إعداد: عبير أبوشمالة
أكد تقرير غربي حديث أن قطاع الخدمات المالية في دول مجلس التعاون يواصل الازدهار بقوة سواء من حيث الأنشطة المصرفية الجديدة أو بالنظر إلى أسواق الأسهم.
وقال التقرير الذي أعده خبراء المنتدى الاقتصادي العالمي إن الارتفاع الكبير في عائدات النفط أسهم في زيادة مستويات السيولة أمام المؤسسات المالية الخليجية الأمر الذي أتاح الفرصة أمامها للانخراط في أنشطة متعددة وأعمال تحقق مستويات ربحية مرتفعة على الرغم من انخفاض معدلات الفائدة.
وأوضح التقرير أن قوة أداء اقتصادات المنطقة أدى إلى رفع الطلب بقوة على الائتمان وعلى عدد من المنتجات المصرفية الأخرى مما أسهم في تعزيز مستويات الربحية وزيادة درجة الإبداع في طرح المنتجات المبتكرة والجديدة. وأضاف موضحاً أن الأداء الاقتصادي المتميز لدول مجلس التعاون على مدى السنوات القليلة الماضية أسهم في رفع صافي أرباح أكبر 50 نبكاً في المنطقة بمعدل 23% بالمجمل في عام 2003 مقارنة بمعدل نمو لم يتجاوز 2% في 2002 و3% في 2001.
وقال التقرير إن الطلب على الخدمات المصرفية المتطورة والعمليات مرتفعة الجودة سواء بالنسبة للشركات أو الأفراد في دول مجلس التعاون نما وبقوة في الآونة الأخيرة. وأضاف ان حدة المنافسة بين المصارف العاملة في المنطقة تزداد حدة، خصوصاً الآن مع دخول العديد من البنوك الأجنبية إلى السوق.
وأكد التقرير أن المؤسسات المالية المحلية أثبتت قدرتها على مواكبة التطورات الهائلة التي تشهدها الأسواق العالمية، ونجحت في توسعة نطاق خدماتها ليشمل منتجات جديدة على درجة عالية من التميز وإقرار أحدث تقنيات العمل بالقطاع وأكثرها تطوراً مما يعزز من قدرتها على التنافس في سوق أكبر حجماً.
وأشار إلى الإنجازات التي حققتها بنوك الأفراد في المنطقة وكيف تمكنت من النمو بثبات وقوة في ظل انخفاض معدلات الفائدة مؤكداً أنها حظيت بدعم من هوامش الربحية المرتفعة ومن التدفق المستمر للمنتجات الجديدة المبتكرة والتي يخضع العديد منها لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وعزا النمو الفائق في أرباح القطاع المصرفي إلى النجاح الذي حققته قنوات خدمات الأفراد، مشيراً إلى أن البنوك التي ركزت بشكل خاص على خدمات الأفراد حققت نمواً في العائد على حقوق المساهمين يصل إلى 25%.
وأوضح أن صافي دخل خدمات الأفراد في السعودية شكل في العام الماضي ما يزيد على نصف أرباح بنوك المملكة في الشهور التسعة الأولى من عام 2004. وأكد أن هناك مجالاً هائلاً للنمو، حيث إن أجزاء ضخمة من سوق الخليج لم يتم استغلالها، موضحاً أن نحو 60% من سكان السعودية لا يحصلون على خدمات الأفراد المصرفية في الوقت الحاضر.
خدمات الشركات
توقع التقرير أن تتسارع خطى نمو خدمات الشركات المصرفية لتلحق بخطى نمو خدمات الأفراد في العام الجاري مع ارتفاع معدلات الفائدة. وقال التقرير إن ارتفاع عائدات النفط أسهم كذلك في زيادة الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية ومشاريع الطاقة مما يسهم بالتالي في زيادة أنشطة وفرص التمويل المتاحة أمام القطاع المصرفي. وبالفعل اجتذبت مشاريع عدة البنوك الإقليمية والدولية واستدل التقرير بأمثلة عدة من ضمنها مشروع قطر غاز "2" للغاز الطبيعي المسال، حيث يشارك أكثر من 36 مصرفاً، 28 منها من خارج المنطقة، في توفير قرض وصلت قيمته الإجمالية إلى 3،6 مليار دولار أمريكي.
وأوضح التقرير أن العديد من البنوك الدولية تنظر إلى أصول دول مجلس التعاون في الوقت الحاضر باعتبارها من الوسائل المتاحة لتوسعة حافظاتها الاستثمارية.
