<%@ Language=JavaScript %> china radio international

حول إذاعة الصين الدولية

تعريف بالقسم العربي

إتصل بنا
نشرة جوية
مواعيد الطائرات
الأخبار الصينية
الأخبار الدولية
v الاقتصاد والتجارة
v العلم والصحة
v عالم الرياضة
v من الصحافة العربية
v تبادلات صينية عربية

جوائز للمستمعين

السياحة في الصين

عالم المسلمين

المنوعات

صالون الموسيقى

التراث الصيني العالمي
GMT+08:00 || 2005-04-13 14:49:16
تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية 2005 الأموال العربية في الخارج .. تقديرات حجمها وفرص استعادتها

cri

تشكل الأموال العربية المستثمرة في الخارج في صورة استثمارات مباشرة وغير مباشرة وودائع مصرفية، تعبيراً مكثفاً عن إهدار المدخرات العربية ونزحها من الاقتصادات العربية إلى الخارج لتستخدم في تمويل الاستثمارات بمختلف أشكالها في البلدان المستقبلة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والتي يمكنها أيضاً أن تقوم بإعادة تدوير جانب من هذه الأموال بشروطها إلى الدول النامية وحتى إلى بلدان عربية مقترضة، في حين تفتقد الاقتصادات العربية هذه المدخرات، بما يجعل معدلات الاستثمار فيها متدنية، ولا تكفي إلا لتحقيق حالة من التباطؤ الاقتصادى طويل الأجل أو النمو الزائف والمتذبذب الذي يرتبط بحركة أسعار النفط وإيرادات تصديره، أو بحالة الطقس ومدى ملاءمتها للمحاصيل الزراعية في البلدان العربية التي تحتل الزراعة فيها مكانة كبيرة.

وإذا كانت هناك فجوة بين الموارد الطبيعية الكبيرة المتوافرة في البلدان العربية، وبالتحديد النفط والغاز وما يترتب على ذلك من صادرات وإيرادات كبيرة، وبين الواقع المأساوي للاقتصادات العربية التي تدخل إذا أخذت مجتمعة، ضمن بلدان الدخل المتوسط المنخفض، فإن هذه الفجوة المدمرة تحدث بسبب نزح الفوائض النفطية والمدخرات العربية للخارج في صورة استثمارات مباشرة، وغير مباشرة.

بنوك وأسواق الولايات المتحدة المقصد الأول للأموال المهاجرة

الأسوأ أن الكثير من تلك الاستثمارات يفقد نسبته العربية إذا حصل المستثمرون الذين يملكونها على جنسيات بلدان أخرى، بما يجعل عملية تحديد قيمة الاستثمارات العربية في الخارج أكثر صعوبة وحتى الآن لا تزال بنوك وأسواق الولايات المتحدة الأمريكية هي المقصد الأول للأموال العربية، برغم تداعيات أحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، وما صاحبها من حملة غربية وأمريكية بالذات على كل ما هو عربي أو مسلم، حتى البدايات المرعبة للحملة المعادية للعرب، والتهديد بتجميد أرصدة مستثمرين ومؤسسات عربية بزعم تورطها في تمويل شبكات الإرهاب العالمية. وبعد حدوث جمود في تدفقات الأموال العربية الى الولايات المتحدة، وسحب بعض الأموال منها تحت وطأة النزعات العنصرية المعادية للعرب واستثماراتهم، عادت تلك الأموال للتدفق بقوة للولايات المتحدة بعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال صيف عام 2004. وصحيح أن الأرقام والبيانات الصادرة عن مؤسسات مصرفية عالمية تشير إلى قيام مستثمرين سعوديين، بسحب نحو 200 مليار دولار من الأموال السعودية المودعة في الولايات المتحدة، عقب انطلاق الحملة الأولى المعادية، خوفاً من قيام السلطات الأمريكية بمصادرتها أو تجميدها، إلا أنه سرعان ما احتوت العلاقة السياسية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة السعودية هذه المخاوف، خصوصاً بعد الدعم اللوجستي الكبير الذي قدمته المملكة العربية السعودية لقوات الغزو الأمريكية، وهي تتأهب لاجتياح العراق.

