واشنطن حنان البدري:
كشفت مصادر امريكية ل "الخليج" ان الادارة الأمريكية تعكف حالياً على اعادة تقويم شامل للقائمة الأمريكية السرية الخاصة بتحديد دول العالم "الهشة" التي يمكن التدخل فيها باستخدام ادوات دبلوماسية وسياسية واقتصادية، وقائمة "الدول الفاشلة" التي فات الأوان لإحداث أي تغيرات او ضغوط سلمية عليها، ما يجعلها عرضة للتدخل الأمريكي والدولي. وأكدت المصادر ان السودان والصومال اضحيا وفق معايير هذا التصنيف الأمريكي من "الدول الفاشلة".
وأضافت بأن المعايير الأمريكية الجديدة التي شارك المحللون الاستخباريون الأمريكيون في وضعها تشمل "الفجوة الأمنية"، وتعني تحديد ما اذا كانت تلك الدولة المعنية تعاني صراعات داخلية أو خارجية أو حروباً مع جيرانها او عدم الاستقرار. وتشمل ايضا تقويم قدرة الدولة على التحكم وممارسة السيادة على اراضيها.
وتشمل المعايير الامريكية قدرة الدولة المعنية على تقديم وتغطية الحاجات الاساسية، بما فيها الخدمات الادنى لشعبها، بغض النظر عن قيمة دخل الفرد، وذلك لتقويم مدى التذمر الشعبي الداخلي. كما تشمل المعايير "الفجوة الشرعية" ومدى تمتع الشعب بالحريات السياسية والتزام الحكومة بالشفافية وقدرة المواطنين بها على الكلام بحرية ومحاسبة الحكومة.
ويدخل ضمن المعايير عامل الفقر والموارد (مثل الثروة النفطية)، اضافة لعامل الدين الاسلامي ومدى النفوذ الاسلامي في البلد المعني ودراسة امكان ان يكون ذلك البلد بؤرة للاسلام الأصولي وللارهاب.
ولفتت المصادر الى ما وصفته بمثلث "وولفويتز بولتون باسكوال". في اشارة الى تولي بول وولفويتز أحد المحافظين الجدد رئاسة البنك الدولي، وجون بولتون المرشح مندوبا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وكارلوس باسكوال مدير الادارة الجديدة التي تم انشاؤها اخيرا بوزارة الخارجية الأمريكية والمعروفة باسم ادارة إعادة البناء والاستقرار، ويعتقد بأنها انشئت لتأسيس قدرة امريكية جديدة للتعامل مع اعادة البناء بعد الفشل الذي حدث بعد غزو العراق.
وترى تلك المصادر ان هذا المثلث، اضافة الى الاستعانة لاحقاً بخبراء من وزارة الدفاع (البنتاجون) سيعمل على تحديد قائمة هذه الدول التي تجاوز عددها 25 دولة، لدعم اعادة البناء والاستقرار، ومنع وتفادي تحول "الدول الهشة" الى "دول فاشلة" تستلزم التدخل الحاسم، في حال اعتبرت واشنطن ان فشلها سيمثل خطراً داهماً على امن الولايات المتحدة، وذلك في اطار "الحرب على الارهاب".
وأضافت المصادر ان الادارة الأمريكية تبدو وقد قررت "انه لا يمكن السكوت على الدول الهشة والفاشلة وذلك باحتواء الدول الهشة ومواجهة حامسة مع الدول الفاشلة، والا فالخيار الوحيد سيكون ثمناً غالياً، كما حدث عندما سمح الفشل الأمريكي في العراق بانتقال ما سمته "الارهاب الاسلامي" الى هناك وذكرت ان اجندة وولفويتز ستركز على عكس ما كان يقوم به جون ولفنسون الرئيس السابق للبنك الدولي على احتواء الدول الهشة وتقديم المساعدات اليها. وهذا يفسر اختيار وولفويتز لتولي هذا المنصب.
وسيضغط بولتون لتنفيذ اجندة التعامل مع هذه الدول وايضا مع الدول الفاشلة، سواء بالتدخل الدولي بدءاً من قوات حفظ سلام وحتى استصدار قرارات دولية بالتدخل اذا لزم الأمر تحت مظلة الشرعية الدولية في هذه الدول، إضافة الى محاولة الحصول على موقف اوروبي مساعد من فرنسا مثلاً في دول افريقية عدة، ومن بريطانيا في دول عربية وهكذا.
وقد ساعدت المصادر "الخليج"، اضافة الى بعض الخبراء الذين عرض عليهم الأمر، في وضع القائمة الاكثر احتمالاً، ولاحظنا ان كلاً من السودان والصومال ويتصدران قائمة "الدول الفاشلة" فيما جاءت دول عربية أخرى على قائمة "الدول الهشة" ومنها لبنان واليمن وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر، وتضم هذه القائمة كازاخستان وأذربيجان وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان واندونيسيا ونيجيريا والفلبين وانجولا وتشاد وبوليفيا وكولومبيا والاكوادور وأوكرانيا وفنزويلا.
ويلاحظ ان كثيراً من "الدول الهشة" اسلامية، وأكدت المصادر ل "الخليج" ان هذه القائمة بالنسبة لإدارة بوش يتم التعامل معها بطريقة ديناميكية، أي انها عرضة للتحديث والتغيير طبقاً لتغير الظروف وأن ادارة بوش ستركز خلال الأعوام المقبلة على الدول الاسلامية "المرشحة للانزلاق إلى الأصولية الاسلامية"، ولذا سيتم استهداف تقوية الديمقراطية وخلق نظم تعليم وتثقيف وتوعية بالاسلام "المعتدل" والليبرالية الغربية.
وضربت المصادر مثالاً لذلك بالإشارة إلى ان خبراء من معهد أمريكي للدراسات الاستراتيجية والعسكرية يعكفون على وضع نموذج وتجربته (في قطر) بهدف خلق تيار اسلامي معتدل جداً، مناهض لما وصفته تلك المصادر بالأصولية. وقالت إن أولوية واشنطن تركز على منع وصول حكم اسلامي إلى أي من هذه الدول باستخدام كل الخيارات وكل الطرق.
وسألت "الخليج" مارك شنايدر نائب رئيس "مجموعة الأزمات الدولية"، وهي مركز خبراء يقوم منذ فترة بدراسة ووضع تقارير حول هذه الأزمات، عن أسباب إبقاء الادارة الأمريكية قائمة "الدول الهشة" و"الفاشلة" طي الكتمان، فقال: إن الولايات المتحدة لا تريد اعلان اسماء الدول الهشة خشية خلق ديناميكية جديدة داخل هذه الدول بين أطراف الصراع فيها، مما يهدد امكان النجاح في معالجة هشاشة هذه الدول أو امكان حل صراعاتها.
واعتبر شنايدر أنه قد فات الأوان لاعتبار السودان "دولة هشة"، نظراً لانزلاقها بالفعل إلى العنف وبشاعة ما يحدث في دارفور. لكنه اعتبر لبنان "حالة فريدة ودولة يمكن ان تكون على قائمة الدول الهشة، حيث يمكن اتخاذ اجراءات لتقوية المؤسسات الموجودة بها حتى لا تنزلق إلى العنف وانهيار المؤسسات وتجنب مشاكل أخطر".
الخليج-الامارات
5-4-2005