بغداد - زيدان الربيعي:
بعد سنتين من احتلال العراق، شهد الاقتصاد العراقي تراجعاً خطيراً في كافة مفاصله بسبب السياسة الخاطئة التي ارتكبتها سلطة الاحتلال، إضافة الى تدهور الوضع الأمني في البلد الذي أدى إلى تعطيل أو إلغاء اكثر المشاريع الحيوية.
عدد من رجال الأعمال والاقتصاديين العراقيين تحدثوا ل "الخليج" عن الأسباب والأخطاء التي أدت الى تدهور الاقتصاد العراقي، وعن نظرتهم الى المستقبل. وتالياً ما تحدثوا به:
راغب رضا بليبل رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين يقول: ان النظام السابق كان شمولياً وقد اهمل القطاع الاقتصادي وخاصة القطاع الخاص من خلال عدد من القوانين والانظمة الصادرة التي قيدت هذا القطاع الحيوي وبعد سقوط النظام ودخول قوات الاحتلال تم تشكيل مجلس الحكم وبرغم انه معين من قبل المحتل، إلا اننا تفاءلنا حول إعادة الاقتصاد العراقي الى سابق عهده وكذلك حال التجار العراقيين من القطاع الخاص بحيث كان من المؤمل بان يلعب هذا القطاع دوراً كبيراً في التحول نحو نظام اقتصاد السوق الحر وهو نظام اثبت كفاءته في عدد كبير من دول العالم، حيث طالب القطاع الخاص الدولة ومؤسساتها الحكومية بان يتم معالجة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد، إضافة الى الفساد الاداري المنتشر في جميع مجالات ومؤسسات الدولة، لذلك اجتمع التجار العراقيون واتفقوا على وضع خطط وتوصيات من خلال العديد من الندوات والنقاشات حتى تبلورت فكرة عن كل معوقات الاقتصاد العراقي وما يعانيه وسياسة الخصخصة التي اتبعتها الجهات الحكومية، وكيفية السبل لتطبيقها، إضافة الى تهيئة المناخ الاستثماري لجذب الاستثمارات الاجنبية، وقد خرجنا بتوصيات تعتمد عليها كل الدراسات الاقتصادية التي أجريت مؤخرا من قبل اقسام متخصصة، إضافة الى موضوع التمويل ودور القطاع الخاص، والمساهمة في تفعيل جميع انواع الاستثمارات، وقد تم رفع هذه التوصيات الى المراجع الحكومية المختصة، لكن مع الاسف لم نر أياً منها قد تم تطبيقه لكنها اعتمدت في مراكز الدراسات، لقد كان لنا امل كبير في ان تكون هناك انجازات مهمة خلال الفترة الماضية الا انه مع الاسف فإن هذه الآمال لم تتحقق لاسباب عديدة من ضمنها الفوضى والانفلات الأمني الذي ولده الاحتلال وفتح الحدود العراقية لإغراق البلد بالبضائع والمنتجات الاجنبية من دون وضع ضوابط او قيود كالتي يتم العمل بها في بلدان العالم وخاصة التي تمارس الاقتصاد الحر.
تحسينات طفيفة
وأضاف: بعد مرور عامين على انتهاء الحرب وتشكيل حكومة مؤقتة وانتقالية لم نر أي اهتمام بالجانب الاقتصادي سوى بعض التحسينات من خلال زيادة الرواتب لشريحة معينة من المجتمع واهمال المشكلة الرئيسية وأعني هنا اهمال المشاريع الانتاجية المهمة وعدم تشغيلها وهذا نهج متعمد ونتائجه غير محسوبة مما اربك الوضع الانتاجي ونحن الآن امام مشكلة لتفعيل وإعادة هذه المشاريع لما لها من فوائد في تحريك العجلة الاقتصادية وامتصاص البطالة التي انتشرت بشكل مخيف في مرحلة الاحتلال، إضافة الى تنظيم العملية الاستيرادية بشكل صحيح من خلال استيراد بضائع وسلع تلبي احتياجات البلد ليأخذ العراق مكانه المناسب مع أسواق الدول الاخرى المجاورة، وعلى الحكومة القادمة اذا أرادت اصلاحاً حقيقياً للاقتصاد الاهتمام وتفعيل دور القطاع الخاص الذي يتمتع بخبرة ومعرفة بأوضاع العراق من خلال الاستعانة بالخبراء الاقتصاديين العراقيين في مسألة كتابة الدستور لتشرع قوانين وأنظمة اقتصادية تخدم المرحلة المقبلة وخاصة نحن على أبواب الاعمار الذي يتلكأ بسبب تدهور الوضع الأمني وعدم جدية الدول المانحة في اعطاء العراق ما وعدته من اموال وأهم شيء يجب فعله هو الغاء جميع القوانين والانظمة التي صدرت في مرحلة الاحتلال وهي قوانين لا تلائم الاقتصاد العراقي.