الدمج والحيازة
أكد التقرير أن الانفتاح الاقتصادي لدول مجلس التعاون شجع بالفعل على انطلاق موجة من أنشطة الدمج في القطاع المصرفي مع اهتمام بنوك المنطقة بالتحضير والتأهب لمواجهة المنافسة التي من المنتظر أن تتصعد حدتها مع دخول البنوك الأجنبية إلى السوق كجزء من شروط الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. إلا أنه أضاف ان هناك بعض الدول التي تبدي نوعاً من الرفض والمقاومة لعمليات الدمج والحيازة لقطاعاتها المصرفية في الوقت الحاضر.
ونقل التقرير عن دوجلاس دوي المدير العام لبنك دبي الوطني قوله: "من المنتظر أن تتغير ديناميكيات العمل في القطاعات المصرفية بالخليج بشكل جذري بعد الوحدة النقدية لدول المنطقة، وستواجه البنوك الصغيرة في المنطقة خطر التهميش في غياب عمليات الدمج الفعالة مع الدخول في سوق إقليمي أوسع نطاقاً".
وأوضح التقرير أن هناك توجهاً متنامياً في القطاعات المصرفية المحلية للتوسع خارج الحدود مع اقتراب موعد الاتحاد النقدي بين دول المنطقة والمنتظر أن يدخل إلى حيز التنفيذ بحلول عام 2010. وقال إن بنوك الخليج الرئيسية بدأت تركز على إثبات نفسها وتركيز دورها بين أهم اللاعبين الإقليميين، وهذا يعني في بعض الأوقات الخروج من القوالب المحلية لكسب حصة أكبر من السوق الإقليمي الجديد.
وتناول الخطوات الأولى على هذا الصعيد، حيث قامت السعودية بالسماح بدخول بنوك دول مجلس التعاون إلى سوقها قبل 4 سنوات وذلك بموجب معاهدة إقليمية لفتح أسواق المال، وقد حصل بنك الخليج الدولي وهو بنك بحريني على أول ترخيص لدخول السوق السعودي عام 1999 وتبعه بنك الإمارات الدولي وبنك الكويت الوطني وبنك البحرين الوطني. ويدخل بنك الخليج الدولي في العديد من أنشطة تمويل المشاريع الرئيسية في السعودية. ويبدي البنك اهتماماً كبيراً في توسعة نطاق أنشطته إقليمياً. وقال الرئيس التنفيذي للبنك د. خالد الفايز: "يتركز القسط الأكبر من أنشطة الإقراض لدى البنك في منطقة الخليج، إلا أن لنا أنشطتنا كذلك على مستوى الشرق الأوسط في تركيا ولبنان وإيران".
التوسع خارج الحدود
شهدت القطاعات المصرفية في المنطقة نمواً ملحوظاً في عمليات التوسع الإقليمي ولعل أهمها قيام البنك الأهلي المتحد (بحريني) بشراء حصة 40% من البنك الأهلي (قطري). وفي الوقت نفسه يعتزم بنك الكويت الوطني شراء حصة 20% من بنك جرندليز قطر، وهو يخطط كذلك لافتتاح فرع جديد في السعودية في العام المقبل.
يذكر أن لبنك الكويت الوطني وجوداً في البحرين، كما تقدم أيضاً بطلب ترخيص لإنشاء فرع له في دبي.
ومن جانبه قال إبراهيم دبدوب الرئيس التنفيذي للبنك إن الوجود الفعلي في الأسواق ضروري للدخول في الأنشطة الخاصة لخدمات الأفراد والشركات التي تعد أهم القطاعات وأكثرها ربحية في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف موضحاً أن بقية أنشطة القطاع المصرفي من إدارة ثروات وأنشطة استثمارية وتمويل مشاريع لا تعوقها الحدود الجغرافية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد حصل بنك مسقط على ترخيص مبدئي لإقامة فرع له في السعودية. ويتوقع أن يبدأ الفرع الجديد عمله هذا العام ويدرس البنك أيضاً إمكانية إقامة شراكة جديدة في البحرين. وقد قام البنك كذلك بتوسعة أنشطته في السوق العماني من خلال قيامه بشراء حافظة القروض الشخصية من سيتي بنك بعد قيام الأخير بالخروج من سوق عُمان كجزء من استراتيجية التسوية الإقليمية التي يتبعها.