ومنذ أن خرجت إلى السطح أزمة الأموال العربية في الخارج بعد التفجيرات التي ضربت مدينتي نيويورك وواشنطن، وإلى الآن، لا تزال الأرقام تتضارب حول حجم تلك الأموال العربية، ففي نهاية عام 2001 قدرت بعض الإحصائيات حجم الأموال العربية المهاجرة إلى الخارج، سواء الهاربة بحثاً عن فرص ربح وأمان أكثر، أو تلك المهربة إلى ملاذ آمن بعيداً عن الرقباء، بنحو 1500 مليار دولار، بينما قدرتها إحصائيات أخرى بنحو 3000 مليار دولار.

وفي عام 2002 أشارت دراسة للأمين العام للمصارف العربية في بيروت- استند فيها إلى تصاريح المصارف لبنك التسويات الدولية- إلى أن الأموال العربية لدى الجهاز المصرفي العالمي بلغت في نهاية عام 2001 ما مجموعه 271.9 مليار دولار. وتشكل هذه الأموال 2.44 % من إجمالي الالتزامات الأجنبية للمصارف في العالم، والبالغة في التاريخ ذاته 11162.4 مليار دولار. وتتوزع ملكية هذه الأموال على ثلاثة أطراف هي: المصارف وتمتلك نحو 109 مليارات دولار أي 40%، والحكومات التي تقدر حصتها ب 24 مليار دولار أي 9%،وأخيراً القطاع الخاص أفراداً ومؤسسات تمتلك 139 مليار دولار، أي 51%.

وتفيد الإحصاءات الدولية أن حصة تسع دول عربية من هذه الأموال تقارب 88% وهي على الترتيب: الإمارات 56.2 مليار دولار، والسعودية 51.3 مليار، والبحرين 29.9 مليار، والكويت 20.4 مليار، وسوريا 20 مليارا، ومصر 19.7 مليار، ولبنان 16.9 مليار، وليبيا 13.9 مليار، وأخيراً الأردن 10.1 مليار دولار.

بينما كشف وزير النفط السعودي أمام المؤتمر السنوي الخامس لأسواق رأس المال العربية - الذي انعقد في بيروت في أكتوبر/تشرين الاول من العام 2002- عن حجم الخسائر العربية والخليجية التي قدرها على خلفية أزمة فضائح الشركات الأمريكية منذ بداية عام 2002 وحتى منتصفة تقريباً بنحو 325 مليار دولار، وهي خسائر تعادل ما نسبته 23% من حجم الاستثمارات الخليجية الموجودة في الخارج ، ما يعني أن إجمالي الاستثمارات الخليجية في الخارج تبلغ نحو 1413 مليار دولار تقريباً، وهي مبالغ تتوافق مع حجم ما ذكره تقرير مؤسسة "ميريل لينش" العالمية عن الأموال العربية في الخارج البالغة 1400 مليار دولار بحسب تقديراتها، التي توقعت أيضاً نمواً في مجموع الثروات العربية المسافرة خارج أوطانها لتصل إلى 2000 مليار دولار بنهاية العام 2005. لكن عام 2003 شهد أحجاما وأرقاما أخرى، حيث قدرت دراسة اقتصادية أجراها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، حجم تلك الأموال بنحو 2.8 تريليون دولار، بينما أشار تقرير تطورات العولمة والتكامل الاقتصادي لدول "اسكوا" لعام 2003 إلى أن الأموال العربية المهاجرة للخارج تقدر بنحو 1500 مليار دولار.

