بقلم : ميرفت دياب
أكد عدد كبير من المسئولين الأمريكيين ووسائل الإعلام الأمريكية أن الرئيس الأمريكي جورج بوش وقع بالفعل قرارا باستخدام القوة العسكرية وتوجيه ضربة موجعة لإيران. وهناك من أكد أن موعد الضربة سيكون في يونيو المقبل وهو مالم تنفه وزارة الدفاع الأمريكية حتي الآن. لكن المتابع لتصريحات بوش قد يري أن الموقف الأمريكي اصبح أكثر ميلا للتقارب مع العمل الدبلوماسي الذي تقوده ثلاث من كبريات دول الاتحاد الأوروبي ويهلل قطاع كبير من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وربما الايرانية, بأن العمل العسكري غير مطروح من قبل الولايات المتحدة, فقد أكد حسن روحاني المسئول عن الملف النووي والمفاوض الايراني للدول الأوروبية, أنه حتي لو صحت مقولة إن المحافظون الجدد يعملون ثم يفكرون, فانهم لن يقدموا علي ضربة عسكرية ضد إيران. وفيما بين الجانبين, المصدق والرافض لاحتمالات عمل عسكري
تقف دول الاتحاد الأوروبي الثلاث, فرنسا وبريطانيا, والمانيا, بين شقي الرحي. فهذه المحاولة الأوروبية من أجل التوصل إلي حل لأزمة البرنامج النووي الايراني هي الاختبار الأصعب لما سمي بالدبلوماسية الأوروبية الناعمة والتي يريد الأوروبيون ان يثبتوا من خلالها أن سياسة العصا والجزرة تؤدي لنفس النتائج التي تصل إليها المدافع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وإذا كان الأوروبيون لايناسبهم الآن العمل العسكري ضد إيران, رغم ان مباحثاتهم تهدف إلي منع إيران من امتلاك سلاح نووي وهو بالمناسبة نفس الهدف الذي تسعي له أمريكا وإسرائيل, فإنهم لا يملكون أيضا القدرة علي الدفع قدما باتجاه حل دبلوماسي وسلمي للقضية. فقد طالب الأوروبيون الولايات المتحدة بالتدخل لدعم برنامجهم الذي يقدم حوافز اقتصادية لايران حتي تتخلي عن البرنامج النووي.
والقرار الذي تنتظره إدارة بوش هو قرار مماثل للقرار الليبي أي تفكيك البرنامج النووي الايراني تماما. ويعتقد المحافظون الجدد أن عدم اتخاذ هذا القرار هو بمثابة تهديد لحلفائهم الأوروبيين, والإسرائيليين والأهم لقواتهم في العراق. لذا, قام رامسفيلد طوال عامين قبل تولي بوش لفترة رئاسة ثانية بالعمل من أجل تحييد دور وكالة المخابرات الأمريكية الـ سي أي ايه وتولي البنتاجون كل الأعمال الاستخباراتية, خاصة ماسمي بـ مهام الاستطلاع الأسود لمعرفة أهداف الضربة الأمريكية في طهران وهي أماكن البرنامج النووي الايراني, وهو ماينفي علي الأقل مقولة إن المحافظون يعملون ثم يفكرون, فالمؤكد عبر التجربة العراقية والإيرانية, انهم فكروا وخططوا ثم باغتوا العالم بالتنفيذ. لكن الوضع مختلف في أوروبا.
فبريطانيا مثلا لايناسبها ضربة أمريكية في يونيو المقبل حيث إن الانتخابات البريطانية ستجري في مايو, أما فرنسا وألمانيا فمازالتا تلعقان جراحهما من جراء الاختلاف الذي وقع بشأن الحرب ضد العراق وخسارتهما لجزء من الكعكة التي تصور البريطانيون انهم سيحصلون علي جزء منها. والواضح حتي الآن أن الادارة الأمريكية تعطي مزيدا من الوقت لاستنفاد الجهود الدولية علي أن تتاح الفرصة عبر مواقفها المتشددة إلي تحويل الملف الايراني للأمم المتحدة من أجل توقيع العقوبات. وفي مجلس الأمن, قد تضطر دول مثل روسيا التي تبيع الوقود النووي لايران أو الصين التي تعتمد علي البترول الايراني من استخدام حق النقض الفيتو ضد توقيع العقوبات علي إيران.
