدائق سوتشو فيه الفترة الأكثر ازدهارا ونضوجا. وفي ذلك الفترة، كان في سوتشو أكثر من 280 حديقة عائلية فاخرة. وفي الحقيقة أن المقصود بحدائق سوتشو لا يقتصر على الحدائق الموجودة في مدينة سوتشو فقط، بل هو اسم عام يطلق على جميع الحدائق ذات الميزات المعمارية جنوب الصين. وحتى الآن، هناك 69 حديقة من حدائق سوتشو محفوظة بشكل جيد.
وخلال الفترة ما بين عام 1997 وعام 2001، أدرجت حدائق سوتشو الأربع السالفة الذكر في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي على التوالي. إنها ليست نموذجا للأساليب المعمارية الصينية فحسب، بل تراثا يجذب اهتمام العالم أيضا. وبمناسبة اختتام عام الثقافة الصيني الذي أقيم عام 2004 في فرنسا، تم بناء أول حديقة على طراز حدائق سوتشو على بعد 78 كيلومترا جنوبي باريس.
الدار الرباعية ببكين – أفخر سكن شعبي بالصين
تتميز الدار الرباعية بخصائص بكين المعمارية. وظهرت في البداية كمساكن شعبية، لكنها استخدمت بكثرة في بناء القصور الإمبراطورية ومقرات الوزارات والمعابد
الطاوية والمعابد البوذية حتى المقابر أيضا. ويمكن القول إن أسلوب بناء الدار الرباعية يجسد المبادئ الأصيلة للتنسيق المعماري في الصين، ويعكس الطبيعة الجدية للثقافة الصينية، إذ إنها تبنى على شكل طولي وتهتم بالتوازن على الخط المحوري. وفي الحقيقة، إن الدار الرباعية صورة مصغرة لمدينة بكين أيضا. أما مدينة بكين والمدينة الامبراطورية المحرمة، فيمكننا أن نعتبرها دارا رباعية كبرى.
ورغم أن بكين تشتهر بالدار الرباعية، غير أن العمارات على شكل الدار في أنحاء البلاد تتحلى ببعض ميزات الدور الرباعية ببكين أيضا، إلا أنها شهدت بعض التغيرات حسب ظروفها الطبيعية والمناخية، وتطلق عليها أسماء أخرى.
وفي العصر الحالي، يستخدم تجار العقارات الأذكياء أساليب بناء حدائق سوتشو والدور الرباعية ببكين في بناء الفيلات الجديدة، مما جذب الجيل الجديد من الأغنياء الصينيين. وفي هذا المجال، تجلى الاحترام والتقدير للموروث الشعبي والثقافي والفني للأمة الصينية.