ووفقاً لدراسة نشرها اتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات خلال عام ،2003 حددت مفهوم الثروة الشخصية بأن الثري هو من يملك أصولاً مالية سائلة بحد أدنى 500 ألف دولار، وعلى هذا المقياس فإن الثروة الشخصية للأثرياء العرب تقدر بنحو 800 مليار دولار يملكها نحو 12 ألف ثري يتركز نحو 90% منهم في دول الخليج وخصوصاً في السعودية والإمارات والكويت و718 مليار دولار يملكها 185 ألف ثري خليجي.

وتقول الدراسة إن الأثرياء السعوديين يأتون في المرتبة الأولى، ويقدر عددهم بنحو 78 ألف ثري وتقدر ثرواتهم بنحو 241 مليار دولار، ويأتي الأثرياء الإماراتيون في المرتبة الثانية بنحو 59 ألف ثري بثروة تقدر بنحو 98 مليار دولار في حين يقدر عدد الأثرياء في بقية دول الخليج بنحو 12 ألف ثري تقدر ثرواتهم بنحو 39 مليار دولار، وإن كان من الضروري الإشارة إلى أن هناك جانباً مهماً من الثروات موجوداً في أصول عقارية محلية غير مقدرة أو مشمولة في تقييم ثروات الأثرياء العرب، كما أن هناك ثروات هائلة تم تكوينها في الاقتصاد الأسوأ ومن عمليات الفساد، وهي بطبيعتها سرية وخارج الإحصاء.

أما الدول العربية الأخرى فتقدر الأموال الخاصة فيها بنحو 82 مليار دولار، يملكها نحو 25 ألف ثري، ومعظم هذه الثروات عبارة عن استثمارات خاصة خارج الدول العربية في شكل إيداعات وتوظيفات مصرفية واستثمارات مالية، وتستخدم تلك الأموال في تمويل المشاريع الاستثمارية والإعمارية الكبرى وتنمية أسواق المال الأجنبية.

ويضخ الأثرياء العرب نحو 40% من أموالهم في الأسواق الأمريكية والأوروبية على هيئة استثمارات متنوعة خاصة في مجال العقارات بينما يفضل نحو 35% الاحتفاظ بأموالهم شبه سائلة في صورة حسابات وودائع مصرفية وتتجه نحو 15% من الأموال العربية إلى سوق السندات خاصة الحكومية منها وغالباً ما تكون هذه الأموال خاصة بالحكومات أو المؤسسات الرسمية العربية.

أما عام 2004 فقد اتسم بتصاعد اهتمام الدوائر المالية والاقتصادية العربية بأمر الأموال العربية في الخارج، وبدأ للمرة الأولى في إجراء البحوث والدراسات العلمية من أجل معرفة حجم وطبيعة تلك الأموال بدقة، بيد أن الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية قدر حجم الأموال العربية في الخارج بنحو 2.4 تريليون دولار، في حين قدرت مصادر أخرى حجم الأموال المهاجرة بنحو 4.1 تريليون دولار أمريكي.

أسباب الهجرة

في الوقت نفسه الذي يؤكد فيه البعض أن الأموال العربية المهاجرة لن تعود لأسباب عاطفية أو دوافع وطنية، فإن كل الدراسات التي تناولت الموضوع أجمعت على أن هذه الأموال لم تهاجر للأسباب نفسها فالبحث عن الأمن والربح كان الدافع الرئيسي وراء هجرة الأموال العربية حيث إن العائد الذي توفره الأسواق الأوروبية والأمريكية يفوق بكثير ما يمكن جنيه من الاستثمار في الأسواق العربية، وبأقل درجة من درجات المخاطرة التي يحرص رأس المال على تجنبها.

وقد حقق المستثمرون العرب أرباحاً طائلة من الاستثمار في الولايات المتحدة وأوروبا رغم ما تعرضوا له من خسائر بفعل الأزمات المتتالية في أسواق المال العالمية، فالعمل داخل بنية اقتصادية ضخمة وديناميكية منح تلك الأموال مقدرة على تحمل الأزمات الصعبة والتعافي منها بسرعة لا تتوافر للنظم الاقتصادية الصغيرة أو الهشة.

