رسالة طوكيو : كمال جاب الله
بالضبط كما يحدث في بلادنا, حيث دخل عام2005 التاريخ, من أوسع الأبواب وتجري الاستعدادات فيه, علي قدم وساق, للاستفتاء علي تعديل المادة76 من الدستور, للسماح للناخب المصري بانتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح, فقد فجر اعتزام الائتلاف الحاكم في اليابان التقدم إلي البرلمان بمشروع تشريع خاص بإجراء استفتاء علي تغييرات دستورية جريئة, تتعلق بالمادة96, يســمح أولها للإناث بتولي العرش الامبراطوري, في حين ينص ثانيها علي الاعتراف بقوات الدفاع الذاتي كجيش للأمة.
نقول إن هذه التعديلات في الدستور الياباني فجرت حالة من الحيوية والحوارات والمناقشات والمناورات, غير المسبوقة, في الحياة السياسية اليابانية, مما جعل الحكومة والمعارضة, وجها لوجه, امام اتخاذ قرارات مصيرية وتاريخية, والحكم علي هذه التغييرات سوف يأتي بطبيعة الحال عبر صندوق الاقتراع السري المباشر, وبإرادة الشعب.
بالنسبة لليابان, فإن عام2005 يصادف ذكري مرور60 عاما علي إعلان الهزيمة وانتهاء الحرب العالمية الثانية, وقد لاحظ المراقبون ان التطورات السياسية اليابانية دخلت منعطفا جديدا وواضحا, مع بدء الدورة البرلمانية الجديدة, في اوائل العام الحالي, وذلك بظهور الرغبة في التغيير, وفرضها فرضا, علي الأجندة السياسية اليابانية, لأول مرة وذلك مثلا بمطالبة اللجان المكلفة منذ خمس سنوات بدراسة للتعديلات الدستورية علي المادة96 بتقديم تقريرها النهائي إلي البرلمان اما في شهر ابريل أو في شهر مايو المقبلين, علي أكثر تقدير.
أكثر القضايا حساسية
التقرير النهائي سوف يتطرق, بكل تأكيد, إلي أكثر القضايا حساسية وإثارة, وهي القضية, التي تتعلق بما إذا كان قد آن الأوان في اليابان للاعتراف بقوات الدفاع الذاتي كجيش للأمة, وما إذا كان ينبغي لليابان ممارسة حق الدفاع الذاتي الجماعي أم لا, علما بأن البند الأول من المادة التاسعة من الدستور الحالي, الذي صاغته الولايات المتحدة عام1947, بعد استسلام اليابان, ينص علي نبذ اللجوء للحرب كوسيلة لحل النزاعات الدولية, ويحظر البند الثاني وجود جيش في اليابان.
رئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومي أعلن امام البرلمان, انه ينبغي تعديل الدستور ليسمح لليابان باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن نفسها, وللتعاون مع قوات الدول الأخري في الدفاع الجماعي, وتزامنت تصريحات كويزومي مع اقرار تشريع جديد يسمح لرئيس وكالة الدفاع الذاتي اليابانية ـ وزير الدفاع ـ بإصدار الأوامر السريعة لاعتراض أي هجوم بصاروخ باليستي محتمل ضد اليابان, بدون انتظار موافقة الحكومة ورئيسها, كما تزامنت التصريحات مع إقرار الجانبين الياباني والأمريكي علي استراتيجية أمنية ودفاعية مشتركة, وذلك في ضوء خطة الولايات المتحدة لإعادة نشر قواتها في شرق آسيا, فضلا عن استمرار المهمة غير القتالية التي يقوم بها نحو550 فردا من القوات اليابانية, في جنوب العراق بل وإعلان اليابان من استعدادها للمساعدة في عمليات حفظ السلام في السودان.
إعتلاء الإناث للعرش
القضية المحورية الأخري, التي سوف تتطرق إليها التعديلات الدستورية, وتحظي, هي الأخري, باهتمام غير مسبوق, من الرأي العام الياباني, هي قضية ما إذا كان ينبغي السماح للاناث باعتلاء العرش في اليابان, خاصة, بعد أن عينت الحكومة مجلسا للحكماء يضم10 شخصيات بارزة لدراسة وضع البلاط الامبراطوري وسبل وراثة العرش, وسط جدل واسع النطاق, تسبب فيه عدم انجاب ذكور في أي من فروع العائلة الامبراطورية طوال40 عاما, فضلا عن الحقيقة المرة بأن المواليد التسعة من العائلة الامبراطورية, الذين جاءوا إلي الحياة منذ عام1965, كانوا جميعهم من الاناث.