وأوضح التقرير تباين استراتيجيات التوسع المتبعة في المنطقة، ففي الوقت الذي لجأت فيه بعض البنوك إلى عمليات الدمج والحيازة سعت بنوك أخرى ومن ضمنها بنك الإمارات الدولي للحصول على تراخيص للعمل في أسواق جديدة.
وتوقع التقرير أن تتزايد توجهات التوسع عبر الحدود في المنطقة هذا العام وبغض النظر عن الأساليب والاستراتيجيات المتبعة في هذا التوسع.
وقال إن إيران بدورها بدأت تهتم بعمليات التوسع، حيث بادر بنكا "سيدرات" و"مللى" أكبر مصرفين في إيران إلى دمج عملياتهما في البحرين وقطر وعمان ضمن شركة تضامن أقاماها مع بنك الاتحاد الأهلي، وستقسم حصص الشركة الجديدة التي ستعرف باسم بنك المستقبل بالتساوي بين الشركاء الثلاثة، وسيكون مقر الشركة الجديدة في البحرين.
وتعد هذه أول شراكة تضامن في القطاع المصرفي بين إيران ودول مجلس التعاون مما يعكس طموح بنك الخليج للوصول إلى السوق الإيراني. وأكد التقرير أن طموح بنوك المنطقة لا يقف عند حدود، مشيراً إلى قيام بعض البنوك بالخروج بأنشطتها إلى نطاق أوسع، حيث قام بنك قطر الإسلامي بإقامة شراكة تضامن للتمويل الإسلامي في لبنان في بداية عام 2004. وتدرس بنوك إسلامية أخرى في المنطقة إمكانية شراء حصة من أول بنك إسلامي في بريطانيا وهو البنك الإسلامي البريطاني كخطوة أولية لتوسعة أنشطتها في السوق الأوروبي.
دخول البنوك الأجنبية إلى السوق الإقليمي
في الوقت الذي تسعى فيه بنوك المنطقة إلى توسعة أنشطتها في الخارج، نجد أن العديد من البنوك الأجنبية بدورها تقوم بفتح أفرع لها في دول مجلس التعاون مع زوال العقبات الإجراءائية وتوافر فرص الإقراض المربح ضمن عمليات تمويل المشاريع الكبرى في قطاعات الطاقة والمياه والكهرباء وعمليات البناء والعمران.
وتناول التقرير بعض الأمثلة البارزة فيما يخص البنوك الأجنبية التي دخلت الى المنطقة ومن ضمنها بنك دويتشه الذي أعلن عن دخوله السوق السعودي عام 2003 وأكد وقتها انه سيركز على أنشطة المصارف التجارية. ويملك بنك اتش اس بي سي حصة 40% من البنك السعودي البريطاني، كما تقدم كذلك بطلب ترخيص للعمل في السعودية. وأضاف ان بنك بي ان بي باريباس والذي تقدم مبدئيا بطلب لترخيص لإنشاء فرع واحد يخطط في الوقت الحاضر لفتح فروع له في الخبر وجدة كجزء من خططه التوسعية في المنطقة. ورجح أن تتبع بقية البنوك الأجنبية الاستراتيجية التوسعية نفسها في المنطقة. وبالإضافة الى ذلك فقد قامت الكويت بإصلاح قانون المصارف عام 2004 وفتحت الطريق أمام البنوك الأجنبية لمزاولة أنشطتها في السوق المحلي. ويعد بنك بي ان بي باريباس أول بنك أجنبي يحصل على ترخيص للعمل في الكويت.
ويرى الخبراء ان مهمة التنافس ستكون صعبة بالنسبة للبنوك الاقليمية خاصة امام المؤسسات المالية الأجنبية الكبرى مثل "اتش اس بي سي". وتشير التقديرات الى ان ميزانية "اتش اس بي سي" تفوق وبنحو سبعين ضعفا ميزانية أكبر بنوك الامارات، في حين يصل حجم أصول بنك "جي بي مورجان" الى 8 أضعاف الأصول الإجمالية لبنوك القطاع المصرفي في الامارات (أي أنه يعادل أصول المصارف العربية مجتمعة).