بالإضافة لهذه العوائد المجزية فإن المستثمرين العرب تمتعوا بإجراءات الحماية التي توفرها القوانين الاقتصادية في تلك الدول، سواء فيما يتعلق بسرية الحسابات والرقابة الشديدة التي تفرضها البنوك المركزية، منعاً لأي فساد أو انحراف أو الدرجة العالية من الثقة والشفافية التي تعمل بها آلية الاقتصاد الأمريكي والأوروبي. بالإضافة إلى الاستقلالية والفاعلية التي تتمتع بها السلطات القضائية والسرعة في حسم القضايا والحسم في تنفيذ الأحكام القضائية وانصياع جميع السلطات لها.

كما أن القطاع المالي العربي في مجمله مازال متأخراً حتى عن نظيره في البلدان النامية .. فمن جهة تبدو نسبة الائتمان الخاص العربي إلى الناتج المحلي الإجمالي أحد مقاييس التطور المالي أقل من متوسط البلدان النامية، ومن جهة أخرى لا توجد أسواق رأس مالية عربية متطورة، أو على الأقل، هناك ندرة في المؤسسات والأدوات لاستيعاب رأس المال العربي المهاجر وتحويله إلى تمويل استثمارات عينية، وهو في الوقت نفسه سبب لتدفق رأسمال المدخرين العرب إلى الخارج.

وإضافة لما سبق، تعد البيروقراطية وتفشي الفساد والرشوة في معظم مستويات الدولاب الإداري من أبرز العوائق التي تواجه الاستثمار في الدول العربية، فالإجراءات الإدارية تحد من حرية نقل أرباح المستثمر وتطالبه بتدويرها داخل البلد، وهناك معوقات جمركية وتعقيدات بيروقراطية تواجه المستثمر من لحظة التقدم بطلب الاستثمار حتى الحصول على الموافقة الرسمية. فهو مطالب بالحصول على موافقة عشرات الجهات والأجهزة الحكومية، ويعتبر تقديم الرشاوى من المبادئ المعتمدة في تلك الأجهزة للحصول على أية موافقة. وبرغم التيسيرات القانونية والإدارية التي أدخلتها بعض الدول العربية على أنظمتها التشريعية والإدارية فإن العقلية البشرية التي تواجه المستثمر مازالت على حالها لم تتغير. فالمتزمتون ينظرون إليه نظرة شك وريبة، كما لو كان غازياً أجنبياً، والمتساهلون يرون فيه "غنيمة" يجب أن يقتنصوا منها أكبر قدر ممكن.

وإذا كان هذا حال الأوضاع المحيطة بمناخ الاستثمار في الدول العربية فإن واقع الاقتصاد العربي هو الآخر لا يقل سوءاً، فمعظم برامج الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الدول العربية في السنوات الأخيرة لم تحقق نجاحات مهمة، وتعثر معظمها، بل إن أغلب برامج الخصخصة العربية تحولت إلى برامج نهب منظم وزكمت رائحة الرشاوى والعمولات أنوف الجميع. فالعديد من الشركات الحكومية تم تخريبها ونهبها قبل عرضها للبيع. وحتى عملية البيع هذه لم تخل من مخالفات واضحة رصدتها الأجهزة الرقابية في تلك الدول. وفي ظل هذا المناخ ابتعد المستثمرون الشرفاء، وتقدم الأفاقون ومحترفو الفساد. وكانت النتيجة المحتومة حيث استولى هؤلاء على مليارات الدولارات من البنوك العربية وفروا بها إلى الخارج. وبهذا انعكس الوضع. فبدلاً من جذب الأموال المهاجرة فرت الأموال الموجودة في الداخل. وقد وصل حجم الأموال المهربة في دولة، مثل مصر بظروفها الاقتصادية الصعبة حسب بعض التقديرات، إلى أكثر من 27 مليار جنيه.

