توقعات أن تضر برصيد الدول الفقيرة من العملات الأجنبية وتخفض نموها
الظهران: أنيس القديحي
في وقت أكد فيه خبراء حتمية تأثر اقتصادات الدول النامية المستوردة للنفط سلبيا بالارتفاع الراهن في أسعار البترول عبر تقليص قدرة اقتصاداتها على النمو وايضا رفع معدلات التضخم والتأثير سلبا على مستوى احتياطاتها من العملة الأجنبية نتيجة لاستخدامها الدولار لشراء النفط، اجمع الاقتصاديون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» على انه وبالرغم من ارتفاع أسعار النفط بحدة على مدى السنتين الماضيتين، إلا أن ذلك لم يخفض سرعة نمو الاقتصادات الصناعية ولم يرفع معدلات التضخم ولا تزال اسعار الفائدة عند مستوياتها المتدنية، فضلا على ان معدلات الاستهلاك لم تهبط بعد، مرجعين ذلك لنجاح الدول الصناعية في تقليص مشاركة سعر شراء النفط في مؤشر التضخم وايضا نجاحها في تطوير كفاءة استخدام الطاقة، فيما ربط بعضهم بين تراجع أسعار الدولار بالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الأخرى من جهة والأثر البسيط حتى الآن لارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي.
من جانبه، اكد الدكتور عبد الرحمن السلطان، الخبير السعودي في شؤون النفط، أن الارتفاع الحالي لأسعار البترول لم يؤثر كثيرا على أسعار الفائدة ولم يرفع مستوى التضخم ما يعني ان الارتفاع الحالي يختلف عن طفرة السبعينات. وأضاف أن أسعار النفط التي ارتفعت 200 في المائة على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تخلق أثرا كبيرا على مستويات التضخم، وذلك نتيجة لنجاح الدول المتقدمة خلال 20-25 سنة الماضية في رفع كفاءة استخدام البترول وتعزيز قدراتها الإنتاجية بحيث أضعف أثر أسعار البترول على مستوى التضخم.
وقال إلا ان ذلك لا ينطبق على الدول النامية التي لم تنجح في خلق تطوير اقتصاداتها، بحيث يمهد لآثار سلبية قد تتعرض لها اقتصادات الدول الفقيرة المستوردة للنفط من خلال ارتفاع نسب التضخم وإضعاف نسبة نموها. وعودة للأسباب التي تقف وراء عدم تضرر اقتصادات الدول المتقدمة بالمستوى الحالي للأسعار قال السلطان ان عدم تباطؤ نمو اقتصاد الدول الصناعية وعدم تراجع معدلات الاستهلاك يدل على ان الأسعار الحالية لا تزال منخفضة عند مقارنتها بأسعار السبعينات خصوصا مع تراجع سعر صرف الدولار وأيضا عند الوضع في الحسبان معدلات ارتفاع السلع الأساسية الأخرى، مبينا انه لا يمكن النظر للنفط على انه السلعة الوحيدة التي ارتفعت أسعارها خلال السنوات الماضية.
واشار إلى إننا يجب ان لا نغفل ان عددا كبيرا من الدول المنتجة للنفط هي بذاتها دول نامية وتحتاج لعائدات النفط في دعم اقتصاداتها الوطنية، وان الطلب المتزايد على النفط من قبل الدول الصناعية يستنزف الثروات الطبيعية للدول النامية بشكل سريع.
