أنشئت بلدة هاي أون وي (Hay-on-Wye) التي تقع على حدود مقاطعة ويلز بجنوب انجلترا أنشئت في القرون الوسطى، وعدد سكانها أقل من 1500 نسمة. تشتهر هذه البلدة بكتبها، حيث توجد فيها 39 مكتبة، ويبلغ طول دوليب الكتب الاجمالي 10 أميال، ويبلغ عدد الكتب مليونا، ويزورها نصف مليون زائر كل سنة. هكذا لقبت البلدة الصغيرة ب"بلدة الكتب الأولى في العالم"، و"عاصمة الكتب القديمة العالمية".
وفي النصف الثاني من شهر مايو كل سنة، يفتتح مهرجان الأدب البريطاني السنوي في بلدة هاي أون وي. يجذب المهرجان أكثر من 80 ألف زائر. غير أن سكان هاي أون وي لم يتجابوا مع هذه الدورات من المهرجان المزدحم بصورة تامة، ويتجنبوها بسبب هدفها التجاري. حيث قال لنا قارئ كبير في السن:"منذ 16 سنة، اعتدى مهرجان الأدب على بلدة هاي أون وي واغتصبها. ورغم أن "ملك" مملكة الكتب ما زال يكافح اتجاه تغيير الأدب الى تجارة وموضة، غير أنه أصبح عاجزا عن ذلك رويدا رويدا. ونأتي الى هنا من أجله، لأن بلدة هاي أون وي بقت مملكة الكتب بفضله."
فعلا، عندما نتحدث عن "مملكة الكتب"، من الضروري أن نذكر "ملكها"--- السيد ريتشارد بوس. يبدو أنه شيخ مجنون من المجانين: اعتلى عرش "المملكة"، وأعلن أن بلدة هاي أون وي استقلت عن بريطانيا واستقلت عن الاتحاد الاوربي، وأسس "وزارة"، وأصدر عملة ورقية وطوابع بريدية للبلدة. وحسب قول سكان البلدة، إن "الملك" يلتزم بواجباته منذ أن "اعتلى عرشه" قبل 25 سنة، حيث يؤدي نشاطات مختلفة كل سنة، ويعيّن موظفين ويقيلهم، ويحتفل بأعياد تقليدية. هكذا خلق هذا الشيخ الغريب و"المجنون" مملكة أسطورية للكتب في العالم.
وعشق السيد ريتشارد بوس اقتناء الكتب منذ الرابعة عشرة من عمره، وله مخزن كتب خاص. ترك فرصة العمل في مدينة كبيرة بعد تخرجه من جامعة أوكسفورد عام 1961، واختار الحياة في الريف. وقال لأهله أن الكتب القديمة تستطيع أن تجلب ثروة للبلدة وتنعش الاقتصاد هناك. وصدّقه الناس وبدؤوا نقل الكتب الى البلدة. وخلال أربعين سنة نقلت كمية وتلو الأخرى من الكتب من أنحاء العالم الى بلدة هاي أون واي، ورتّبها الناس وصنّفوها ووضعوها على دواليب للبيع بأيديهم. هكذا حقق السيد ريتشارد بوس حلمه، ثم نشّر فكرة بناء بلدات الكتب الى أماكن العالم الأخرى. وفيما بعد ظهرت في العالم 50 بلدة كتب، وكلها تقع في بلدات ريفية جميلة المناظر وبعيد عن ضوضاء المدينة.
ولن تشعر بالخيبة اذا جئت الى بلدة هاي أون أي لأن البلدة ستدفئ قلبك الذي يرغب في تلقي المعارف بكتبها المتنوعة وخدماتها التي تقدم بمهنية ودقة. وقال الملك مملكة الكتب هذه:"لا ينبغي انتماء الكتب الى العلماء والأساتذة فقط. ويجب على كل قادم الى مملكة الكتب أن يتحدث مع سكانها عن الكتب، ويشترى الأشغال اليدية الخالصة ويأكل الأطعمة المحلية والريفية الخالصة." فعلا، لا يأتي الناس الى بلدة هاي أون أي من أجل الكتب فقط، بل أيضا لتلمس بساطة البلدة وأسلوبها الريفي والبدائي.