ومن ناحية أخرى فإن فرص الاستثمار المجدية في الدول العربية تبدو نادرة للغاية، فالسوق العربية صغيرة ومعظم المواطنين العرب تحت خط الفقر، وبالتالي لا مجال للحديث عن رواج اقتصادي بدون وجود سوق استهلاكية نشيطة.

وفي ظل هذه السوق شبه الراكدة يبدو الحديث عن عودة الأموال العربية ضرباً من الأوهام .. فالبورصة السعودية برغم كونها الأكبر والأنشط عربياً لا يتعدى حجم الأموال المستثمرة داخلها والبالغة 100 مليار دولار أي نحو 15% من أموال السعوديين في الخارج والتي يقدرها محافظ هيئة الاستثمار السعودي بنحو 700 مليار دولار، بينما لا يتعدى حجم الأموال المستثمرة في البورصة الإماراتية 27 مليار دولار. ولا تتجاوز القيمة السوقية لإجمالي أسواق الأسهم في دول الخليج الست 140 مليار دولار، مقابل 1400 مليار دولار خليجية مستثمرة في الخارج وفقاً لأدنى التقديرات. كما أن الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الدكتور أحمد جويلي، يعترف بتعدد أسباب الهروب الكبير من الأوطان إلى الأسواق الخارجية، ويرى أن حالة التخبط التشريعي التي يعيشها العالم العربي، وعدم ثبات القوانين الحاكمة للعملية الاستثمارية، يعد من أهم أسباب هروب الاستثمارات، فالبيئة التشريعية تجعل رأس المال غير آمن، فيضطر للبحث عن الأمان والاستقرار التشريعي في أماكن أخرى، حيث تنتشر البيروقراطية والروتين في العالم العربي الذي يتطلب التعامل مع عشرات الجهات، واستخراج عشرات الأذونات والتصاريح منذ أن يتقدم بطلب للاستثمار حتى الحصول على الموافقة الرسمية، ودول عديدة تحد من حرية نقل أرباح المستثمر وتطالبه بتدويرها داخل البلد الذي فيه. وهناك التي تضع قيوداً على رغبة المستثمر في حال تصفية مشروعه للخروج من البلد. وإذا منحت إحدى الدول العربية إعفاء ضريبياً مدته خمس سنوات على المشروعات الاستثمارية في منطقة ما فإن المستثمر يقضي من هذه المدة ثلاث سنوات على الأقل لاستخراج التصاريح والأذونات المطلوبة. وبرغم الإعلان دوما عن تطوير قوانين وإجراءات الاستثمار فإنها لا تزال دون المستوى المطلوب. وبخلاف المناخ التشريعي غير الملائم تفتقد غالبية الدول العربية البنية التحتية اللازمة للاستثمار.

ويتفق مع رأي د. جويلي كثير من الخبراء العرب الذين يرون مشكلات أخرى مثل عملية النقل، وهي واحدة من أهم معوقات الاستثمار، فإلى الآن لا توجد لدى الدول العربية أساطيل من طائرات النقل والشحن الجوي مما يضطر المستثمر إلى تصدير منتجاته، إما في طائرات مدنية وإما عن طريق التنسيق الفردي لحجز مساحات في إحدى الطائرات الكبيرة لنقل منتجاتهم إلى الأسواق الخارجية لتقليل النفقات، ومن المعوقات الأخرى التي تقف حائلاً أمام عودة الاستثمارات العربية في الخارج، كما ترصدها تقارير المجلس الاقتصادي بالجامعة العربية، السياسات النقدية في العديد من الدول العربية والتي تحتاج إلى إعادة نظر خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة والذي ينعكس بدوره على ارتفاع تكلفة التشغيل والحد من التوسعات المستقبلية، وتحول الاستثمارات المباشرة إلى استثمارات غير مباشرة، ثم تحول الاستثمارات غير المباشرة إلى استثمارات قصيرة الأجل. العامل الرابع الذي يؤدي إلى هروب الأموال هو افتقاد الشفافية حيث يشعر المستثمرون العرب بحاجتهم إلى الشفافية ووضوح الرؤية لدى الحكومات العربية خاصة فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية وقوانين العمل وأيضاً فيما يتعلق بالعمليات المالية للدولة والتي يكون القطاع الخاص طرفا فيها. ويقصد بالشفافية الشعور بأن التنافس الشريف ونظافة الإجراءات وعدم اللجوء إلى التحايل والرشوة واستغلال النفوذ هي السبيل لخروج المشروع الاستثماري إلى الوجود وظهور نتائجه الاقتصادية.

