تفتتح في الجزائر اليوم القمة العربية العادية التاسعة عشرة من دون عنوان او شعار او ربما هدف، عدا الحفاظ على المؤسسة التي انشئت قبل ستين عاما، وهي تصارع اليوم من اجل البقاء وسط ازمات لا سابق لها في التاريخ العربي الحديث، حيث ازداد عدد الدول العربية الخاضعة للاحتلال الاجنبي او المهددة بالحروب الاهلية او بفقدان وحدتها الوطنية، وحيث تضاعفت الحملات والضغوط الخارجية على العالم العربي لتغيير هويته وثقافته وحتى بعض نصوص ديانته.
في ظل هذه الاجواء العربية التي جعلت فلسطين معضلة امنية اسرائيلية فلسطينية، والعراق مسألة إصلاح وتغيير ديموقراطي.. لن يكون من السهل على القمة ان تضمن حتى بقاء الجامعة العربية التي يتهددها الافلاس المالي، بعدما عطلها الافلاس السياسي، وباتت مركزا للشكوى وتسجيل الانهيارات المتتالية لما كان يسمى في الماضي <<النظام العربي>>، ولما بات يعرف بالفراغ العربي.
مع ذلك يرجح ان تقر القمة أجزاء من خطة لاصلاح الجامعة، كبديل عن خطط الاصلاح المؤجلة او المعلقة من دون سبب في العديد من الاقطار العربية، خصوصا وان السلام مع اسرائيل لم يعد يتطلب سوى تفعيل مبادرة السلام العربية التي اقرت في قمة بيروت في العام 2002، والتي حاول الاردن، من دون جدوى، ان يعيد صياغتها وتقديمها بشكل جذاب الى الاسرائيليين، فاعترض المضيف الجزائري وتحفظ آخرون على الخطوة السابقة لاوانها ..
لن تكون المسالة اللبنانية على جدول الاعمال، لكن المؤكد انها ستطرح في الغرف المغلقة، وبشكل مختلف عما ورد في مشروع البيان الختامي للقمة الذي يتجاهل قرار الانسحاب السوري من لبنان كما يغفل الاشارة الى اتفاق الطائف او قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1559، ويستعير من النصوص السابقة للبيانات العربية فقرات تجاوزها الزمن ..اما بدافع الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية او بدافع القلق على سوريا.
ويتوقع أن يتبنى الزعماء العرب مشروع قرار اعده وزراء الخارجية يعلن رفضهم للضغوط الأميركية على سوريا والعقوبات المفروضة عليها، في وقت قفزت <<المسألة اللبنانية>> إلى واجهة الاهتمام مع بدء المشاورات الجانبية ليل أمس في فندق <<شيراتون>> في الجزائر وسط معلومات تؤكد أن دمشق تريد انسحابا من لبنان تحت مظلة عربية، ولو معنوية، يفترض أن توفرها القمة، وأيضا تحت مظلة من الضمانات العربية عبر الإصرار على السلام العادل والشامل وفق المبادرة العربية للسلام ومرجعية مدريد وعلى قاعدة أن لا تطبيع مع إسرائيل من دون
استرجاع الحقوق العربية وفي طليعتها الجولان المحتل ومزارع شبعا والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
لبنان
وقال وزير الخارجية محمود حمود إن القمة العربية لن تبحث مسألة الانسحاب السوري من لبنان ولن تتطرق إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1559. وأضاف <<نحن نريد أن تحل القضايا اللبنانية في لبنان، والقضايا العالقة بين لبنان وسوريا، بينهما>>.
وتابع حمود، ردا على سؤال حول القرار 1559، <<لا علاقة لهذا القرار بالقمة العربية>> وتساءل <<لماذا نريد ان ندخل العرب في أمور هي أولا بين لبنان وسوريا>>. وأوضح حمود انه <<وفقا لميثاق الجامعة العربية فان اي قضية لا يمكن ان تبحث ما لم تطلب الدولة المعنية بحثها>> مكررا القول ان لبنان لم يطلب بحث الانسحاب السوري من لبنان خلال قمة الجزائر.