مجلس الحكماء, الذي لايضم في عضويته ايا من المنتمين إلي الحكومة, بدأ مداولاته الرسمية, بالفعل, في يوم25 يناير الماضي, وينتظر ان ينتهي من اعداد تقريره في الخريف المقبل, وسط سيل من استطلاعات الرأي التي تشيرا إلي أن85% من الشعب الياباني مستعدون لقبول فكرة إعتلاء الأميرة الصغيرة إيكو ابنة ولي العهد ناروهيتو عرش اليابان, المؤيدون لهذه الفكرة يؤكدون حرصهم ضرورة استمرار السلالة الامبراطورية الممتدة عبر أكثر من2500 سنة, حتي في حالة عدم ولادة الذكور, كما يستندون إلي أن التاريخ الياباني شهد تولي الاناث للعرش8 مرات في الماضي.
المعارضون بدورهم يؤكدون ضرورة احترام التقاليد المعمول بها بقصر العرش الياباني علي الذكور, وإذا كانت الضرورات التاريخية قد حتمت اعتلاء8 امبراطورات للعرش في الماضي, فإنهن, جميعا, لم تتزوجن طوال فترة بقائهن في العرش, وكان تنصيبهن, من الناحية الفعلية, مجرد سد فراغ, عند غياب الأباطرة الذكور.
مهمة صعبة للغاية
وحتي تستوفي التغييرات الدستورية الهدف المرجو منها تجاه قضية سيادية علي هذه الدرجة من الأهمية, فقد أتيحت الفرصة لكل الفئات والتيارات, اليابانية, بان تدلي بدلوها بدون مصادرة لاي رأي مهما كان.
ومن الآراء المطروحة مثلا طبيعة الدور الذي يجب ان تقوم به العائلة الامبراطورية في المستقبل, ومسألة المؤهلات المطلوبة في وراثة العرش, وإذا تم اقرار حق الاناث في الوراثة فهل سيسمح لابنائهن بالخلافة, وإذا أقر ذلك, فلمن ستكون الأولوية, هل الأكبر سنا مهما كان وضعه ذكرا أم انثي, ايضا وفي ظل قانون البلاد الامبراطوري الحالي, فإن الاناث من اعضاء الأسرة الامبراطورية اللائي تتزوجن من خارج الأسرة الحاكمة يحرمن الانتماء إليها, فهل يعاد النظر في مثل هذا النص.
والسؤال الأكثر اثارة لامثالنا, طبعا, من المنتمين لدول العالم الثالث هو ما تأثير التعديلات الدستورية هذه علي الميزانية المخصصة, والمعلنة, والمحددة, للعائلة الامبراطورية, علي خزينة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
مهمة مجلس الحكماء في غاية الصعوبة, غير أن الحكومة اليابانية قررت خوض هذه التجربة الصعبة, في هذا التوقيت, وعدم ترحيلها للاجيال المقبلة.
2007.. عام الحسم
ولأن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم برئاسة كويزومي, سوف يحتفل بمرور نصف قرن علي تأسيسه, في منتصف شهر نوفمبر المقبل, فإنه يتطلع إلي الافصاح عن ملامح التغييرات الدستورية في ذلك التوقيت, أي في شهر نوفمبر, ويفسح المجال امام كل التيارات السياسية لعرض أفكارها بخصوص التعديلات بحلول ربيع عام2006, وهكذا.. وحسب ماهو متوقع, ينتظر ان يجري كل من الحزب الياباني الحاكم, والحزب الديمقراطي, أكبر احزاب المعارضة, انتخابات لاختيار رئيسيهما في شهر سبتمبر من عام2006, ولن يحق لرئيس الوزراء كويزومي الترشيح لولاية اخري, وسوف تجري انتخابات مجلسي النواب والشيوخ في عام2007, وفي حالة فوز المؤيدين للتغييرات الدستورية بأكثر من ثلثي المقاعد في كلا المجلسين, فسيكون بامكانهم إجراء الاستفتاء علي تغيير الدستور.
يبقي ان نشير إلي أن الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان, وهو يقدم علي اعطاء دفعة, لإجراء تعديلات دستورية يمكن وصفها بالثورية, يخطط, في الوقت ذاته لعصر ما بعد كويزومي الذي ستنتهي ولايته, القياسية,5 سنوات, وفقا للمقاييس اليابانية, بالطبع, في شهر سبتمبر من العام المقبل, وإن كان الحزب الديمقراطي, أكبر احزاب المعارضة, يعد العدة, هو الآخر, لامكانية اجراء انتخابات نيابية مبكرة, والزحف علي السلطة متسلحا باتساع قاعدته النيابية, وفقا للمعطيات الانتخابية الأخيرة, ومعتمدا, كذلك, علي اتساع نسبة تأييد الرأي العام له, حسب آخر الاستطلاعات, غير أن الاجواء السياسية, عموما, في اليابان اصبحت مشحونة ودبت فيها حالة غير تقليدية من الحركة والنشاط والفضل, كل الفضل, يعود بالتأكيد لصاحب القرار بإجراء التعديلات الدستورية.
الاهرام-مصر
21-3-2005