وبرغم أن الدول العربية في مجملها، وخاصة الخليجية، أصدرت تشريعات متعددة من أجل أن تحفظ وتصون الاستثمارات العربية التي تقرر العودة إلى وطنها الأم، وبرغم أن لدى الرسميين العرب الكثير من الخطط التي تخدم ذلك التوجه، بالرغم من ذلك، فإن العقبات الأساسية المشار إليها سابقاً تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى قرار سياسي جريء للخروج من عنق الزجاجة. وهذا القرار تكمن آلية خروجه إلى النور في مؤسسة رسمية عربية وحيدة، هي مؤسسة القمة العربية التي باتت شكلا بلا مضمون.

بعد 11 سبتمبر

على الرغم من الوقائع السابقة، وفي الوقت نفسه، فإن تاريخ الاستثمار في الأسواق الأمريكية والأوروبية لم يكن آمنا بشكل كامل طوال الوقت، بل أثبتت الأحداث أنه رهينة في أيدي التقلبات السياسية. فالسلطات الأمريكية لم تتردد في تجميد الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة عقب قيام الثورة الإسلامية نهاية السبعينات. وتكرر الأمر في الثمانينات مع الأصول الليبية، ولكن ظلت الكتلة الرئيسية من الأموال العربية المهاجرة وهي المتعلقة بدول الخليجية في مأمن عن تلك الإجراءات العقابية حتى وقعت الطامة الكبرى في 11 سبتمبر/ايلول 2001 وتعرضت أمريكا لهجمات قاتلة، تم توجيه أصابع الاتهام فيها إلى الإسلامي من أصل سعودي أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وأصدرت السلطات الأمريكية قائمة من 19 شابا عربياً باعتبارهم منفذي الهجمات، ومن بينهم 15 سعوديا. وهنا وضع كل ما هو عربي في دائرة الاتهام خاصة السعوديين.

وقبل مرور 3 أشهر على التفجيرات كانت السلطات الأمريكية قد أصدرت 4 قوائم متلاحقة تضم أسماء أكثر من 150 شخصاً ومؤسسة للشك في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب. وطلبت الإدارة الأمريكية من كل المصارف والبنوك في العالم تجميد حسابات هؤلاء الأشخاص وتلك المؤسسات والبحث في مدى سلامة عملياتها وتحويلاتها المصرفية. وضمت هذه القوائم مؤسسات وشخصيات عربية، وهكذا أصبحت الاستثمارات العربية في الخارج معرضة لخطر التجميد، وفقدت أهم العناصر التي تعول عليها هذه الاستثمارات وهي الأمان.

ولم يقتصر الأمر عند خطر التجميد والملاحقة لبعض الأفراد والمنظمات بل إن تقريراً لمؤسسة "راند كوبوريشن" وهي مؤسسة شبه رسمية تعمل لحساب وزارة الدفاع الأمريكية وصف السعودية بأنها "عدو محتمل" ودعا إلى تجميد الودائع السعودية في الولايات المتحدة والى احتلال آبار النفط وإقامة دولة مستقلة في شرق المملكة.