وأكد التقرير أن خيار الدمج والحيازة هو الأنسب بالنسبة لبنوك المنطقة لتتمكن من مواجهة المنافسة، إلا أنه أضاف قائلا ان عوامل عدة حدت من أنشطة الدمج في القطاعات المصرفية لدول مجلس التعاون ومن أهمها غياب الحافز، إذ يرى الخبراء أن بنوك المنطقة تشعر في الوقت الحاضر بالارتياح في ظل النتائج الهائلة التي تحرزها مما لا يدفعها للإسراع في خطى التغيير. ومن جهة أخرى يرى البعض أن هناك نوعاً من الرفض لمفهوم الدمج والحيازة بالنسبة لملاك البنوك الذين اعتادوا على الاستقلالية في عملية اتخاذ القرار.
لكن البعض يؤكد أهمية إعادة هيكلة القطاع المصرفي في المنطقة ليتمكن من مواجهة الاحتدام المتوقع في المنافسة الأجنبية، وقال مايكل تومالين الرئيس التنفيذي لبنك أبوظبي الوطني: "وصل السوق المصرفي في المنطقة الى الحجم الملائم ومن المتوقع أن يواصل النمو ليفوق حتى النمو الاقتصادي لدول المنطقة في ظل توسعه الاقليمي، لكننا نشعر بوجود حاجة حقيقية لعملية اعادة هيكلة في القطاع". وأضاف موضحا ان الصعوبة تكمن في وجود العديد من اللاعبين الصغار في السوق مما يبرز الى السطح ضرورة الدخول في عمليات دمج تؤهل هذه البنوك لمواجهة التنافس المتوقع من كبريات البنوك الأجنبية". ويتفق معه في الرأي دوجلاس دويه من بنك دبي الوطني حيث يتوقع بدوره أن يشهد القطاع المصرفي في المنطقة عمليات دمج وحيازة مهمة على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وأشار التقرير الى أهمية قيام بنوك القطاع المصرفي في المنطقة بالمشاركة في عمليات تمويل لفترات استحقاق أطول مما تقدمه في الوقت الحاضر في حال رغبت فعلا في إثبات نفسها كبنوك إقليمية فعالة. موضحا ان الافتقار لموارد تمويل طويل الأمد يطرح نفسه كقضية جديرة بالاهتمام في الوقت الحاضر. إلا أنه أكد أن بنوك المنطقة في الوقت الذي تفتقر فيه الى قدرة منافسيها الأجانب على توزيع الدين عالمياً، غير أنها استثمرت وبقوة في امتيازات العملاء المصرفية على مدى الأعوام القليلة الماضية وتمكنت من إنشاء قنوات فعالة في مجال خدمات الأفراد مما يحد من قدرة البنوك الأجنبية على التنافس في هذا المجال.
عضوية منظمة التجارة العالمية
توقع التقرير أن تتسارع خطى بنوك الخليج للتوسع اقليميا في المرحلة المقبلة مع اقتراب موعد تطبيق الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون، ومع اقتراب موعد انضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية، حيث تفرض متطلبات الانضمام على المملكة فتح أبوابها امام اللاعبين الأجانب. وأشار الخبراء الى أن اقتراب موعد الانضمام الى منظمة التجارة العالمية في 2006 سوف يؤدي الى فتح الأسواق أمام المنافسة الجديدة وخاصة بالنسبة لقطاع الخدمات المالية.
ومن المتوقع أن يبدأ تأسيس البنك المركزي لدول مجلس التعاون في منتصف عام ،2006 وقد تم بالفعل اتخاذ بعض الخطوات التحضيرية لتمهيد الطريق أمام العملة الخليجية الموحدة، ويبقى أن تتفق سلطات دول مجلس التعاون على نقاط رئيسية مثل موقع البنك المركزي وآلية عمله.
ويرى الخبراء أن البدء في تداول العملة الخليجية الموحدة سيزيد من انفتاح الأسواق المصرفية الاقليمية خاصة مع تطبيق الاصلاحات الرئيسية اللازمة ومن ضمنها قيام السعودية بتعديل قوانين اسواق الرساميل وتعديل الكويت لقانون المصارف. وأضاف التقرير موضحا ان نجاح مركز دبي المالي العالمي، المشروع الطموح الذي يهدف الى استقطاب مؤسسات المال العالمية الى المنطقة يعد بمثابة منارة تضيء الطريق امام قطاع الخدمات المصرفية في المنطقة ككل، وتحدث كذلك عن البورصات الاقليمية في ابوظبي وقطر والتي توازي على حد تعبيره بورصات هونج كونج وفرانكفورت مشيرا الى أن هذه المبادرات من شأنها أن تساعد المنطقة على التأهب لمواجهة المنافسة المتوقعة.
الخليج-الامارات
11-4-2005