سوريا
أما نائب الرئيس السوري وليد المعلم فقال في مقابلة مع وكالة <<اسوشييتد برس>> أنه يتوقع أن يصدر عن القمة قرار يدعم سوريا، مشيرا إلى أن دبلوماسيين عربا كانوا أمس يتداولون مسودة لهذا المشروع الذي أوضح أنه ينص على أن <<يعبر عن تضامن البلدان العربية مع سوريا في مواجهة الضغوط الأميركية ورفضها لما يدعى قانون محاسبة سوريا>>. وتابع المعلم أن المشروع <<يدعو أيضا الولايات المتحدة إلى الدخول في حوار بناء مع سوريا>>.
وأكد المعلم أن لا الانسحاب السوري من لبنان ولا القرار 1559 سيكونان موضوع بحث داخل القمة، مشيرا إلى أنها <<قضية ثنائية تم الاتفاق حولها>>.
وعقد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى مساء أمس اجتماعا مع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع انضم إليه حمود في وقت لاحق، يهدف إلى النظر في كيفية مقاربة ما يجري في لبنان، وخصوصا بين سوريا ولبنان بشأن الانسحابات، فكان هناك شبه توافق عام على <<المبدأ>> انطلاقا من أنه لا يعقل أن تنعقد قمة للملوك والرؤساء العرب في الجزائر من دون أن يكون هناك اهتمام بما يجري في لبنان في ظل الضغوط الأميركية من جهة والقرار الرقم 1559 من جهة ثانية.
أما الزاوية الثانية، فهي جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وتشير المعلومات إلى أن القادة العرب سيحرصون على <<كلمة تأبينية>> أو بيان مستقل، أو فقرة ترد في مقدمة البيان الختامي تعزية بالرئيس الإماراتي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وبالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وبالحريري.
إلا أن هذا الموقف <<العاطفي البروتوكولي الإنساني>> لا يخفي قلقا بدأ يسيطر على أجواء القمة ازاء لبنان وسوريا، ولعل هذا ما دفع بوزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم إلى الإعلان يوم أمس أن القمة ستعمل على <<مساعدة سوريا على الانسحاب من لبنان>>. وقال، في تعليق على اغتيال الحريري وما نتج عنه من تصدع في الساحة اللبنانية، أن المجتمعين سيعالجون مسالة العلاقة بين سوريا ولبنان بما يسمح ب<<مساعدة سوريا على الانسحاب من لبنان>>، مضيفا ان <<العلاقة بين البلدين لا تحتاج إلى ارتكاز عسكري>>.
مبادرة السلام
وفي ما يتعلق بالجدل الذي حصل حول المبادرة الأردنية لتفعيل مبادرة السلام العربية، فقد سعى المتحدث باسم الجامعة العربية حسام زكي إلى توضيحه قائلا <<قدم الأردن ورقة بهدف تفعيل مبادرة السلام العربية وكانت تهدف إلى مزيد من التعريف والتسويق لهذه المبادرة من خلال تقديم صيغة مختصرة لها>>. وأضاف أن <<الوفود العربية درست هذه الورقة وأدخلت عليها بعض الإضافات بشكل أرضى الجميع وتم اعتمادها>>.
الإصلاحات
وفي اطار إصلاحات الجامعة العربية، رفع الوزراء الى القمة اليوم التعديلات الخاصة بمواد ميثاق الجامعة والتي تسمح بإنشاء البرلمان العربي الموقت لمدة خمس سنوات على ان يتكون من 88 عضوا يمثل كل دولة أربعة أعضاء. كما تم الاتفاق على إنشاء هيئة الالتزام بمتابعة تنفيذ القرارات وتتكون من ممثلي الترويكا العربية اي الدولة المضيفة والدولة التي استضافت القمة السابقة والتي ستستضيف القمة المقبلة.
كما وافق الوزراء العرب أيضا على التعديل الخاص بالمادة السابعة من الميثاق والخاصة بآلية قواعد التصويت ونظام اتخاذ القرارات. وأرجئ البحث في اقتراحين في الإطار نفسه وطلب من خبراء إعداد دراسة عنهما لتقديمها الى القمة المقبلة في السودان في العام 2006 وهما مشروع محكمة العدل العربية ومجلس الامن القومي العربي
السفير-لبنان
22-3-2005