وقبل أن يفيق المستثمرون العرب من صدمة التقرير كان أكثر من 600 من أقرباء ضحايا هجمات 11 سبتمبر/ايلول قد رفعوا دعوى ضد السودان وثلاثة أمراء من العائلة المالكة السعودية وسبعة مصارف دولية وثماني منظمات خيرية إسلامية والعديد من رجال الأعمال بتهمة الإسهام في التمويل السري لشبكة القاعدة، وطالبوا بأكثر من 1000 مليار دولار كتعويضات.

وعلى الرغم من تنصل واشنطن الرسمية من تقرير "راند كوربوريشن" وقيامها فيما بعد بفصل مديره فإن رأس المال "الجبان" بطبعه استشعر الخطر مبكراً. ورصدت صحيفة "الفيننشال تايمز" الاقتصادية قيام المستثمرين السعوديين بسحب نحو 200 مليار دولار من الأموال السعودية المودعة في الولايات المتحدة، وفسرت ذلك بأنه بسبب الخوف من قيام السلطات الأمريكية بتجميدها.

النتائج المترتبة

في دراسة قدمت إلى مؤتمر حول الاستثمار الأجنبي واحتياجات التنمية العربية الذي نظمته الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ببيروت في الفترة من 26 27/6/،2002 أشارت إلى ثلاث نتائج مترتبة على خروج الأموال العربية إلى أسواق أوروبا وأمريكا، وجميعها ذات آثار سالبة، أولى النتائج تشير إلى أن تدفق رأس المال إلى الخارج يمكن أن يؤدي إلى زيادة حصة القطاع العام في الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي أيضاً أكثر مما كان متاحاً، وبالتالي زيادة حجم الدين الحكومي وهذه الحالة كما يشير الباحث في البلدان التي يكون فيها تدفق رأس المال إلى الخارج من القطاع الخاص، وهكذا، وبشكل مقلوب لمقولة "المزاحمة" فإن تراجع القطاع الخاص من خلال تدفق رأسماله إلى الخارج يدفع القطاع العام لتولي حصة أكبر في الاقتصاد، وهذه النتيجة تنطبق تماماً على التجربة العربية، حيث حصة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي، بالرغم من انخفاضها عبر الزمن، ظلت مرتفعة نسبياً عند 34% مقارنة بنحو 21% للدول النامية (غير العربية) ثانية تلك النتائج، أنه يتم تقليص القاعدة الضريبية بسبب تدفق رأس المال إلى الخارج، وخصوصاً الهارب منه، حيث تنتقل الثروة الخاصة للأفراد خارج سلطة الإدارة الضريبية الوطنية، وهذا النقل يزيد عجز الميزانية إضافة إلى تدهور في توزيع الدخل بنقل عبء الضريبة من رأس المال إلى العمل .. ومرة ثانية تنطبق هذه الحالة، كما يؤكد الباحث، على تجربة البلدان العربية حيث نصيب الإيرادات الضريبية من مجمل إيرادات الحكومة لا يزيد على 36% مقارنة بنحو 69% للبلدان النامية الأخرى، ونحو 75% للبلدان المتقدمة، الأمر الذي يزيد اعتماد البلدان العربية على الضرائب غير المباشرة الارتدادية للحصول على إيرادات إضافية مثل ضرائب المبيعات والقيمة المضافة، وهو ما تم تطبيقه في جميع الدول العربية غير الخليجية، وحتى الأخيرة يوجد حالياً نقاش حول فرض ضرائب على دخل العمال غير المواطنين خصوصاً السعودية.

أما النتيجة الثالثة، والأهم، فهي أن تدفق رأس المال إلى الخارج ينطوي على تحويل الادخار من الاستثمار المحلي إلى الاستثمار المالي الأجنبي، وبذلك يتم تقليص معدل النمو الاقتصادي الذي كان يمكن أن يتحقق، وبالتالي ضياع فرص عمل لاستيعاب العاطلين العرب الذين بلغ عددهم أكثر من 15 مليون عاطل حالياً بما وضع المنطقة العربية في مقدمة مناطق العالم المصابة بالبطالة بكل أشكالها.

* مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

الخليج-الامارات

13-4-2005