وأكد ان الخصخصة التي اتبعتها المؤسسات الحكومية ليست منصفة اذ يجب ان يشارك القطاع الخاص فيها وان يكون هو المفضل وان لم يستطع وحده فلا بأس بالمشاركة مع المستثمر الأجنبي لكن بشروط تتيح للقطاع الخاص بأن يكون صاحب الكلمة. اننا نتأمل خيراً من الحكومة القادمة في ان ترسي قواعد صحيحة لنهوض الاقتصاد العراقي وجذب الاستثمارات الاجنبية.
بداية التدهور
علي كريم الدليمي "خبير اقتصادي" يقول: نحن ورثنا مؤسسات ومشاريع عملاقة من النظام السابق وكذلك شركات ومشاريع كان من المفروض ألا تتدخل فيها الدولة لانها من اختصاص القطاع الخاص وهذا السبب الرئيسي لبداية التدهور الاقتصادي وجاءت سلطة الاحتلال لترتكب خطأ فادحاً من خلال خصخصة هذه المشاريع مما زاد من تدهور الاقتصاد والأدهى انه جرى دون علم رجال الأعمال العراقيين، بل بيعت لأشخاص لا نعرفهم، لذلك نطالب الحكومة الجديدة بضرورة ان تعطي وتنصف القطاع الخاص فهناك مشاريع تحتاج الى تأهيل وإعادة خطط، ولكن المبالغ التي تحتاجها كبيرة ووضع الدولة الآن لا يسمح بإعادة اعمارها لذلك من الضروري ان تلجأ الدولة الى دراستها مع القطاع الخاص العراقي حول كيفية ادارتها بالصيغة التي تلائم مصلحة العاملين حتى لا تترك آثارا سلبية على الوضع الاجتماعي خاصة زيادة البطالة أكثر مما هي موجودة الآن.
وأضاف: ان تدهور الوضع الأمني يعد اهم العوائق التي تقف امام نهوض الاقتصاد كما ان القوانين التي صدرت غير واضحة وهي لا تخدم رجل الأعمال العراقي بل جعلته الخاسر الوحيد في هذا الموضوع لأنها اعطت الافضلية للمستثمر الاجنبي في ان يصول ويجول في الساحة العراقية على حساب التاجر العراقي، واننا بحاجة ماسة لعملية اصلاح اقتصادي تتم وفق خطط توضع من قبل مختصين ذي معرفة بالاقتصاد والمجتمع العراقي وليس كما حدث في مرحلة الاحتلال من وضع قوانين مستوردة وغير نابعة من صميم المجتمع العراقي.
وقال ان ما عانيناه في مرحلة الاحتلال اصعب بكثير من زمن النظام السابق الذي كان أهم ما يميزه الاستقرار الأمني الذي هو اساس العمل الاقتصادي الناجح ورغم من ان سلطة الاحتلال قد رفعت العديد من القيود الا ان ذلك لم يسهم بانعاش الاقتصاد بل اضر به من خلال عمليات الاستيراد العشوائي والخصخصة غير الهادفة وانتشار البطالة.
