منذ نهاية السبعينات من القرن العشرين، ظهر في وسط الأدب الصيني مذهب جديد لنظم الشعر يدعى "شعر الشحوبة". حيث أصدرت مجموعة من الشعراء الشباب الصينيين كمية كبيرة من أشعارهم بهذا الأسلوب الجديد، بمن فيهم الشاعرة شو تينغ والشاعر قو تشنغ والشاعر بي داو. وفي البداية كانت هذه الأشعار تقلّد وترث أسلوب الشعر الحديث، وسريعا بعد ذلك شقّ هؤلاء الشعراء الشباب طريقا جديدا لإبداعهم الأدبي.
ويرى معظم الناس أن شعر الشحوبة بدأ يتشكل عام 1978 عندما نشر الشاعر بي داو وزملاؤه مجلة أدبية بعنوان "اليوم". ونشط هؤلاء الأدباء الشباب في إصدار قصائدهم في هذه المجلة. تأثروا بالشعر الحديث الغربي واقتبسوا أساليب التعبير الغربية للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم وتفكيرهم. واختلفت قصائدهم هذه اختلافا ملحوظا عن الشعر الواقعي والشعر الرومانسي اللذين كانا ينتشران في وسط الشعر الصيني في ذلك الوقت، وسمّوها "شعر الشحوبة".
ولا شك أن شعراء الشحوبة كانوا شبابا ينشدون عالما مشرقا جميلا، ويخلقون فضاءات جديدة للشعر الحديث بتخيلاتهم الأدبية الرائعة. وأهمية شعر الشحوبة الأخرى هى أنه أوحى الى الناس باحتمالات عديدة لنظم الأشعار باللغة الصينية الحديثة، ووفّر اتجاهات لتطور الشعر الصيني. وحتى اليوم، لا يزال لشعر الشحوبة تأثير قوي في الشعر باللغة الصينية الحديثة وسوف يستمر هذا التأثير حتى مسقبل بعيد.
ولا يمكننا أن نهمل إنجازات شعر الشحوبة الفنية ومساهماته التاريخية في وسط الأدب الصيني، وما زال للكثير من قصائد الشحوبة جاذبية خاصة ومؤثرة بالنسبة الى القرّاء اليوم. ومنذ أن صدرت مجلة "اليوم" قد برز خمسة شعراء لقبوا "بالمجموعة الخمسة لشعر الشحوبة" وهم بي داو وشو تينغ وقو تشنغ وجيانغ خه ويانغ ليان. وللأسف أن معظمهم قد غيروا أسلوب إبداعهم الأدبي وتركوا شعر الشحوبة، حيث تحول بي داو الى كتابة النثر، وتوّفى قو تشنغ في أوائل التسعينات في حادثة مأساوية، وما زال يانغ ليان يتجول في وسط الأدب غير أن أعماله قلّ عددها وتفتقر الى قوة التأثير، أما جيانغ خه فقد انسحب من وسط الأدب الصيني واعتزل كتابة المزيد من الأشعار. وشو تينغ هى الشاعرة الوحيدة التي ما زالت تؤثر في وسط الأدب والشعر الصيني وتجذب كمية كبيرة من القرّاء وعشاق الشعر الشباب الصينيين.
ولدت شو تينغ التي كان اسمها في الأصل قونغ بي يو عام 1952، وعملت كبلاّطة وعاملة تغرية وعاملة نسيج وغزل، وإحصائية، ودليلة، وعاملة لحام قصدير وغيرها. ومنذ عام 1971 بدأت تنشر بعض قصائدها العاطفية على الجرائد والمجلات، وأثارت اهتمامات القراء والأدباء. وفي الثمانينات أحدثت أشعارها تأثيرات مهمة في وسط الأدب الصيني، حتى لقبت ب"ممثلة تيّار الشعر الصيني الجديد"، "ممثلة شعر الشحوبة".
تتميز أشعار شو تينغ بتفكير مستقل ومشاعر خاصة، وتدعو الى تأكيد القيمة الشخصية الفردية وتثير حب الناس للحياة الفردية. وبصفتها امرأة لاحظت الشاعرة اهمال المجتمع لشخصية المرأة المستقلة، وصعوبة تحرير النساء فعليا. وفكرت الشاعرة وسعت وكافحت ودعت بقصائدها المجتمع الى الاهتمام باستقلال شخصية المرأة وتقدّم عمران المجتمع.
وإن قصيدة بعنوان "الى شجر المطاط" من روائع شو تينغ. تصف أبياتها امرأة متميزة بجمال ولطف النساء وقوة واستقلال الشخصية الفردية، وتدعو الى تحقيق شخصية مستقلة لكل امرأة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين. حيث تقول:"سوف أكون شجرة قابوق قريبة منك، وأقف مستقيمة بجانبك." وفي قصائد شو تينغ تفهم النساء قيمة الرجال في المجتمع وفي نفس الوقت يحرصن على قيمتهن الشخصية أيضا.
وقصيدة شو تينغ الآخرى التي انتشرت بين القرّاء هى "قمة جبل الحورية". تعبر فيها عن فهم الشاعرة لمعنى الحياة، وتعارض المفاهيم القديمة المزعومة التي تدعو النساء الى التضحية بسعادتهن الفردية، حيث تقول "أفضّل البكاء على كتف حبيبي لليلة واحدة على الانتظار الخالد في قمة الجبل لآلاف السنين".