عندما تطل قضية المياه برأسها في العالم العربي يثور معها شبح الحرب وهذا ليس بالامر المثير للدهشة لاسيما في الدول الصحراوية القاحلة التي تعاني من نقص في المياه.
وكثيرا ما تثار قضية "حروب المياه" في منطقة في العالم لا يتسنى فيها لاكثر من 50 مليون شخص الحصول على مياه الشرب بصورة يومية.
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين كانوا يتوقعون نشوب حرب فإن ذلك لم يحدث حتى الآن.
ويقول شريف الموسى الاستاذ بالجامعة الامريكية بالقاهرة أن "الفكرة الرئيسية وراء حروب المياه تتمثل في أن ندرة المياه يمكن أن تؤدي إلى حرب.. غير أن هناك الكثير من العوامل التي تحول دون اندلاع حرب بسبب ندرة المياه".
وأشار إلى أن الخلافات السابقة بين البلدان المشتركة في أحواض الانهار الرئيسية كان يجرى احتواؤها بصورة عامة قبل أن تتحول إلى حروب.
وأضاف الموسى أن "الظروف المهيأة لاندلاع حرب ليست موجودة" مشيرا في ذلك إلى عدم وجود قوة عسكرية كافية والافتقار إلى الارادة لشن هجوم.
وتابع أن هذا النوع من الخلاف على تقاسم مصادر المياه يمكن أن يدفع كل دولة بالفعل لتحسين إدارتها مشيرا إلى أن مثل هذا الوضع "يجبر كل دولة على إظهار مسؤوليتها وأنها لا تهدر المياه".
وأضاف أن "حروب المياه بمعناها الحقيقي تقتصر على الصعيد المحلي والكثير من الخبراء يخشون من احتمال اندلاع أزمة مياه في الكثير من الدول العربية".
وتضطر نحو 22 دولة في المنطقة على التكيف مع إمدادات المياه المتجددة السنوية أقل من المستوى الموصى به دولياً وهو ألف متر مكعب لكل شخص. ومع زيادة النمو السكاني الذي يضاف إلى الاعباء الموجودة بالفعل يتعين على صانعي السياسة في منطقة الشرق الاوسط اتخاذ قرارات حكيمة لضمان إمدادات المياه.
وفي هذا الصدد يقول خالد أبو زيد من المجلس العربي للمياه إنه ما لم تتخذ الدول العربية "إجراء واسعا" فإن الوضع سيزداد سوءا بشكل كبير خلال عقد من الزمن.
وأضاف أن الحكومات يجب أن تتخذ خطوات لزيادة وتحسين إدارتها لامدادات المياه خلال تقنيات مثل تحلية مياه الشرب وتجميع مياه الامطار بالاضافة إلى توسيع إمدادات المياه لتشمل المناطق التي تفتقر إليها حاليا.
وقال أبو زيد إن التغلب على المشكلة يتضمن "وضع المياه على رأس جدول الاعمال السياسي لاسيما بالنسبة لحصتها في الميزانية" بالاضافة إلى "زيادة التوعية العامة بشأن الحفاظ على المياه".
وكانت العديد من البلدان قد بدأت خلال العقد الماضي في دفع رسوم للمياه في قطاعات الصناعة والزراعة التي تتجه منتجاتها إلى التصدير والسياحة ولكن برسوم مدعمة.
كما اتخذ القطاع الخاص إجراء في هذا الصدد حيث بدأت المنتجعات السياحية في بناء منشآتها الخاصة لتحلية المياه ومزارع واسعة تحفر آبارها الخاصة.
واقترح نشطاء الحفاظ على البيئة زيادة أسعار المياه مشيرين إلى أن زيادة تكلفة المياه سيشجع على استخدام المياه بشكل أكثر فعالية.
غير أن زيادة أسعار المياه ليست خيارا شعبيا عندما يتعلق الامر باستهلاك المياه في المنزل أو استخدامها في الزراعة أو في وقت تسعى فيه الكثير من الدول العربية لخفض الاعانات الحكومية الاخرى.
ويقول رضوان الوشاح من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إن"الحكومة توفر المياه للناس بأسعار مدعمة نظرا لانه حق إنساني بالنسبة لهم". وأضاف "إذا لم تكن المياه مدعمة فإن الكثير من الشعوب الفقيرة والمجتمعات التي تشتد فيها الحاجة للمياه سيحرمون منها".
وتابع أن ارتفاع أسعار المياه يمكن أن يؤدي أيضا إلى زيادة المناطق الحضرية وزيادة ظاهرة التصحر.
ويتفق محللون آخرون على أن زيادة أسعار المياه لن يحل المشكلة.
وفي هذا الصدد يقول محمد بازا كبير مسؤولي الهجرة والموارد المائية في منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (الفاو) "إن تسعير المياه وحده لن يقلص استهلاك المياه".
وأضاف أن دول الخليج الغنية بالنفط تتمتع بتميز واضح فيما يتعلق بإمدادات المياه فهي قادرة على دفع تكاليف إقامة منشآت تحلية مياه الشرب لذلك فإنها لا تواجه أي مشكلة فيما يتعلق بالحاجة إلى مياه تستخدم في الزراعة.
وتابع أن "بعض الدول الغنية يمكن أن تستغني عن المياه المستخدمة (في الزراعة) حيث أن بإمكانها استيراد الغذاء"
وأضاف أن "المشكلة مع البلدان الفقيرة مثل اليمن وجيبوتي التي ليس لديها ما يكفي من المياه المستخدمة لانتاج الغذاء التي تحتاجه ولا المال الكافي لاستيراده".
ويتفق المحللون على أنه على الرغم من أن الكثير من البلدان تحقق تقدما في إدارة وتنمية موارد المياه فإن الطلب يزداد بأكثر من المستوى الذي تتمكن الدول من الابقاء عليه.
وبسؤاله عما إذا كانت الدول العربية تواجه مزيدا من المشكلات فيما يتعلق بالمياه قال بازا أن "الكثير من المناطق تواجه بالفعل أزمة".
وتابع أن "الازمة تأتي بخطى بطيئة إلى حد أن الناس يتعايشون معها ويستوعبونها
الخليج-الامارات
18-3-2005