عامان من الفساد
المهندس احمد الشمري تاجر عراقي يقول: عامان من الاحتلال، عامان من الفساد الاداري الذي تغلغل في جميع مؤسسات الدولة من دون استثناء ذلك الداء الذي اثر وأسهم في تدهور الاقتصاد العراقي منذ عهد النظام السابق وتفاقم بشكل كبير في زمن الاحتلال والحكومة المؤقتة، لقد ورثنا تركة ثقيلة من الاقتصاد المحطم لذلك من الضروري ان نجد من يقف معنا لغرض انعاش الاقتصاد العراقي وأفضل طريقة هي تهيئة المناخ الاستثماري لجذب الاستثمارات الاجنبية التي من شأنها ان تسهم في نهوض الاقتصاد العراقي ولكن العوامل المناسبة لم تتهيأ طوال عامين من الاحتلال من خلال تدهور مستمر في الوضع الأمني، إضافة الى عدم وجود تشريعات تنصف القطاع الخاص الذي سيسهم مع المستثمر الاجنبي بشكل فعال، إضافة الى ان جميع القوانين لم تعط ضمانات كافية للمستثمر الاجنبي مع اننا نتحول نحو الاقتصاد الحر الذي هو اول خطوة لتفعيل الاقتصاد العراقي.
وقال ان العراق لديه ثروة هائلة من المواد الاولية للصناعة وذلك سوف يخلق مناخاً استثمارياً مجدياً في كل المجالات كالصناعة والزراعة والسياحة وقد يساعد على ذلك رخص الايدي العاملة وكذلك رخص كلف الطاقة، إضافة الى وجود سوق كبير يحتاج الى كل شيء، فالعراق بحاجة ماسة لأضعاف البضائع التي تم استيرادها خلال مرحلة الاحتلال لذلك ارى كل هذه العوامل تجعل من بلدنا مهيئاً للاستثمارات الاجنبية وهي مجدية جدا ومن هنا يأتي دور الحكومة الجديدة التي يجب ان تسهم في انعاش الاقتصاد العراقي من خلال قوانين وانظمة تساعد وتجذب الاستثمار الاجنبي كذلك يجب عدم الاعتماد على تصدير النفط الذي لا نعرف اين ذهبت موارده خلال العامين الماضيين! وهذا يعني ضرورة تفعيل الزراعة والصناعة والسياحة فهذه القطاعات من الممكن ان تجعل العراق واقتصاده واهله في بحبوحة من العيش الكريم.
تفاقم التضخم
محمود حسين هزاع رجل أعمال يقول: لم يحصل أي تطور ملموس في نهوض الاقتصاد العراقي خلال مرحلة الاحتلال بل تفاقمت حالات التضخم وارتفاع نسبة البطالة، إضافة الى عدم الاهتمام بالقطاع الخاص العراقي وحرمانه من استيراد البضائع لحساب الدولة بل أصبح التاجر الاجنبي هو المفضل لما يعطيه من عمولات الى المسؤولين عن عقد الصفقات التجارية للدولة وهذا أمر كان موجوداً في مرحلة القطاع السابق حيث كانت العمولة تذهب الى أبناء رئيس النظام السابق وكأن لم يحدث أي تغيير بل أصبح الوضع أسوأ، فعمليات السطو المسلح والاختطاف تطال التجار وأبناءهم كما اننا نتعرض يوميا لمضايقات المسؤولين في الوزارات عند مراجعتهم لغرض التعامل معهم فهم لا يتعاملون معنا. بل فقط مع التاجر الذي تعينه الدولة وهو بالتأكيد ليس عراقياً وهذا اثبت فشله وخاصة في توفير مفردات الحصة التموينية التي اعتمدتها وزارة التجارة من خلال رفضها التعامل مع التجار العراقيين، لذلك فشلوا في استيراد البضائع والسلع وما يستلمه المواطن العراقي حاليا من مفردات البطاقة التموينية لا يتعدى مادتين أو أكثر ولو انه تم فسح المجال للتاجر العراقي فإنه سيوفر البضائع بسعر أقل وبشفافية عالية في التسليم والاستلام لكن مع الأسف الاحتلال وتأثيره في عمل الوزارات أدى الى هذا الحال، وأضاف اننا في العراق بحاجة ماسة الى اصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية حتى يكون باستطاعة المواطن العراقي ان يعيش بحرية ورفاهية اقتصادية لكن نحن ننتظر الحكومة الجديدة ونتأمل منها الكثير.
الخليج-الامارات
22-3-2005