بدأ الغربيون التعرّف على الصين من الحرير، وسمّو هذا البلد البعيد في الشرق "بلد الحرير". فإن الحرير رمز الصين بشكل عام، ورمز مدينة تشو تسون في مقاطعة شاندونغ شمال الصين بشكل خاص. منذ قديم الزمان ظل الحرير من أهم المنتجات في تشو تسون، و منذ ما قبل أكثر من ألفي سنة اشتهرت هذه المدينة التي كانت نطقة الانطلاق لطريق الحرير القديم بحريرها الذي يتمتع بنفس شهرة الحرير المنتج في مدينة هانغ تشو جنوب الصين. ويمكن القول إن حضارة مدينة تشو تسون اعتمدت على انتاج الحرير وتجارته، ويعزى سبب ازدهار صناعة وتجارة المدينة الى ازدهار الحرير.

ويحكى أنه في حقبة قديمة، طارت عنقاء من بعيد الى تشو تسون وكانت في فمها شرنقة دود القزّ، وعلّم السكان هناك انتاج الحرير منها. ولأجل تعميم هذا الفن استوطنت العنقاء هذه المدينة وأصبحت جبلا هناك في النهاية، وهو جبل العنقاء اليوم في تسو تشون.

واكتشفت حول تشو تسون آثار عجلات غزل مختلفة الأشكال وغيرها من أدوات الغزل والنسيج التي يرجع تاريخها الى أزمان بعيدة. ويدل ذلك على أن صناعة الغزل والنسيج قد ظهرت في عصر الربيع والخريف في الصين القديمة ( 770-476 ق.م) حتى أقدم من ذلك بكثير. وفي أسرة هان الملكية (206 ق.م- 24م) بدأت التجارة بين الشرق والغرب تزدهر، حيث كانت تفتح بواّبات المدن الكبيرة كل صباح وتنقل العربات الحرير الى الميناء لتصديره الى كوريا ودول شرق آسيا، وتنظم قافلات لتسافر الى الغرب مجتازة السهول والصحاري الشاسعة. وقد أصبحت تشو تسون في ذلك الوقت من أهم نطاق الانطلاق لطريق الحرير البحري والبري.

وصف الشاعر الكبير في أسرة تانغ الملكية جمال الحرير ب"يصمم طرازه في الجنّة ويغزل في الدنيا". ويستحق الحرير المنتج في تشو تسون هذا الثناء الجميل. وحتى العصر الحديث حول عام 1916، قد بلغ عدد الأسر التي تشتغل بغزل الحرير في تشو تسون 3000 عائلة، وعدد المغازل 6000، وعدد عمال الغزل عشرات الآلاف، وقيمة اجمالي الانتاج أكثر من أربعة ملايين يوان. وحتى الثلاثينات من القرن العشرين وصل انتاج الحرير الى ذروته، حيث تقول "الخريطة الصينية الحديثة" التي نشرت في عام 1939 :"تزدهر صناعة الغزل الحريري في تشو تسون حتى احتلت المرتبة الأولى في مقاطعة شان دونغ."

وإن شارع تشو تسون القديم بعد مركز الحرير الحقيقي، ووصلت صناعة وتجارة المنسوجات الحريرية في هذا الشارع الى ذروتها في أسرتي مينغ وتشينغ الملكية حيث قال السكان المحليون:"تنبت أشجار التوت في كل حقل، وفي كل بيت يربي دود القزّ. تمشي كل خطوة تسمع صوت المغزل، وفي كل أسرة تنتج الأقمشة الحريرية."

وتوجد في هذا الشارع القديم متاجر حرير كثيرة مثل: متجر يونغ هه ومتجر تونغ هه ومتجر فو يوان ومتجر هنغ هه ومتجر تونغ تاي ومتجر تونغ شينغ وغيرها. وكان الشارع يظل مزدحما كل يوم بتجّار الحرير من أنحاء الصين وخارجها. وحتى اليوم ما زال الكثير من مبانيه مزخرفة بصور الحرير والتوت ودود القز، وما زالت الحكايات الأسطورية القديمة الجميلة عن الحرير تنتشر وسط الناس. ويمكن القول إن هذا الشارع القديم متحف حرير صيني حيّ بمعنى الكلمة.