هذا السيناريو قد يؤدي إلي غضب شديد ومتوقع من قبل الادارة الأمريكية التي اعطت الوقت للجهود الدبلوماسية ثم لتدخل دولي ولم تجد كل هذه الوسائل. في هذا السياق وحسب تقاليد المحافظون الجدد سيحق لواشنطن ان تعمل منفردة أو ربما تجمع ائتلافا أوروبيا جديدا قد تنضم له هذه المرة فرنسا التي تركت لها واشنطن مهمة العمل في لبنان وربما ألمانيا التي يتحرك مستشارها جيرهارد شرودر في منطقة الخليج لتأمين امدادات البترول وتوقيع صفقات ببلايين الدولارات مع الدول النفطية لصالح رجال الأعمال الألمانيين. الغريب أن شهر يونيو الذي قيل انه موعد الضربة الأمريكية لطهران هو ايضا موعد الانتخابات الرئاسية فيها. وهكذا لابد من ان نتساءل كيف يبدو الوضع في إيران الرسمية؟!
فمنذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وأزمة الرهائن الأمريكيين, والعلاقات بين واشنطن وطهران في حال سييء. لكن أحدا لم يستطع ان يردد توصيفا أكثر من ذلك عن هذه العلاقات. فهذه الدولة التي كانت احد مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وأداة احتواء الكثير من أنظمته, اصبحت من الدول الطاردة للأمريكيين. وعلي الرغم من كل الأزمات التي مرت بالجانبين والتي تم التصريح فيها بشعارات ومواقف عدائية, إلا أن الوضع لم يتدهور عن ذلك وبدت البحار والمحيطات التي تفصل بينهما وكأنها حائط صد لمزيد من هذه الأعمال. أما الآن فقد حطم المحافظون الجدد في العراق عقبة الفاصل الجغرافي واصبحت إيران اقرب للمشاة الأمريكيين من مرمي أي نظام هجوم للطائرات الأمريكية في بغداد.
كما أن إسرائيل تملك من الأنظمة الصاروخية التي تجعل إيران في مرمي البصر. والايرانيون وإن كانوا يعرفون هذه الحقائق, إلا أنهم لا يملكون حتي الآن القدرة علي اتخاذ قرار تفكيك برنامجهم النووي خاصة بعد كل الخسائر التي تكبدها الاصلاحيون الايرانيون في الانتخابات البرلمانية التي جرت منذ مايقرب من عام. لكن الانتخابات البرلمانية والتي اعلن فيها الايرانيون فقدهم للثقة في برنامج الاصلاحيين, قدمت ايضا رموزا متشددة كان اهم ما تحاول الافصاح عنه هو انهم الأفضل عند الحديث عن عودة العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية. فهل تكون عودة المتشددين مخرجا لإيران؟. فالمتشددون هم اصحاب مقولات نهائية يستطيعون بها احتواء الغصب الشعبي بطرق اقرب للطرق الصوفية في العمل السياسي.
ومن الواضحم الآن ان اكثر النظم المتشددة في المنطقة قد تعلمت الكثير من النموذج العراقي واللبناني وباستطاعتها ان تنحني للريح ولو علي المدي القصير من أجل الاستمرار وليس انجح في ذلك من الإيرانيين. فسواء وصل المتشددون إلي الحكم أو فشل الأوروبيون في احتواء طهران, فان الحل السياسي سيأتي من الطرف الإيراني لأنه الوحيد الذي يعرف تماما أنه سيقع بين فكي الأسد. فطبيعية القوي المتناحرة في هذه الأزمة قد لاتسمح بموقف فوز كامل لأي من الاطراف, بقدر ماهو موقف خسارة يمكن التعامل معها للجميع.فأمريكا ـ حسب تقرير مجموعة الرئاسة الأمريكية ـ لانملك سوي التلويح بحزرة كبيرة وعصا غليظة في مواجهتها لطهران.
كما ان حربا جديدة في طهران هي عبء حقيقي ليس فقط للجيش الأمريكي لكن ايضا للاقتصاد الذي أصبح يرزح تحت أعباء الديون وعجز الموازنة, وهذه الحرب قد تهدد أيضا امدادات البترول الايرانية, حيث الأسواق لم تعد تحتمل زيادة دولار واحد للبرميل لأنه سينعكس تضخما وتباطؤا في الاقتصاد العالمي الذي مازال يحاول تجاوز تباطؤ السنوات الاخيرة من القرن الماضي أما طهران, فالأوضاع الاقتصادية فيها اصبحت تهدد أي نظام سواء كان متشددا أو اصلاحيا. وقد يخسر المحافظون الجدد حربا لطالما انتظروها. لكن مكاسب شركاتهم العملاقة ستداوي هذه الجروح عندما تفتح لها الأسواق الايرانية. لكن الأوروبيين سيجدون انفسهم مرة أخري يبحثون عن أزمة جديدة يستطيعون من خلالها ارغام واشنطن علي افساح المجال لهم للعمل وتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية علي حساب اصحاب الأزمة. وكما قال احد خبراء الوكالة الدولية للطاقة, من الأفضل ان تغش إيران في اطار اتفاقية حظر الاسلحة النووية عن ان تخرج بالكامل منها.
الاهرام-مصر
1-4-2005