ومن جانبه، قال الدكتور انس الحجي، الخبير في شؤون النفط واستاذ الاقتصاد في جامعة شمال اوهايو الاميركية «عندما ترتفع أسعار النفط فإنها تؤثر على سلوك المستهلك و كأنها زيادة في الضرائب على الدخل. و بما أن المرونة السعرية والداخلية للنفط ومشتقاته منخفضة فإن ارتفاع الأسعار لن يؤدي إلى انخفاض استهلاكها، ولكن سيؤدي إلى انخفاض معدلات الادخار أو انخفاض معدلات الاستهلاك أو كلاهما. في حالة الدخل المرتفع ستؤدي زيادة أسعار النفط إلى انخفاض معدلات الإدخار مع تأثير بسيط على الاستهلاك، وهو ما نراه الآن في الدول الصناعية. أما في البلاد النامية فإن انخفاض الدخل يجعل ارتفاع أسعار النفط يؤثر على استهلاك الأشياء الأخرى مباشرة، الأمر الذي يؤثر على مستويات المعيشة في هذه الدول من جهة، ويؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي من جهة أخرى، خاصة أن الاستهلاك في الدول النامية يمثل أكبر من 80 من الناتج المحلي. وأضاف ان «المشكلة الأخرى تكمن في أن كثيراً من الدول النامية تستورد كل النفط الذي تحتاجه وبالعملة الصعبة التي تحصل عليها عادة بصعوبة بالغة. ويؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ضرورة إنفاق المزيد من العملة الصعبة والذي قد يؤدي بدوره إلى مشاكل اقتصادية عديدة منها ضعف المركز الائتماني لهذه الدولة وانخفاض فرص حصولها على قروض دولية. وإذا لم تتمكن الحكومة من الحصول على مزيد من العملة الصعبة للإنفاق على النفط فإنها تضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة قد تكون لها انعكاسات سياسية مثل وقف أو تخفيض بعض الواردات، رفع أسعار الطاقة محلياً، ترشيد الاستهلاك عن طريق الكوبونات، أو زيادة الإنفاق الحكومي عن طريق طبع المزيد من النقود مما يرفع من معدلات التضخم، وكل هذه الأمور قد تؤدي إلى مظاهرات و قلاقل سياسية».
ولتسليط الضوء على الدور الذي تلعبه دول الأوبك من خلال صندوقها للتنمية قال مدير عام الصندوق، سليمان الحربش لـ«الشرق الأوسط» ان الصندوق الذي قدم حتى الآن مساعدات في 113 دولة حول العالم تركزت نسبة 50 من هذه الدول تقع في قارة أفريقيا يعمل بمعزل عن مستوى أسعار البترول في السوق العالمي، وهذه هي السياسة التي يتبعها الصندوق منذ إنشائه في عام 1976، حيث لم ينشأ الصندوق نتيجة لارتفاع الأسعار، حيث نشأ كمبادرة من دول الأوبك لمساندة الدول النامية، كما أن وزراء المالية في دول الأوبك هم من يمثلون دولهم في مجلس الصندوق المسجل كهيئة دولية ذات صفقة مستقلة في النمسا.
وأضاف الحربش وهو سعودي، ان الصندوق قدم دعما لمشروعات القطاع العام، كما ينشط في دعم مشروعات القطاع الخاص عبر قروض سهلة بشرط إبرام اتفاقية حماية وتشجيع للاستثمارات، ويشمل برنامج الإقراض الـ 16 للصندوق الذي يغطي كالعادة مدة ثلاث سنوات اعتبارا من بداية يناير (كانون الثاني) الماضي زيادة في المساعدات والمنح بواقع 20 في المائة مقارنة بالبرنامج السابق، اي بنسبة زيادة بلغت 6.6 في المائة سنويا. وتشمل خطط البرنامج الـ 16 تقديم 7.4 مليار دولار قدم منها فعليا 4.9 مليار دولار. وتشمل البرامج تقديم 5.7 مليار دولار للقطاع العام بلغت قيمة الموزع منها فعليا 3.7 مليار دولار. كما ان الصندوق ملتزم بتقديم قروض بقيمة 322 مليون دولار بنهاية شهر فبراير (شباط) الماضي للقطاع الخاص قدم منها فعليا 223 مليون دولار. وتوقع الحربش ان تكمل الدول الاعضاء دفع اسهاماتها كاملة للصندوق في العام 2007، مشيرا الى ان المساهمات المتعهد بدفعها تبلغ 3.4 مليار دولار تم دفع 2.9 مليار دولار منها حتى نهاية عام 2004
الشرق الاوسط
28-3-2005